سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رغم أنها لاتزال صاحبة ثالث أكبر احتياطيات بالنقد الأجنبي في العالم روسيا تواجه البطالة والتضخم وعجز الموازنة وإجمالي ناتجها المحلي ينكمش 5 10% خلال 2009
لقد اعتاد الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أن يدلي بأحاديث تليفزيونية ناعمة عن الأزمة المالية ولكن مع التصاعد الحلزوني في معدل البطالة وتراجع حجم الإنتاج الصناعي وارتفاع معدل التضخم وانخفاض قيمة الروبل وصرير الموازنة العامة للدولة راح المواطن العادي في روسيا يتساءل باندهاش عما يجري حوله. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا تؤكد أن أكثر من نصف المواطنين الروس ليست لديهم سوي فكرة محدودة عما تفعله الحكومة لمساعدتهم علي تحمل الأزمة الاقتصادية. وعندما بدأ الاقتصادي الروسي الذي كان يستقوي بالبترول يدخل حالة الركود في الخريف الماضي متأخرا عن كثيرين غيره من البلدان الأخري ضيق الكرملين الخناق علي المناقشات العامة واتهم أمريكا بنقل عدوي الركود إلي العالم. وسرعان ما هبطت أسعار البترول وتحولت العدوي إلي مرض وفقد مئات الآلاف من الروسي وظائفهم وأصبح الصمت علي ما يحدث أمرا غير مجد عاد الرئيس الروسي إلي الحديث التليفزيوني مرة أخري متوخيا الصدق هذه المرة في الكشف عن قسوة الظروف الاقتصادية واعترفت وزارة الاقتصاد بأن إجمالي الناتج المحلي الروسي سينكمش بنسبة 2،2% خلال عام 2009 لأن معدل الاستثمار سوف يتراجع هو الآخر بنسبة 14% خلال العام نفسه. والأمر المؤكد أن هذا الانكماش يعد ضربة قاسية لدول مثل روسيا كانت تنمو في السنوات الثماني الأخيرة بمعدل يناهز ال 8% سنويا ويزيد من صعوبة المواقف أن المصادر المستقلة تتوقع أن تزيد نسبة الانكماش علي النسبة التي أعلنت عنها وزارة الاقتصاد الروسية وأنها قد تصل إلي 5% أو حتي 10% خاصة إذا وضعنا في الاعتبار ما حدث من انخفاض شديد في أسعار البترول الذي تعتمد روسيا كثيرا علي عائداته. وبجانب ما تقدم فإن مؤشري البورصة الرئيسيين قد فقدا 80% من قيمتها خلال العام الأخير. وفقد الروبل أكثر من 30% من قيمته أمام الدولار وفي نفس الوقت فإن أسعار الطعام الذي يتم استيراد معظمه مستمرة في الارتفاع. وتجدر الاشارة إلي انخفاض أسعار البترول كانت له آثار أخري ضارة حيث يعترف المسئولون الروس بأن بلادهم تواجه هذا العام عجزا في الموازنة بنسبة 8% علي الأقل ولذلك يتحدث رئيس الوزراء بوتين عن ضرورة سد العجز في الموازنة عن طريق خفض الانفاق، وهذا الخفض سيصل حتي إلي تكاليف دورة سوتش للألعاب الأوليمبية الشتوية التي تستضيفها روسيا عام 2014 برغم ما يعوله الروس علي هذه الدورة من قيمة دعائية، وستصل نسبة الخفض هنا إلي نحو 15%، ورغم اتجاه الروسي إلي ربط الأحزمة فإن ذلك لم يمنع قادتهم من مواصلة تزويد الجمهوريات السوفيتية السابقة مثل قريميزيا وروسياالبيضاء بمليارات الدولارات من القروض الميسرة دفاعا عن المصالح الاستراتيجية الروسية لدي دول الجوار. وقد انفق الكرملين 200 مليار دولار أيضا من احتياطياته لتلافي آثار انخفاض قيمة الروبل وما تسببه من ذعر للناس، ولكن يبقي لدي الكرملين حتي الآن احتياطيات حجمها 380 مليار دولار هي ثالث أكبر احتياطيات بالنقد الاجنبي في العالم كله، وهو ما يثير نقاشات وطنية حامية حول أفضل وسيلة لاستثمار هذه الاحتياطيات، فالبعض مثل عمدة موسكو يوري لوزكوف يريدون عدم اكتناز الاحتياطيات ويدعون إلي ضخها في شراين الاقتصاد الروسي، ولكن هناك آخرين مثل وزير المالية الليبرالي أليكس كودرين لا يوافقون علي هذه الرؤية، وهناك الآن نحو نصف مليون روسي لهم رواتب متأخرة تتناقص قيمتها دوما مع ارتفاع معدل التضخم إلي 13% سنويا، وهناك آخرون يرون المصانع التي شبوا فيها مضطرة إلي خفض الإنتاج أو تأجيل افتتاح توسعاتها الجديدة ومنها مصانع إنتاج السيارة الروسية الشهيرة لادا، وقد بلغت نسبة انكماش الإنتاج الصناعي الروسي في يناير الماضي 16% سنويا وهي أعلي نسبة منذ عام كامل. أما معدل البطالة فقد ارتفع إلي 7،7% في ديسمبر الماضي وهو أعلي معدل منذ نوفمبر ،2005 وهذا يعني وجود 5،8 مليون عاطل في روسيا حاليا حسب التقديرات الحكومية، أما التقديرات غير الرسمية فتري أن الرقم أعلي من ذلك بكثير، وحتي الأقلية الحاكمة بدأت تشعر هي الأخري بتداعيات الأزمة حتي أن عدد المليارديرات الروسي قد هبط إلي النصف ليصبح 49 مليارديرا فقط تحت تأثير الأزمة الاقتصادية. ونتيجة لكل ما تقدم بدأت تظهر علامات علي عدم الاستقرار الاجتماعي وعلي سبيل المثال خرج الآلاف للتظاهر في الشوارع بميناء فلاديفو ستوك في أقصي شرق روسيا احتجاجا علي زيادة الجمارك علي واردات السيارات اليابانية المستعملة التي تعد التجارة فيها أحد أعمدة الاقتصاد المحلي، واضطر الكرملين العصبي إلي استخدام شرطة محاربة أعمال الشغب في موسكو للتعامل مع مظاهرات فلاديفو ستوك، ورغم أن الأعمال الاحتجاجية لاتزال محدودة فإن تصاعدها سيأكل شعبية كل من الرئيس الروسي ورئيس وزرائه بوتين علي الرغم من أن استطلاعات الرأي لا تزال تظهر رضا الناس عنهما بنسبة 65% علي الأقل وهناك من يفسر تحركات الرئيس ميدفيديف علي أنها محاولة للخروج من ظل بوتين ولكن هناك أيضا من يري أن بوتين هو الذي يصدر ميدفيديف للناس ليبدو وكأنه المسئول عن معاناتهم من الأزمة الاقتصادية، وعموما فقد بدأت الرءوس تتدحرج وقام ميدفيديف بعزل أربعة من حكام الإقاليم الروسية وعلينا أن نتوقع المزيد من هذه الأعمال كلما تزايد غوص الاقتصاد الروسي في وحل الأزمة العالمية.