بمناسبة عيد تحرير سيناء وانسحاب آخر جندي إسرائيلي من الأرض المصرية في 25 إبريل 1982 عادت الذكريات تطفو علي السطح من جديد.. ذكريات الحرب مع أبطال مصر الذين عبروا قناة السويس في أكتوبر 1973 وحطموا الأسطورة العسكرية الإسرائيلية إلي اقتحام عملية السلام واستعادة الأرض المصرية كاملة بعد مفاوضات شاقة ومضنية لم يرض عنها البعض ولكن نتيجتها كانت تصب في المصلحة المصرية وتضعها فوق كل اعتبار. جنود مصر وضباطها ضربوا مثالا في الشجاعة والإقدام واستخدموا إمكانيات دفاعية في اختراق خط بارليف المنيع في حرب أكتوبر 73. مر علي حرب أكتوبر 1973 حتي الآن نحو 36 سنة، أي أن من يبلغ سنه الآن فوق الأربعين بعدة سنوات لم يعاصر تلك الحرب وأجواءها ولم يعرف كم كان جيلنا يعاني من مرارة احتلال الأرض والرغبة في تحريرها مهما كانت التضحيات. من لم يعش تلك الفترة الكئيبة والعصيبة في تاريخ بلدنا لم يشعر بالأسي والإحساس بالقذارة، واعذروني لاستخدام هذا التعبير، الإحساس بالقذارة لأن جزءا من جسد بلدنا ملوث باحتلال الأعداء. كل يوم مر علينا وأرضنا محتلة كان يمزق قلوبنا ويسلخ جلودنا فمصر لم تتعود علي الركون للاحتلال أو الاستسلام للغزاة.. كان عارا علينا أن نترك العدو يمرح علي أرضنا ويحول بيننا وبينها. لا يتصور أحد كم كان الشعب المصري يتابع في تلك الأيام التي سبقت حرب أكتوبر 73 عملية بناء القوات المسلحة المصرية.. ومدي الإحساس بالأمل حين كنا نلاحظ قوافل الدبابات والمعدات الحديثة وهي تتجه إلي جهات غير معلومة عبر طرق صحراوية وزراعية، وكنا وقتها ندرك انها تستعد لمعركة التحرير. تابعنا التحركات السياسية الدولية ولقاءات الأقطاب الدوليين وشعرنا بمرارة شديدة حين اتفق علينا السوفييت والأمريكان وقرروا فرض حالة الاسترخاء في الشرق الأوسط أو ما يعرف بحالة اللاسلم واللاحرب. كنا نعلم أن تكاليف التحرير باهظة، وكان أبناؤنا من خريجي المدارس والجامعات يتخرجون ليذهبوا إلي الجبهة علي امتداد قناة السويس المعطلة حيث يواجهون صلف العدو علي البر الآخر للقناة ويتمكن منهم الغيظ وينتظرون لحظة اطلاق العمليات. من لم يعش تلك الأيام لا يعرف مصر ولا شعبها ولا قيمة سيناء أو أي حبة رمل من بلادنا وما تستحقه من تضحية. تنازل الشعب عن كل المطالب، وكل الخلافات، وتوقفت المساومات والمناورات حتي الجرائم الجنائية تقلصت وتوجهت قلوب الناس وعقولهم إلي تحرير الأرض. هنا يأتي دور القيادة الواعية المخلصة لأماني شعبها، وجهت السلاح المتاح للدفاع للهجوم، وأعدت خططا سياسية عسكرية متوازنة تستطيع من خلالها اختراق الإجماع الدولي علي فرض الاسترخاء وإبقاء إسرائيل في حالة احتلال للأراضي العربية وأرض مصر من بينها. إن عملية السلام كانت جزءا من تخطيط استراتيجي للتعامل مع القضية برمتها، والمسئولية تقع ليس علي من نفذ هذه الاستراتيجية باقتدار، وإنما علي من قرر عدم المشاركة.. وبقوا علي جانب الطريق يشتمون مصر بعدأن فاتهم القطار.