عبدالتواب عبدالحى دلفت الى مكتبها بوزارة الخارجية قبالة البيت الابيض يسبقها عقل مدبر عنوانه "مفكرة سكرتارية".. للايجاز وعناوين المهام، يستدعيها العقل للتذكر إن غاب! أما ان استعصى عليها السياق، فانها تطرقه بمطرقة التذكر ليعود المعنى الى عباءة الصواب. كونداليزا رايس - وزيرة الخارجية - ليس من عادتها الفشل أو السقوط.. اندلعت شهرتها عالميا، واصبحت من ألمع نجوم السياسة الخارجية فى فريق جورج بوش.. بل انها فازت عليه ب20 نقطة فى الترتيب العام، واصبح من حقها ان تتوقع مستقبلا سياسيا بعد رحيل بوش بانتهاء عام 2008! لكن كل هذا لا يفيد الآن.. والقوات الامريكية مقيدة على الجبهات الرئيسية.. وبقية القوى السياسية مازالت تصارع من اجل تعضيد موقف فريق الامن القومى! جاءت مكافأة بوش لرايس فى صورة إنقاذ للإرث السياسى فى العراق، بينما سادت بعض اصوات السياسة الدولية تجاه العالم الى مناصرة المقعد السياسى الامريكى الجريح! بوش تم اضعافه بشدة، مع قليل من دعم موقفه فى الخارج.. تقول ليسلى جلب: "إن ما جرى كان صادقا بالنسبة للسيدة وزيرة الخارجية.. الجميع كانوا يتساقطون من حولنا"!! هذه الجهامة التى طالت الموقف الدولى لم يسبق لها مثيل منذ نهاية الحرب الباردة.. وفى الامر اجمال قد يغنى عن التفصيل. رايس ايضا - والخارجية فى يمينها - اكتشفت ان الحزب الحاكم ينتقد بشدة حرب العراق.. ومد عصا النقد الى الرئيس بوش وكونداليزا لاساءتهما التصرف فى القضية.. بينما انتخابات مجلس الشيوخ تدق الابواب بأصوات الحزب الحاكم التى تنتقد موقفه وخطة ارسال 21500 جندى الى العراق.. وتتوقع الوزيرة رايس ان تقضى اوقاتا صعبة فى تبديد المخاوف والشكوك داخل قاعات الكونجرس! هل من المعقول والمقبول ان يحتوى العراق تيار العنف داخل الدولة؟ قبل اسابيع، رسمت كونداليزا رايس على صفحات مجلة تايم رؤيتها لتحالف جديد فى الشرق الاوسط، يضم مجموعة من الحلفاء: اسرائيل، مصر، الاردن، والسعودية.. تتعانق مع تهديد خطر تمثله ايران، مع جماعات مثل حماس وحزب الله. تقر وزيرة الخارجية الامريكية ان ثمة اعترافا بأن الاشياء منفصلة.. لكنها مع بوش ورايس قد تحتاج ايضا الى نقلة فلسفية، وكانت الاشارات الاكثر وضوحا للرؤية الحقيقية هى ما جاءت فى زيارة للشرق الاوسط قبل اسابيع، عندما لونت مطلبها باعطاء العرب حقهم فى السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين.. وهو المسعى الذى نادى به بوش ورايس قبل ست سنين!! لكن: هل ضاع الميعاد؟! من أهم طبائع كوندى: التفاؤل، والثقة فى الذات.. لكنها مثل بوش، عنيدة، تقاوم الاعتراف بالخطأ، ولا تحاسب على الاعتراف به، خاصة فى العلن! يصفها نيكولاس بيرنز كبير المستشارين: "كوندى تتمتع باطار عقلى ايجابى.. تؤمن بأن كل مشكلة لها حل.. لكنه ليس من السهل ان تجد الوقت.. ولا القرار"! عودة الى العراق بعد حدة انفصال الطوائف، الامر الذى شجع ايران وأنعش طوائف الشيعة فى العراق.. يقول كنيث بولاك الخبير السياسى فى مؤسسة بروكنجز: "لقد انشأنا فى العراق حكومة شيعية.. مجرد واجهة (Facade) لمجموعة شريرة من "ادعياء الدين"! وفى حوار لها مع السناتور رئيس لجنة العلاقات العامة ان رئيس الوزراء نورى المالكى "اشترى وقتا لوزارته"! وتساءلت رايس بنبرة ساخرة: "ليس لنا ان نقرر.. وانما للولايات المتحدة ان تدرس الهدف الاستراتيجى فيما وراء انتشار الديمقراطية فى العراق.. هل للإدارة الامريكية اطار للتعامل مع التحديات الحالية التى تواجهها فى افغانستان ووطأة وجود النفوذ المتورم فى ايران" والسؤال عظيم الإلحاح: هل يعرف بوش وكونداليزا رايس وزيرة خارجيته معالم الطريق.. قبل أن يضيع من الكل الطريق؟!