لم يكن غريباً أن تحتل مصر المركز ال 36 في تصنيف الدول الفاشلة الذي أجرته مجلة "فورين بوليس" الأمريكية، وصدق من أجل السلام وضم 177 دولة علي مستوي العالم. إذا كان التقرير ركن إلي الجانب السياسي، دون الاقتصادي فإن الأمر بالنسبة لقطاع الاقتصاد لا يختلف كثيراً.. فخلال السنوات الماضية أثبتت كل التجارب فشلنا في حل القضايا الاقتصادية، ومازالت الأزمات كما هي بدون أية حلول أو حتي الحد من خطورتها. مازلنا نتذكر معدلات التضخم التي أصبحت تمثل لغزا كبيرا ووصوله إلي مستويات ونسب مرتفعة بلغت في أحيان كثيرة 13.3% طبقاً للتقارير الرسمية، ومنذ انطلاق برنامج الاصلاح الاقتصادي في بداية التسعينيات والحكومة تحاول الحد من خطورته، بلا فائدة. إذا ذكرنا معدلات التضخم فعلينا ألا نغفل أسعار المواد والسلع الغذائية في هذا الصدد، حيث شهدت العديد من السلع الأساسية ارتفاعات منها ارتفاع عبوة السمن البلدي زنة 2 كيلو جرام من 43 جنيها إلي 50 جنيها بنسبة تصل إلي 20% وارتفعت علي المستهلك بنسبة تصل إلي 30%.. وهذه الارتفاعات تكون بشكل شبه موسمي، ولم تنجح الحكومة أيضاً في معالجته. الفقر وهو أحد المشكلات والأزمات الاقتصادية، فلم ننجح في مواجهته، وظل يستشري حتي وصل لمعدلات مخيفة، حيث صار يمثل نسبة 40% من السكان، أي ما يعادل نحو 28 مليون نسمة، وكالعادة فشلت الحكومة في إيجاد حلول له أيضاً. البطالة غول ينذر بكوارث متعددة، بعدما ارتفعت نسبتها بين الشباب، في الوقت الذي رفعت الحكومة يدها تماما عن معالجة هذه الأزمة لتترك الأمور تتخبط في هذا الاتجاه. الدين العام الذي وصل إلي مستويات مخيفة بعد أن تجاوز حدود الأمان، حيث بلغت نسبته 95% من الناتج المحلي الداخلي، هذا بالإضافة إلي مشكلة انفلونزا الطيور التي أثبتت الحكومة عجزها الكامل في القضاء عليها، لتتحول مصر بعد تطور المرض فيها إلي دولة يتحور فيها الوباء وفقا لكلام منظمة الصحة العالمية بعد أن بلغت خسائر هذا المرض أكثر من 6 مليارات جنيه من اجمالي حجم استثماراتها البالغة 30 مليار جنيه. حتي مواجهة الهجرة غير المشروعة فشلنا في إيقافها أو التوصل إلي عملية تنظيمها لدول البحر المتوسط والخليج خاصة إيطاليا والكويت. كل هذه أزمات اقتصادية قائمة فشلت الحكومة في حلها، وهو ما أثار العديد من علامات الاستفهام حول عدم قدرة الحكومة علي التصدي لهذه الأزمات رغم تكرارها بصفة شبه موسمية علي حد تفسير خبراء الاقتصاد وقولهم بإننا دولة عجز في كل شيء. كان من أهم المشكلات التي وقعت فيها الحكومات المتعاقبة هو التمسك بالاصلاح الجزئي وليس الكلي. رد الفعل كانت الحكومة تضع في الاعتبار النظرة قصيرة الأجل وليس طويلة الأجل.. بهذا علقت الدكتورة نهال المغربل أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والباحثة بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية علي أسباب فشل الحكومة في مواجهة الأزمات الاقتصادية. قالت: إنه يؤخذ علي الحكومة عدم النظرة الشاملة لمشكلات الاقتصاد، وانما الاكتفاء بمشكلة دون الأخري، فإذا تم الوضع في الاعتبار مثلا العمل علي حل مشكلة البطالة، لا يوضع بنفس الدرجة دراسة أزمة كالهجرة وأخطارها علي الاقتصاد الوطني. فلكل سياسة رد فعل، حسب قولها، ولكل فعل رد فعل قد لا يكون هذا الرد في صالح الحكومة، وربطت في هذا الصدد ما بين محاولة تهيئة الرأي العام لقبول خطة الحكومة في ارتفاع سعر الطاقة، ولهذا تعاملت الحكومة بمنطق خطوة بخطوة. لا نخفي حسبما قالت إن بعض القطاعات نجحت الحكومة في إنقاذها، وحل مشكلاتها، ومنها القطاع المصرفي، إلا أنه مازال ينقص الاصلاح الحكومي في مواجهة الأزمات نوعان من الاصلاح: المؤسسي، والاجتماعي. مشكلات البيروقراطية أحد مساوئ القطاع المؤسسي خاصة الاقتصادية هذا بالإضافة إلي المشكلة الاجتماعية، حيث هناك علاقة عكسية بين جانب النمو الاقتصادي والتوزيع الاجتماعي. وإذا نظرنا حسبما قالت إلي تقرير التنافسية الرابع الذي تصدره مصر نجد أن هناك انتقاء "وفلترة" للقوانين التي يمكن الاستفادة منها في عملية النمو. "فالاصلاح المؤسسي والاجتماعي بإعادة التوزيع هما الأساس في الاصلاح الاقتصادي" هكذا قالت. مشاركة الناس هناك كثير من المشكلات الاقتصادية نجحنا في مواجهتها علي حد قول الدكتورة عالية المهدي مدير مركز البحوث الاقتصادية والمالية بجامعة القاهرة ومنها مواجهة الدين العام عند تنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادي خاصة في الفترة 96/97. والحقيقة كانت هذه المواجهة بفضل ما قدمته حكومة الدكتور عاطف صدقي، ولم تحافظ الحكومات التي تعاقبت من بعده علي الحفاظ علي هذا المستوي من الأداء، وبالتالي زادت الفجوة في المشكلات الاقتصادية، فمثلا كما تقول وصل الدين المحلي عام 96 إلي 1% من اجمالي الناتج المحلي، ثم في عام 99/2000 قفز إلي 20%، هذا بالإضافة إلي أن التضخم كان في عام 91 بنسبة وصلت إلي 20%، وتراجع عام 97/98 بنسبة بلغت نحو 3%. والحكومة من الصعب عليها علي حد وصفها أن تواجه أكثر من مشكلة في نفس الوقت، فعليها أن تختار التصدي لإحدي المشكلات مثلا إما البطالة أو التضخم، وعلي الشعب أن يختار.. ولابد أن يتم عرض مثل هذه الأمور علي مجلس الشعب لمناقشة الأولويات التي تخدم الشعب. الأفكار الاشتراكية أسباب فشل مواجهة المشكلات الاقتصادية كما يراها الدكتور إيهاب الدسوقي استاذ الاقتصاد باكاديمية السادات للعلوم الإدارية تتمثل في عدة عوامل أولها كما حددها ضعف الديمقراطية التي تتيح للجميع المشاركة في اتخاذ القرار في مثل هذه الأمور. أما العامل الثاني والأهم هو تمسك البعض بالافكار الاشتراكية التي للأسف الشديد أثبتت فشلها في الإدارة في دول العالم، هذا بالإضافة الي ضعف الادارة، حيث إن اختيار القيادات بأي جهة يقوم علي مبدأ أهل الثقة وليس أصحاب الخبرة، وهنا تكون الأزمة، التي تجعلنا غير قادرين علي مواجهة أية أزمات اقتصادية، نظرا لضعف امكانيات وقدرات صانعي القرارات. ولن نستطيع حل المشكلات الاقتصادية التي تواجهنا إلا من خلال المشاركة الشعبية في الأمور الاقتصادية كما قال والحرص علي احترام وجهة نظر الخبراء والمتخصصين في مثل هذه الأمور، بخلاف الاهتمام بالتعليم ووضع برامج جديدة ومتطورة قادرة علي ايجاد كوادر مدربة وأيد عاملة ذات كفاءة عالية، واذا استطعنا تحقيق ذلك وقتها نستطيع حل الأزمات الاقتصادية التي تواجهنا. نحن نفتقد للحلول العلمية التي تبني علي أسس سليمة هكذا لخص عبد الرحمن خير عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس الشوري عن حزب التجمع حال الحكومة وفشلها في ايجاد حلول مناسبة للمشكلات الاقتصادية. قال إن انفراد النخبة بالقرارات دون مشاركة الرأي العام سبب رئيسي لاستمرار مشكلات الاقتصاد، والحلول العلمية التي يراها في هذا الصدد هي خطة تنمية شاملة تقوم علي استيعاب العاطلين والاستفادة من امكانياتهم العملية، وبغير ذلك كما يقول لن يكون هناك حل لمشكلاتنا الاقتصادية حيث إننا دولة عجز في كل شيء.