نظرية الشاب الأمريكي الصغير الذي يثري فجأة ثراء فاحشا نظرية محفورة بعمق في المعتقد الثقافي الأمريكي، ولكن شيئا أكثر أهمية حدث في عام 2006 وهو أن شركات مؤشر فورتشن 500 التي تعد أكبر 500 شركة أمريكية قد حققت معا في العام الماضي أرباحا غير مسبوقة بلغت جملتها 785 مليار دولار بزيادة 29% علي أرباح عام 2005. وهي تفوق أيضا ما سبق أن حققته شركات فورتشن 500 في قمة الدورة الاقتصادية السابقة عام 2000 من أرباح لم تتجاوز في ذلك الحين ال 444 مليار دولار. هكذا تقول مجلة فورتشن إن عام 2006 كان أكثر الأعوام ربحية في تاريخ مؤشر فورتشن 500 البالغ عمره 53 عاما.. وقد بلغت نسبة هوامش الربح في ذلك العام 9.7% قبل خصم الضرائب في حين أنها لم تتجاوز ال 6.2% عام 2000 ومع ذلك فقد اعتبرت هذه النسبة في ذلك الحين نسبة استثنائية. وتعود هذه النتائج إلي مجموعة من الأسباب مثل اعتدال تكاليف العمل وانخفاض قيمة الدولار وزيادة الإنتاجية وكلها عوامل تلعب في صالح الشركات الكبيرة.. ويقول مارك زاندي رئيس موديز ايكونومي دوت كوم إن السنوات القليلة الماضية كانت أنسب بيئة لتحقيق الأرباح وأن الشركات استخدمت هذه الأرباح لسد الجزء الأكبر من ديونها وهو الأمر الذي أعفاها من أعباء الزيادة في سعر الفائدة مع استمرار الزيادة في الأرباح. وبدلا من توليد فرص عمل إضافية لجأت الشركات إلي زيادة الإنتاج بقوة عمل مضغوطة مستخدمة في ذلك طرقا عديدة. ولشرح أبعاد هذا العصر الذهبي دعونا نبدأ أولا بتعريف الأرباح وهي تساوي الإيرادات ناقص التكاليف التي تضمها قائمة تشمل ثمن المكونات، ومدفوعات الفائدة، وبدل استهلاك رأس المال، والضرائب، والأهم من ذلك كله تكلفة العمل.. ويعد الرواج الحالي غير عادي لأنه من عام 2000 حتي عام 2006 زادت إيرادات شركات فورتشن 500 بنسبة 38% في حين قفزت الأرباح بضعف هذه النسبة خلال الفترة ذاتها.. والسبب هو أن المبيعات تزايدت بسرعة أكبر من التكاليف وهو ما أدي إلي اتساع الهوامش.. وهكذا يمكن القول بأن الزيادة الكبيرة في الأرباح ثمرة لفترة استثنائية من اعتدال التكاليف. لقد ظلت تكاليف عنصر العمل مستأنسة خلال القرن الجديد وتقول أرقام وزارة التجارة الأمريكية إن تكلفة العمل لم تتجاوز نسبة زيادتها 4.3% سنويا.. وتكلفة عنصر العمل تمثل ثلثي مدفوعات شركات فورتشن 500 ولذلك فإن اعتدالها مكن الشركات من زيادة الإيرادات بنسبة أكبر من نسبة زيادة تكلفة العمل "أي 4.3% مقابل 5.5%" لزيادة الإيرادات سنويا. ولاشك أن بخل الشركات في مجال التشغيل ظاهرة غير عادية لأن المعتاد في فترات التوسع أن توظف الشركات كتائب من العمال.. ولكن الشركات التي اكتوت بنار انهيار البورصة ثم الركود عام 2001 حرصت علي خفض ما تدفعه من أجور ولذلك فإن ما دفعته الشركات عن كل وحدة عمل في عام 2006 لم يزد كثيرا عما كانت تدفعه عام 2000 وساعدها علي ذلك وفرة الأيدي العاملة المدربة. وعلي جانب اَخر حدثت زيادة في الإنتاجية، وتقاس الإنتاجية بعدد الساعات المطلوبة لصنع سيارة أو جهاز تليفزيون أو أي سلعة أو خدمة أخري.. ويري كين جولدشتاين الخبير الاقتصادي في كونفرانس بورد وهي رابطة لكبار القادة التنفيذيين أن زيادة الإنتاجية تعود بالدرجة الأولي إلي التكنولوجيا وليس العمال. ولكي ندرك مدي الزيادة في الإنتاجية يكفي أن نعرف أن قوة العمل في شركات فورتشن 500 لم تزد سوي 3.6% خلال الفترة 2000/2006 في حين أن الأرباح زادت بنسبة 80% خلال الفترة ذاتها.. ولابد أن نشير هنا بوضوح إلي أن زيادة الإنتاجية نجمت عن الزيادة في الإنفاق الرأسمالي خاصة علي تكنولوجيا المعلومات منذ حقبة التسعينيات من القرن الماضي. وكما قلنا فقد استثمرت الشركات أرباحها في سداد ما عليها من ديون كما أعادت تمويل ما تبقي من قروض لتستفيد من انخفاض أسعار الفائدة وهذا جعل مدفوعات الفائدة تنخفض من 24% عام 2000 لتصبح 13% فقط عام 2006. وفي نفس الوقت كانت الشركات تزيد أسعار منتجاتها 3% سنويا وتزيد حجم إيراداتها 5.5% سنويا منذ عام 2000 بفضل انخفاض قيمة الدولار ونشاط حركة التجارة الخارجية.. ولذلك لم تكن مفاجأة أن تصل إيرادات عام 2006 لشركات مؤشر فورتشن 500 إلي أكثر من 9.9 تريليون دولار بزيادة 8.9% عن عام 2005. وتقول مجلة "فورتشن" إنه من بين شركات مؤشرها "فورتشن 500" يوجد 3 قطاعات تمثل وحدها 40% من جملة مبيعات الشركات ال 500 وهي البترول والخدمات المالية والسلع الاستهلاكية.. وربما لذلك لم يكن غريبا أن يتصدر وول مارت قائمة فورتشن 500 لعام 2006 كصاحب أعلي إيرادات تليه اكسون موبيل في المركز الثاني ثم جنرال موتورز في المركز الثالث. ولاشك أن تضاعف سعر برميل البترول من 35 دولارا في منتصف عام 2004 إلي 70 دولارا عام 2006 جعل اكسون موبيل صاحبة أكبر أرباح "39.5 مليار دولار عام 2006" في تاريخ مؤشر فورتشن 500.. وقد جاءت أرباح شركات البترول عموما علي حساب شركات السيارات وشركات الطيران وشركات بناء المساكن وغيرها، أما أرباح شركات السلع الاستهلاكية فقد كانت بسبب زيادة إنفاق المستهلكين وفي السنوات الست 2000/2006 زادت أرباح كوكاكولا 134% وبيبسي 156%، أما أرباح بروكتر اند جامبل فزادت 149% ولكن الزيادة الأكبر كانت في شركات الخدمات المالية. وبقي أن نقول إن هذه الزيادات للأسف لن تستمر حيث يمر الاقتصاد الأمريكي بنقطة تحول ترتفع فيها الأجور أسرع من الإيرادات وتتضاءل الزيادة في الإنتاجية وتنكمش بالتالي هوامش الربح. صحيح أن أرباح شركات فورتشن 500 سوف تستمر في الزيادة ولكنها ستكون زيادة محدودة لن تتجاوز في الغالب ال 5% سنويا.