حالة من عدم الوضوح تسيطر علي سوق الحديد حاليا بعدما تبدلت الصورة تماما بعد فتح باب استيراد الحديد قبل أربعة أشهر وذلك بغية زيادة التنافس في السوق المحلي شريطة الالتزام بالمواصفات وهو ما جعل هناك نوعا من الاستقرار في أسعار الحديد. وعلي الرغم من الاعتراض الشديد الذي واجه القرار من قبل المنتجين إلا أن الأوضاع الحالية تكشف عن وجود مفارقات وألغاز عجيبة سعينا لفك طلاسمها فالمنتجون الذين عارضوا القرار بالأمس باتوا اليوم من أهم المستوردين ولم يدخل من التجار إلي حلبة الاستيراد إلا أعداد قليلة لا تذكر وعلي الرغم من ذلك فإن نفس المنتجين مازالوا يصرون علي مطالبهم بضرورة فرض رسوم إغراق علي المستوردات من الحديد لضبط إيقاع السوق!! "الأسبوعي" حاول رصد المستجدات في السوق بعدما تكشفت ملامح أركانه متمثلة في وجود قلة من التجار المستوردين وعدد من المنتجين المستوردين!! وشق ثالث في السوق من المنتجين المتضررين وهم يعيشون حالة من الترقب لما وصفوه بالعجائب التي يشهدها السوق. من جانبه يؤكد عياد فلتس صاحب مصانع أولاد فلتس للصلب أن السوق المحلي يشهد نوعا من الاستقرار بعد موجة من جنوح الأسعار التي استمرت طيلة الشهور الماضية واصفا قيام بعض المنتجين بالاستيراد إنما يعد خطوة غير مفهومة وتحتاج إلي توضيح مشيرا إلي أن الحكومة لن تلجأ إلي فرض رسوم إغراق كما يطالب البعض بسبب أن المستهلك تحمل أسعارا فاقت قدراته خلال الفترة الماضية وبالتالي ليس من المنطق في الوقت الراهن أن تلجأ إلي فرض سياسات حمائية بسبب ما يصفه البعض بالإغراق. "معايير واضحة" وتابع قائلا إن معادلة الإغراق كبيرة وتحتاج إلي معايير واضحة حتي ينطبق المفهوم علي المستجدات علي أرض الواقع. وحول الاتهامات المثارة للمنتجين باللجوء إلي الاستيراد بغرض ضرب باب الاستيراد من خلال إغراق الأسواق ومن ثم فرض رسوم بأنها في حالة صحتها فستكون مقامرة غير محسوبة وغير محمودة العواقب. أما الدكتور يحيي شاش - خبير صناعة الصلب - فقد وصف المستجدات في السوق والنسق الذي تسير عليه بالفوضي العارمة معتبرا أن فتح باب الاستيراد سيصبح ميزة نسبية للمنتجين قريبا مع لجوء معظمهم إلي الاستيراد. وتابع قائلا إنه ليس من المنطق أن تعمل المصانع بأقل من طاقتها الاستثمارية ثم تلجأ إلي الاستيراد حتي تغرق السوق المحلي ومن ثم ممارسة ضغوط علي الحكومة فيما بعد لفرض رسوم إغراق وبالتالي إلغاء القرار بنوع من الاحترافية. "شلل الصناعة" أما المهندس خالد البوريني وهو مستورد حديد فقد أشار إلي أنه رغم كونه استورد الحديد لكن لابد أن نعترف بأن الاستيراد ليس حلا، بل هو سلاح ذو حدين، لأنه لو حدث إغراق للحديد في السوق فسوف يؤدي إلي شلل في هذه الصناعة، وتدمير للمصانع، وتشريد للعمال وإضرار بالانتاج الوطني، ولذلك يجب أن نتعامل مع المشكلة بحرص بالغ. أضاف البوريني أن من العجائب التي يشهدها سوق الحديد قيام بعض المنتجين بالاستيراد وهي أصوات كانت بالأمس من أبرز المعارضين لقرار فتح باب الاستيراد واتهم البوريني بعض المنتجين بالسعي لاغراق السوق بالحديد حتي يتم فرض رسوم إغراق في وقت لاحق وبالتالي التخلص من القرار الذي أرقهم لفترة طويلة. مضيفا أن عملية الاستيراد ليست نزهة، بل لها قواعد وأسس وصعوبات يجب أن تحترم مشيرا إلي تجربته الشخصية في عملية الاستيراد قائلا عند وصول أول مركب حديد مستورد قمت بالتعاقد عليها وبدأت مشاكل وعراقيل تلوح في الأفق ومنها لابد من كتابة رتبة الصلب علي كل سيخ، مع العلم بأنه لا يوجد مصنع في العالم يكتب الرتبة علي الأسياخ، فمن الصعب تنفيذ ذلك، وتدخلت الوزارة وتم استكمال الإجراءات ودخلت الشحنة. أضاف أنه باختصار هناك أصابع خفية تضع العراقيل أمام استيراد الحديد وقد بدأت هذه العراقيل منذ عام 1994 عندما وضعت فكرة العلامة التجارية وكان المقصود بها تعطيل الاستيراد، في هذه الفترة قام عدد كبير من المستوردين باستيراد 200 ألف طن حديد من غير علامة تجارية وتم رفض دخول الشحنات وأفلس البعض بسبب هذه الكارثة. أشار إلي أن أحد العراقيل التي وضعت أمامه عندما قام باستيراد شحنة حديد قالوا إن وزن المتر الطولي للسيخ يزيد 3 جرامات عن المواصفات المصرية، برغم أن هذا لا يضر المنشأة، بل يفيدها وتم رفض دخول رسالة الحديد ولم تدخل السوق! أي أن المستورد لا يجد الطريق أمامه ممهدا لاستيراد الحديد من الخارج، وإدخاله السوق المحلية، ولذلك لا يتشجع المستورد علي خوض هذه التجربة. "تسعير خاطئ" وأوضح البوريني أن مشكلة الحديد لدينا هي وجود تسعير خاطئ فبمجرد سماع ارتفاع أسعاره في الخارج، ترتفع أسعاره محليا، فهناك جشع تجاري، والتجار يبالغون في الأسعار لتحقيق مكاسب والمصانع لها يد في تسريب شائعات. أضاف أن حل مشكلة الحديد مطبق في دول كثيرة منها الأردن ويتمثل في تكوين مجلس أعلي للصلب ومواد البناء يضم كل المصانع المنتجة، وممثلا من الجمارك، وضرائب المبيعات لضمان حق الدول ويحدد كل مصنع طاقته الانتاجية، وتكلفته كل سنة، وتوضع خطة بالاحتياجات الفعلية للسوق، وبالتالي يتم السيطرة علي النشاط المحلي في السوق، وأيضا علي التصدير والاستيراد وتقنين المسألة. أما استمرار هذا الوضع الحالي فلن يحل المشكلة لأن مشكلة الأسمنت تتكرر في الحديد والكل يعلم أن السبب هو أن الدولة تركت المصانع المنتجة للقطاع الخاص الذي يحتكر ويحدد السعر لمصلحته الخاصة علي حساب المصلحة الوطنية. طالب بإعطاء مصانع الدرفلة الفرصة لتعميق الصناعة وألا نجعل الأجانب يتحكمون في إنتاج المواد الداخلة في صناعة الحديد مثل البليت، ووجود المجلس أيضا يضمن ثبات سعر الحديد كل ستة أشهر مما يحقق الاستقرار للتاجر والمقاول والمستهلك بدلا من تغير السعر كل شهر. "منتج ومستورد!!" أما رفيق الضو العضو المنتدب لشركة البحر الأحمر لحديد التسليح وهو منتج ومستورد فقد أشار إلي أن استمرار استيراد الحديد يمثل خطورة بالغة علي المنتجين والصناعة ككل في ظل استيراد حديد بأسعار أقل من قيمتها في الدول التي يتم الاستيراد منها وهي إحدي بنود قانون الإغراق الذي يقضي بضرورة فرض رسوم إغراق علي المنتجات المنافسة للصناعة المحلية، قائلا إن الأمر له أبعاد أخطر فالمصانع ستصبح مهددة في ظل استمرار الاستيراد والمخاوف علي مستقبل العمالة مشيرا إلي أهمية وجود حملات وقائية يتم من خلالها توعية الجمهور بأهمية الصناعة الوطنية. طالب الضو الإعلام بتناول القضية بصورة أكثر جدية وعدم تحويلها إلي قضية رأي عام لأنها ستضر بالصناعة ماليا. أوضح الضو أنه لديه تفاؤل كبير خلال الفترة المقبلة بتنامي سوق الحديد علي مستوي المنطقة وتحقيق نمو أكبر مرتكزا علي عوامل التحول الديموجرافي في المنطقة واستمرار الطلب علي البني التحتية وهو ما يؤكد مزيدا من العوز لاستكمال خطط التنمية وغيرها من العوامل التي تذكي روح التفاؤل.