رغم حرب العراق وارتفاع أسعار البترول وعدم اليقين النقدي والكوارث الطبيعية التي ضربت أمريكا في عام 2005 فإن قائمة "فورتشن" لأكبر 500 شركة أمريكية أظهرت أن أداء الشركات الأمريكية كان متميزا لأسباب متنوعة تختلف من صناعة إلي صناعة وأحيانا من شركة إلي شركة داخل نفس الصناعة.. ولكن هناك سببين بارزين لهذا الأداء الجيد أولهما أن أسعار الفائدة طويلة الأجل برغم ارتفاعها الطفيف تظل منخفضة نسبيا، وهو الأمر الذي أبقي سوق الإسكان منتعشا وإنفاق المستهلكين قويا.. وثانيهما هو الثقة في قدرة بن برنانك علي إدارة بنك الاحتياط الأمريكي علي نحو لا يقل كفاءة عن سلفه اَلان جرينسبان. ويمكن هنا أن نرصد استفادة المؤسسات المالية الأمريكية من الاستقرار السائد في جبهة الاقتصاديات الكلية في تحقيق أرباح عالية بلغت 16.4% بالنسبة لبنك أوف أمريكا ونحو 90% بالنسبة لبنك JP مورجان تشيز ويحتلان رقم 12 ورقم 17 في قائمة فورتشن 500 علي التتابع. كما يمكن أن نرصد أيضا النشاط القوي لسوق الاندماج والاكتساب والاتجاه إلي تمويل صفقاته نقدا وليس عن طريق الأسهم.. ورغم ارتفاع سعر جالون البنزين أحيانا إلي أكثر من 3 دولارات فقد استطاع الاقتصاد الأمريكي التكيف مع هذه الزيادة دون أن تحدث صدمة بترولية جديدة.. وحققت شركات البترول أرباحا عالية فشركات التكرير ارتفعت أرباحها بنسبة 8.57% أما شركات الاستخراج البترولية فقد ارتفعت أرباحها بنسبة 8.80%. وربما كان الأهم من ذلك كله هو أن الاقتصاد العالمي حقق معدل نمو بلغ 4.25% في المتوسط حسب أرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD متأثرا بالنمو القوي في كل من الصين والهند وعلامات التعافي الاقتصادي في كل من اليابان وأوروبا. ولاشك أن هذه البيئة الإيجابية أمريكيا وعالميا قد انعكست علي أداء شركات فورتشن 500 التي حققت في مجموعها 9.1 تريليون دولار كإيرادات بزيادة 10.2% عن العام السابق عليه إلي جانب 610 مليارات دولار كأرباح بزيادة 18.8% عن العام السابق عليه، وقد شمل النمو كل شركات القائمة سواء تلك التي جاءت في ترتيب متقدم أو التي جاءت في ترتيب متأخر. وقد احتلت شركة إكسون موبيل للبترول صدارة قائمة فورتشن 500 بعد أن كانت قد ابتعدت عن صدارتها منذ عام 2001 وحققت إكسون موبيل إيرادات سنوية حجمها 340 مليار دولار وأرباحا حجمها 36.1 مليار دولار وهذا يعني أنها كانت تربح 98.9 مليون دولار يوميا خلال عام 2005. وفي المركز الرابع جاءت شركة شيفرون ثم شركة كونوكو فيليبس في المركز السادس وزادت إيراداتهما بنسبة 28.1% و37% علي التوالي ، وأي نظرة علي قائمة فورتشن 500 تؤكد أن ارتفاع أسعار الطاقة جاء لصالح شركات البترول أو الشركات التي يدخل في عملها مكون بترولي. ويمكن القول بأن هناك أربع صناعات كانت شركاتها هي الأفضل أداء وهي صناعة البنوك، وصناعة البترول، وصناعة الأدوية، وصناعة التأمين. ومن الملاحظات المهمة أيضا كما يقول خبراء JP مورجان أن الشركات التي كانت تعمل في سلعة تحتاجها الصين جاءت ضمن الشركات الأفضل أداء، ويذكرون في مجال صناعة الطائرات شركة بوينج التي احتلت المركز رقم 26 وفي مجال الأسمدة والمخصبات شركة موزاييك وهي وافد جديد علي القائمة احتلت المركز رقم 470 وغيرها من الشركات التي غذت النمو الصيني وهو نمو بلغ معدله 10% في العام الماضي. ومن الشركات التي كانت جيدة الأداء أيضا شركات الانترنت التي زادت أرباحها بنسبة 125.9% خلال عام ،2005 وفي مقدمة هذه الشركات جوجل تليها ياهوو ثم إيباي.. ومن بين الشركات التي حققت خسائر رغم احتلالها مراكز متقدمة في القائمة شركات السيارات، خاصة جنرال موتورز التي جاءت في المركز الثالث وكذلك شركات الطيران وشركات مواد البناء. وعلي وجه الإجمال كانت إيرادات شركات فورتشن 500 تمثل 39% من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي عام 1955 ولكنها بعد نصف قرن صارت تمثل 73.4%، وهذا يرجع في جزء كبير منه إلي ما تحققه تلك الشركات من إيرادات نتيجة عملها في الخارج ولذلك فليس من المستبعد أن تزيد إيرادات شركات فورتشن 500 علي إجمالي الناتج المحلي الأمريكي بعد خمسين سنة أخري وربما أقل. وهذا يعني أن الاقتصاد الأمريكي صار يستند إلي عدد قليل من الشركات العملاقة وأن سلامته تعتمد كثيرا علي سلامة وقوة أداء هذه الشركات.