كتبت السفيرة د. ماجدة شاهين مقالا في جريدة "العالم اليوم" بعنوان "مصر شريك استراتيجي في إطار علاقات استراتيجية مع الولاياتالمتحدة" والملاحظ أنه منذ فترة استخدمت بعض الكلمات بشكل متكرر يصل إلي حد المبالغة، مثل كلمة الحرية.. حرية التجارة.. حرية النقد.. وحركة الأموال... إلخ.. وهي كلمة ثبت في التطبيق انها لا تفيد إلا مصالح احتكارية في البلاد المتقدمة وتسبب لبلاد العالم الثالث مزيدا من الإفقار والفساد. أما كلمة استراتيجية فتتكلم عن علاقات دولية طويلة المدي وتتأسس عليها كثير من السياسات غير أن الواقع يبين أن ما يسمي علاقة استراتيجية إنما ترتبط بتوافق المصالح في فترة معينة، وتنتهي بنهاية هذا التوافق.. فلا شك أن مصالح أمريكا والاتحاد السوفيتي كانت متوافقة في الحرب ضد ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية والعسكرية اليابانية.. ولكن بمجرد انتهاء الحرب العالمية الثانية تحولت العلاقة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي إلي علاقة عداء.. أما العلاقة بين أمريكا وألمانيا فتحولت إلي تحالف وثيق في إطار "الناتو"، وكذلك الحال مع إيطاليا.. أما اليابان التي كانت خطة أمريكا تصفية قواتها المسلحة وكيانها الاقتصادي فقد تحولت إلي تحالف مكن اليابان من بناء هيكلها الاقتصادي، بل تم إرجاع كيان الشركات اليابانية الكبيرة التي صفيت بهزيمة اليابان. لذلك فإن الكلام عن علاقة استراتيجية بين مصر وأمريكا يجب أن يبدأ من دراسة المصالح الأمريكية التي تخدمها سياسات أمريكا سواء عالميا أو علي نطاق منطقة الشرق الأوسط، وكذلك دراسة المصالح المصرية في المنطقة. المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ترتكز علي السيطرة علي المصادر البترولية في منطقة الخليج والامتداد ما أمكن إلي نفس المصادر في منطقة وسط آسيا بداية من غزو العراق وأفغانستان وتقوم إسرائيل بدور محوري في حماية تلك المصالح وأساسا في استنزاف قدرات مصر عسكريا وإرهاقا اقتصاديا وعزلها عن الشرق العربي. وكما قال أوباما في خطابه في جامعة القاهرة فإن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل هي علاقة لا يمكن أن تنكسر.. فإسرائيل هي حارس المصالح الأمريكية في المنطقة. وإضعاف مصر يمثل حجر الزاوية في الحفاظ علي المصالح الأمريكية في المنطقة. أما عن مصر فإن تاريخها الحديث بل منذ انهيار الحضارة الفرعونية يكاد يتلخص في العداء أو التناقض بين مصر وأي قوة ذات هيمنة عالمية ولعل محمد علي لم يكن من الممكن أن يقوم بدوره في بناء مصر الحديثة إلا مع تدهور الامبراطورية العثمانية.. أما عرابي فقد هزمته بريطانيا وقت كانت الامبراطورية البريطانية في عنفوانها ولم يكن من الممكن أن يحقق عبد الناصر جلاء القوات البريطانية وتأميم قناة السويس وبناء اقتصاد وطني إلا مع انهيار الامبراطورية البريطانية مع نهاية الحرب العظمي الثانية، وحدوث تغييرات كبري في علاقات القوي الدولية. والحقيقة أن الكلام عن علاقة استراتيجية مع أمريكا يذكرني بمقولة أمين عثمان باشا عن ديمومة العلاقة بين مصر وبريطانيا وتشبيهه تلك العلاقة بالزواج الكاثوليكي. والغريب أن يتحدث المقال عن اتفاق استراتيجي تم توقيعه بين وزير التجارة والصناعة المصري وممثل التجارة الأمريكي.. علما بأن أمريكا رفضت إقامة منطقة للتجارة الحرة بين البلدين في الوقت الذي تم توقيع اتفاق الكويز الذي يشترط نسبة من المكون الإسرائيلي في الصادرات المصرية إلي أمريكا وهو يعني دفع إتاوة للاقتصاد الإسرائيلي وتعطيل صناعة المكونات اللازمة للملابس الجاهزة في مصر. وبالطبع فإن اتفاق إقامة منطقة تجارة حرة مع أمريكا يعني إبطال اتفاقية الكويز التي تنشط السفارة الأمريكية في توسيع المناطق الصناعية المصرية المشمولة بها. حظيت زيارة أوباما للقاهرة بضجة إعلامية ولا شك أن أوباما يحظي بكريزما كبيرة ولعله خير من يمكن أن يقوم بجولة علاقات عامة يتملق فيها المشاعر الدينية في هذه المنطقة ويشيد بالدين الإسلامي بعد الموقف المتغطرس الذي كانت تتخذه إدارة الرئيس بوش. أولا موقف أمريكا مما يسمي الإرهاب الإسلامي يحمل قدرا كبيرا من النفاق.. فمن المعروف أن المخابرات الأمريكية بالتعاون مع بعض المخابرات العربية كان لها دور أساسي في تجنيد العناصر التي كانت تمثل تنظيم القاعدة بهدف مقاومة الغزو السوفيتي لأفغانستان.. ولكن عندما تحولت لمقاومة الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق أصبحت جماعات إرهابية.. أما عملية 11 سبتمبر وتحطيم برجي التجارة في نيويورك فقد كتبت العديد من الكتب التي تفضح دور المخابرات الأمريكية في تجنيد القائمين بها أو إيهامهم بهذه العملية في حين أن السيطرة علي الطائرتين كانت تتم عن بعد حيث لا يمكن لهذه الطائرات أن تقوم بالمناورات التي تهدم البرجين بقيادة بشرية.. حسبما أكدت مقالات وكتب عديدة صدرت عن الحادث. واستخدمت هذه العملية في تبرير غزو أفغانستان.. إنما السؤال: لماذا ترغب أمريكا حاليا في تملق المشاعر الدينية للبلاد المسلمة حاليا؟ الرد علي هذا السؤال يحتم دراسة الوضع الأمريكي أو بالأحري دراسة تدهور أوضاع الاقتصاد الأمريكي، وانحدار قدرات أمريكا اقتصاديا واجتماعيا والتناقضات الاجتماعية التي تجتاح المجتمع الأمريكي. لقد تفجرت الأزمة المالية في أمريكا وهي ليست أزمة زيادة إنتاج كأزمة الثلاثينيات من القرن الماضي بل أزمة تآكل القدرة الإنتاجية والعجز في الميزان التجاري، والحسابي، وتحول البنوك إلي تمويل الاستهلاك والعقارات والدخول في دوامة تجارة الأوراق المالية ومشتقاتها وإفلاس الشركات المنتجة ومنها شركة جنرال موتورز.. وصاحب ذلك زيادة معدل البطالة، وتزايد العجز في ميزانية الدولة، وعدم قدرتها علي القيام بتكلفة التأمين الصحي والمعاشات، وتحملها 52.1 تريليون دولار لإنقاذ الجهاز المالي والبنوك.. ومن العجب أن ثروة أغني 400 ملياردير أمريكي يصل مجموعها إلي 56.1 تريليون دولار بمعدل 9.3 مليار لكل واحد منهم. وضع أمريكا الآن أن الدولار يتجه إلي أن يفقد وضعه كعملة دولية. كل ذلك يدعو واضعي السياسة الأمريكية إلي مراجعة موقفهم من جميع القوي الدولية، وحتي أمريكا اللاتينية التي كان يطلق عليها الفناء الخلفي للولايات المتحدة خرجت عن الهيمنة الأمريكية من أول فنزويلا حتي البرازيل.. وإذا لاحظنا غرق الولاياتالمتحدة في مستنقع أفغانستان والعراق نجد أن الامبراطورية الأمريكية تنحدر بل تتصدع والرهان علي شراكة استراتيجية مع أمريكا رهان خاسر.