أصبحوا الآن أكبر المستوردين له، وتحكموا من جديد في أسعاره، وأصبح الغموض سيد الموقف، فوزارة التجارة تركت الكل يتصارع، وأصبح المستهلك يواجه جهله بالسعر الحقيقي، رغم إعلان أسعار الحديد كل أسبوع، لكن ذلك لم يفلح للقضاء علي هذه الفوضي الموجودة. "صوت البلد" حاولت رصد المستجدات في السوق بعدما تكشفت ملامح أركانها متمثلة في وجود قلة من التجار المستوردين وعدد من المنتجين المستوردين، وشق ثالث في السوق من المنتجين المتضررين وهم يعيشون حالة من الترقب لما وصفوه بالعجائب التي تشهدها السوق. وحول ذلك يقول عياد فلتس صاحب مصانع أولاد فلتس للصلب: إن السوق المحلية تشهد نوعًا من الاستقرار بعد موجة من جنوح الأسعار التي استمرت طيلة الشهور الماضية.. واصفًا قيام بعض المنتجين بالاستيراد، إنما يعد خطوة غير مفهومة وتحتاج إلي توضيح، مشيرًا إلي أن الحكومة لن تلجأ إلي فرض رسوم إغراق، كما يطالب البعض بسبب تحمل المستهلك أسعارًا فاقت قدراته خلال الفترة الماضية، وبالتالي ليس من المنطق في الوقت الراهن أن تلجأ إلي فرض سياسات حمائية، بسبب ما يصفه البعض بالإغراق. وحول الاتهامات المثارة للمنتجين باللجوء إلي الاستيراد أكد أنها بغرض ضرب باب الاستيراد من خلال إغراق الأسواق، ومن ثم فرض رسوم بأنها في حالة صحتها، فستكون مقامرة غير محسوبة وغير محمودة العواقب. أما د. يحيي شاش خبير صناعة الصلب فوصف المستجدات في السوق والنسق الذي تسير عليه بالفوضي العارمة، معتبرًا أن فتح باب الاستيراد سيصبح ميزة نسبية للمنتجين قريبًا مع لجوء معظمهم إلي الاستيراد. وقال: ليس من المنطق أن تعمل المصانع بأقل من طاقتها الاستثمارية، ثم تلجأ إلي الاستيراد حتي تغرق السوق المحلية، ومن ثم ممارسة ضغوط علي الحكومة فيما بعد لفرض رسوم إغراق، وبالتالي إلغاء القرار بنوع من الاحترافية. أما المهندس خالد البوريني وهو "مستورد حديد" فأشار إلي أنه رغم كونه استورد الحديد، لكن لابد أن نعترف بأن الاستيراد ليس حلاً، بل هو سلاح ذو حدين، لأنه لو حدث إغراق للحديد في السوق، فسوف يؤدي إلي شلل في هذه الصناعة، وتدمير للمصانع، وتشريد للعمال وإضرار بالانتاج الوطني، لذلك يجب أن نتعامل مع المشكلة بحرص بالغ، مضيفًا أن عملية الاستيراد ليست نزهة، بل لها قواعد وأسس وصعوبات يجب أن تحترم، مشيرًا إلي تجربته الشخصية في عملية الاستيراد قائلاً: عند وصول أول مركب حديد مستورد قمت بالتعاقد عليها، وبدأت المشاكل وعراقيل تلوح في الأفق، ومنها لابد من كتابة رتبة الصلب علي كل سيخ، مع العلم بأنه لا يوجد مصنع في العالم يكتب الرتبة علي الأسياخ، فمن الصعب تنفيذ ذلك، وتدخلت الوزارة وتم استكمال الإجراءات ودخلت الشحنة. وقال: باختصار هناك أصابع خفية تضع العراقيل أمام استيراد الحديد، وقد بدأت هذه العراقيل منذ عام 1994 عندما وضعت فكرة العلامة التجارية، وكان المقصود بها تعطيل الاستيراد، في هذه الفترة قام عدد كبير من المستوردين باستيراد 200 ألف طن حديد من غير علامة تجارية، وتم رفض دخول الشحنات وأفلس البعض بسبب هذه الكارثة. وأشار إلي أن أحد العراقيل التي وضعت أمامه، عندما قام باستيراد شحنة الحديد قالوا إن وزن المتر الطولي للسيخ يزيد 3 جرامات علي المواصفات المصرية، رغم أن هذا لا يضر المنشأة، بل يفيدها وتم رفض دخول رسالة الحديد ولم تدخل السوق! أي أن المستورد لا يجد الطريق أمامه ممهدًا لاستيراد الحديد من الخارج، وإدخاله السوق المحلية، ولذلك لا يتشجع المستورد علي خوض هذه التجربة. وأوضح البوريني أن مشكلة الحديد لدينا، وجود تسعير خاطئ، فبمجرد سماع ارتفاع أسعاره في الخارج، ترتفع أسعاره محليًا، فهناك جشع تجاري، والتجار يبالغون في الأسعار، لتحقيق مكاسب، والمصانع لها يد في تسريب شائعات. وأضاف أن حل مشكلة الحديد مطبق في دول كثيرة، منها الأردن ويتمثل في تكوين مجلس أعلي للصلب ومواد البناء يضم كل المصانع المنتجة، وممثلاً من الجمارك، وضرائب المبيعات لضمان حق الدول ويحدد كل مصنع طاقته الانتاجية، وتكلفته كل سنة، وتوضع خطة بالاحتياجات الفعلية للسوق، وبالتالي تتم السيطرة علي النشاط المحلي في السوق، وأيضًا علي التصدير والاستيراد وتقنين المسألة، مطالبًا بإعطاء مصانع الدرفلة الفرصة لتعميق الصناعة، وألا نجعل الأجانب يتحكمون في إنتاج المواد الداخلة في صناعة الحديد، مثل البليت، ووجود المجلس أيضًا يضمن ثبات سعر الحديد كل ستة أشهر، مما يحقق الاستقرار للتاجر والمقاول والمستهلك، بدلاً من تغير السعر كل شهر. أما رفيق الضو العضو المنتدب لشركة البحر الأحمر لحديد التسليح، "منتج ومستورد "، فأشار إلي أن استمرار استيراد الحديد يمثل خطورة بالغة علي المنتجين والصناعة ككل في ظل استيراد حديد بأسعار أقل من قيمتها في الدول التي يتم الاستيراد منها، وهي أحد بنود قانون الإغراق الذي يقضي بضرورة فرض رسوم إغراق علي المنتجات المنافسة للصناعة المحلية، قائلاً: إن الأمر له أبعاد أخطر، فالمصانع ستصبح مهددة في ظل استمرار الاستيراد والمخاوف علي مستقبل العمالة، مشيرًا إلي أهمية وجود حملات وقائية يتم من خلالها توعية الجمهور بأهمية الصناعة الوطنية. وطالب الإعلام بتناول القضية بصورة أكثر جدية وعدم تحويلها إلي قضية رأي عام، لأنها ستضر بالصناعة ماليًا، موضحًا أنه لديه تفاؤل كبير خلال الفترة المقبلة بتنامي سوق الحديد علي مستوي المنطقة وتحقيق نمو أكبر مرتكزًا علي عوامل التحول الديموجرافي.