تخليد ملحمة إغراق المدمرة إيلات    فيصل مصطفى يكتب: "البريكس" تحرر الاقتصاد العالمي من هيمنة الدولار    غلق باب الترشح لدورة انتخابية جديدة في 11 اتحاد أولمبي    الدوري السعودي، النصر يتعادل مع الخلود 22 في الشوط الأول    ضبط طن دقيق مدعم في الإسكندرية قبل تهريبه إلى السوق السوداء    5 مصابين في انقلاب سيارة ملاكي بطريق شبرا بنها الحر    محمود حميدة: صناعة السينما الأثقل في التاريخ    غير مرغوب به    رئيس جهاز الشروق: الانتهاء من رصف المرحلة الأولى للمحور الشرقي للمدينة    استولوا على 10 ملايين جنيه.. غدا أولى جلسات محاكمة 17 متهما في قضية فساد «الجمارك الكبرى» الجديدة    ارتفاع طفيف في سعر الذهب اليوم في مصر بحلول التعاملات المسائية    الفنان أحمد عصام يستقبل عزاء والدته في مسجد المشير.. الأحد    غدا.. قصور الثقافة تطلق المرحلة الثالثة لورشة اعتماد المخرجين الجدد    «الصحة» تنظم جلسة حوارية حول «حماية أنظمة الرعاية الصحية ضد التهديدات السيبرانية»    وفد من معهد الدراسات الدبلوماسية يزور بروكسل    القاهرة الإخبارية: الجنائية الدولية تستبدل قاضيا رومانيا يدرس طلب إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو    أبرز أحكام الأسبوع| تأجيل محاكمة أحمد فتوح والحبس 3 سنوات للمتهمين في واقعة سحر مؤمن زكريا    حزب الله يستهدف تجمعا لقوات الاحتلال ويصيب دبابة ميركافا بصاروخ موجه    بعد استخدامه في عرض مؤخرا.. «الشروق» يستعرض رأي المسرحيين بشأن المخاوف والتطلعات لعالم الذكاء الاصطناعي    المؤتمر العالمي للسكان .. جلسة حوارية بعنوان «رأس المال البشري وصحة السكان»    مشكلة خفية تسبب الإصابة بالنوبة القلبية- احذر الأعراض    مضاعفات نقص المغنسيوم في الجسم.. تعرف عليها    "سوهاج" على الخريطة السياحية المصرية.. كنوز أثرية تمثل مختلف العصور    محمود حميدة: «تكريمي في مهرجان الجونة خلاني أعرف قيمتي عند الناس»    وزير الأوقاف والمفتي ومحافظ السويس يشهدون احتفال المحافظة بالعيد القومي    أم إبراهيم.. 5 سنين بتأكل زوار إبراهيم الدسوقي بكفر الشيخ: كله لوجه الله    المفتي ووزير الأوقاف يقدمان التهنئة لأبناء السويس في العيد القومي    خبراء الضرائب: الاتفاقية الدولية لمكافحة التآكل الضريبي تتيح لمصر 5 مليارات دولار سنويا    الكشف على 327 مواطنًا في قافلة طبية مجانية بعزبة الأقباط بمنوف    هيئة الدواء المصرية تصدر قرارا بضبط وتحريز كريم مشهور لعلاج الحروق    إيد واحدة.. حملات للتحالف الوطني لطرق أبواب الأسر الأولى بالرعاية بالبحيرة.. وجبات ساخنة للفئات الأكثر احتياجا ودفع مصاريف المدارس للأيتام    مواقيت الصلاة .. اعرف موعد صلاة الجمعة والصلوات الخمس في جميع المحافظات    خطيب المسجد الحرام: شعائر الدين كلها موصوفة بالاعتدال والوسطية    هل يحاسب الرجل على تقصير أهل بيته في العبادة؟.. رأي الشرع    بدء المؤتمر العام للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي.. صور    المحطات النووية تعلن انتهاء تركيب المستوى الأول لمبنى المفاعل بالوحدة الثانية    افتتاح مسجد الرحمن بمنطقة "ابن بيتك" شرق النيل ببني سويف    سكرتير عام مساعد بني سويف يتفقد مخر السيل وبحيرات التجميع استعدادا لموسم الأمطار    بعد انخفاضه.. ماذا حدث لسعر الذهب اليوم في مصر بمنتصف التعاملات؟    صحة غزة تعلن مقتل 38 شخصا في قصف إسرائيلي على خان يونس    الإثنين.. مجلس الشيوخ يناقش مد العمل بقانون إنهاء المنازعات الضريبية    المركز القومي للسينما يفتتح معرض "بين الشاشة واللوحة".. صور    وزير الري: إعداد خطة عاجلة لضمان مرور الموسم الشتوي بدون أزمات    أسعار البيض المستورد في منافذ وزارة التموين.. ضخ 10 آلاف طبق أسبوعيا    مركز الأزهر العالمي للفتوى: الإخلاص في العمل يغير الإنسان والمجتمع    أستاذ علوم سياسية: الجهود المصرية خارج التقييم وتصورات الرئيس تأخذ في عين الاعتبار    خبير: المواطن الأمريكي يشتكي لأول مرة من ارتفاع تكاليف المعيشة    خلال 24 ساعة.. تحرير 617 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    القبض على عصابة تزوير المحررات الرسمية بالبحيرة    جثة قتيل بالرصاص تثير لغزًا في أطفيح    إعادة محاكمة متهم بأحداث عنف الزيتون| غدا    تين هاج يفسر قراره المفاجئ بشأن مزراوي    هنري: مبابي لا يقدم الأداء المطلوب مع ريال مدريد    غدا.. النادي المصري يعقد عموميته العادية    ميدو: شيكابالا قائد بمعنى الكلمة..ولم يسعى لأخذ اللقطة    سوليفان: واشنطن لا تسعى لتغيير النظام في طهران    كولر أم محمد رمضان ؟.. رضا عبد العال يكشف سر فوز الأهلي بالسوبر المصري    إمام عاشور وسط أفراح السوبر: أنا نيجيري مش مصري!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في بيتنا.. مدمن!
نشر في العالم اليوم يوم 15 - 02 - 2010

قلبي ينفطر عندما استمع لمشكلات البسطاء في بلدي.. فهؤلاء تسودّ الدنيا أمام أعينهم، وتتوقف بوصلة حياتهم عندما يُصاب عضو في الأسرة بمرض، أو يمني بالفشل في تعليم أو عمل.
ولأنهم لا يصلون إلي الإعلام ونجومه، ولا ينجحون في ايصال أصواتهم إلي من يستشعرون فيه القدرة علي مساعدتهم، فإن مشاعر الوحدة والعزلة والاغتراب تسيطر عليهم.. إنهم معجونون بالطيبة وقلة الحيلة والمشكلة عندما تصيبهم تقلب حياتهم.
هكذا كانت حالة محمود، السائق الذي كان يقلّني لأول مرة في مشوار داخل القاهرة، ورغم عدم المعرفة المسبقة لكنه فتح الملف الذي يؤرقه، لم يكن يطلب مشورة لكن يسعي لتوصيل رسالة توعية للآباء الطيبين أمثاله.
إنه يري في نفسه أبا مثاليا، لا يتواني عن بذل كل جهد، للعمل من أجل توفير احتياجات أبنائه الثلاثة، حتي إنه يقضي طوال الليل يقود السيارة لحساب إحدي الوكالات، حتي يعينه الدخل الاضافي من هذا العمل علي تغطية نفقات الأسرة، وسد العجز في راتب الوظيفة.
عيناه متورمتان من قلة النوم، وشدة الارهاق ويتمني لو أن ابناءه يشعرون بعد كل ذلك بالرضا، فطلباتهم لا تنتهي، لكن قصة ابنه الوحيد المراهق.. بدأت من تقليد أقرانه في الملابس، والموبايلات، والخروج والفسح.
لقد كان طالبا متفوقا فيما مضي، شديد الحساسية للتوجيه، يحترم المدرسين، ويقدر مشقة الأب الذي يحاول توفير نفقات الدروس الخصوصية، ولكن الوالد المكافح بدأ يشعر بتغييرات جذرية علي سلوك الابن.. فمعظم الأوقات يجده نائما، والاهتمام بالمذاكرة تحول إلي لامبالاة، وتراجع الطموح بالحصول علي مجموع كبير في الثانوية العامة حتي يتمكن من دخول كلية الهندسة، وتواري حلم "المهندس" حتي لم يعد يذكر ذلك أمام الأسرة.
قرر الأب أن يغيب عن العمل في ذلك اليوم، ويتوجه إلي المدرسة للسؤال عن أحوال ابنه، واكتشف المصيبة الأولي: "الطالب الذي كان متفوقا فيما مضي من سنوات.. مفصول نظرا لتكرر الغياب.. وعدم استدعاء ولي الأمر!!"
والمصيبة الثانية: إنه كذاب.. وأخفي "جوابات" المدرسة وكان يتسلمها من البريد ويمضي بالاستلام بدلا من الأب.
أما المصيبة الثالثة: والتي شعرت وأنا استمع إلي تفاصيلها بالدوار، والشفقة علي الأب والأسرة، فهي أن الطالب، ابن المواطن الطيب مدمن للمخدرات!
وبدأت رحلة هذا الأب المسكين في انقاذ فلذة كبده من براثن الادمان.
ويحكي مغامرات شاقة في تتبع تجار السموم، الذين كانوا يروجون الحبوب.. والحقن لهؤلاء الشباب المغلوبين علي أمرهم، في المقاهي، ومحلات الألعاب والانترنت، وعلي نواصي الشوارع، ويجمعون يوميا حصيلة ما كان سيذهب للدروس الخصوصية، وإن لم توجد أموال لدي الشباب المدمن البائس، فيأخذون منهم أجهزة المحمول، بل وحتي ملابسهم وأحذيتهم!
وخلال يوميات التصدي لهذه المصيبة، قام الأب المكلوم بكل الأدوار الشرطية، والصحية، والاجتماعية.
أبعد أولا الابن عن الشلة الفاسدة من الأصحاب، واغلق عليه غرفة بالشقة ولازمه.. بكي معه.. عندما اشتد به ألم الإدمان.. أخذه في حضنه وكأنه رضيع في شهوره الأولي، سقاه اللبن بالحليب، وأطعمه بيديه.. ضربه عله يستيقظ من ذلك المارد الذي يسري في دمه ويلح عليه لطلب المزيد من الجرعات.. نام إلي جواره دون نوم حقيقي.. وهو يراقب انفعالاته والعرق يتصبب من جبينه.. يأخذه إلي الحمام ويغلق وراءه الباب خوفا من هروبه.. و"يحمّيه" كطير منتفض.. ويعود به إلي الغرفة ويحكم غلقها، تحسبا لأي ردود أفعال.
كان الأب يحكي ودموعه تنهمر، وهو يستعيد تلك اللحظات القاسية ويداه ترتجفان محاولا احكامهما علي مقود السيارة.
لم يذهب إلي طبيب أو مستشفي... لأن التكلفة لايقدر عليها، ولم يستعن بأحد من الاخصائيين، غير صديق قديم، من أيام الطفولة كان يتولي معاضدته النفسية بالاطمئنان عليه، والشد من أزره.. وهو الذي شجعه بالنصيحة: "لا مفر.. غير ما أقدمت عليه".
ظل علي هذا الوضع أكثر من شهرين، لا يفارق ابنه، وقراره الوحيد، إما أن ينقذه أو يقتله!.. هكذا قال.. وقد هربت من لسانه عبارة القتل فخرجت ومعها أجهش بكاء.
وتدريجيا بدأ الابن يستجيب، بعدما انسحبت تدريجيا من دمه السموم.. وخرج لأول مرة برفقة والده إلي المسجد القريب للصلاة.. وتضرعا إلي الله لكي ينجدهما ويتم شفاءه.
ثم تكررت مرات الخروج، مرة إلي الحلاق، وأخري للسينما، وثالثة لعيادة الطبيب.. وهكذا.. والآن عاد الابن إلي المدرسة، محاولا تعويض ما فاته.
لكن الأب لم يعد بعد من هذه الرحلة القاسية، بل مازال مهتزاً، مضطرباً، يستعصي عليه النوم، تطارده الكوابيس، ولا تفارقة تلك المشاهد القاسية التي عايشها كدهر طويل.
ربما كان شفاؤه الوحيد، أن يحكي قصته مع ابنه لكل أب وأم، ربما تنفع النصيحة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.