أخشي ما يخشاه المرء أن تؤول الأمور في الساحة الفلسطينية إلي الأسوأ مع العام الجديدة 2007 نظراً لاستمرار حالة التجاذب بين فتح وحماس وهي التي بدأت منذ أن فازت حماس بالأغلبية في الانتخابات التي جرت في 25 يناير ،2006 فمنذ ذلك التاريخ ظهر جلياً الدور الذي يضطلع به محمود عباس وهو زيادة جرعة الحصار المفروض علي حكومة حماس بهدف إسقاطها وإخراجها نهائياً من المعادلة السياسية. ظهر هذا جلياً في أعقاب عودته من واشنطن ولقائه بجورج بوش في العشرين من سبتمبر الماضي، فلقد عاد ليقول بأن التفاوض مع حماس قد عاد القهقري إلي الوراء وسنبدأ من الصفر!! وما كان الأمر يحتاج إلي إعمال العقل للوقوف علي السبب الذي دفع محمود عباس إلي أن يعيد الأمور إلي نقطة الصفر، فلقاؤه ببوش وضع النقاط علي الحروف وبدا أن الدور المناط به في هذه المرحلة يقضي بإسقاط الحكومة التي شكلتها حماس وهو أمر لم يكن بالجديد، فلقد سعي "عباس" جاهداً إلي ذلك منذ أن فازت حماس بالأغلبية في الانتخابات التشريعية والتي اعتبرت أكثر الانتخابات نزاهة وشفافية في العالم العربي. أما الثمن الذي وعد عباس به من قبل إدارة بوش فهو عودة "فتح" إلي موقع الصدارة وكسر طوق الحصار المفروض علي الفلسطينيين لأكثر من تسعة أشهر بشكل يتيح حصولهم علي مرتباتهم ويرفع بالتالي من شعبية عباس في الشارع الفلسطيني. سيناريو الإطاحة لهذا لم يكن مفاجئاً تبدد حالة التفاؤل التي كانت قد عمت الشارع الفلسطيني في أعقاب إعلان "حماس" و"فتح" اتفاقهما علي تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد عودة عباس من واشنطن وهي العودة التي حملت معها سيناريو الإطاحة بحماس وسحب البساط من تحت أقدامها لتعود الأمور ثانية إلي فتح وتختفي التجاذبات بين الطرفين بيد أن هذا الأمر ما كان ليمر مر الكرام إذ ان طرح هذه الفرضية كان من شأنه أن يفتح الباب علي مصراعيه أمام إمكانية وقوع الضفة وغزة في أتون حرب أهلية وهو ما تحلم به إسرائيل وتتمناه. ساعد علي ذلك تصاعد الاتهامات بين فتح وحماس، ففي الوقت الذي هددت فيه حماس بفضح المتورطين من فتح في الفساد والخيانة، هددت فتح بقتل كل من يثبت تورطه من حماس في اغتيال أي من كوادرها. الهدف القضاء علي المقاومة اشتعلت المواقف أكثر وأكثر مع حملة المظاهرات المؤيدة لكل طرف ومع تباين الرؤي بين الفصيلين لاسيما بعد ان عاد عباس من واشنطن معبأ بحتمية حمل حماس علي القبول بشروط اللجنة الرباعية التي تضم أمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والتي تدعو إلي الاعتراف بإسرائيل والاعتراف بكل الاتفاقيات التي وقعت معها ونبذ العنف، وهي شروط رفضتها حماس بل وحذرت من أن فرضها سيعني تفجر حرب أهلية. ورغم ذلك ظل عباس يمارس ضغوطا مكثفة علي حماس للقبول بكل ما تطرحه اللجنة الرباعية كشرط لتشكيل حكومة وحدة وطنية. والرجل علي يقين بأن حماس لن تقبل بهذه الشروط ورغم ذلك شرع في تنفيذ المهمة التي أرادتها أمريكا منه ألا وهي القضاء علي المقاومة. عباس والمهمة حرص عباس علي ألا يفشل في المهمة المناطة به حتي لا يتكرر ما حدث مع حزب الله عندما خططت إدارة بوش للقضاء عليه من خلال العدوان الذي قامت به إسرائيل علي لبنان بذريعة عملية حزب الله "الوعد الصادق" في 12 يوليو 2006. بيد أن إسرائيل فشلت وخرج حزب الله من المعركة أكثر قوة، بل إن انتصاره في مواجهة إسرائيل منحه شرعية وشعبية أكبر من التي كان يحظي بها من قبل. صراع علي السلطة ومنذ سبتمبر الماضي والتوقعات تشير إلي أن عباس قد يلجأ مع اتساع هوة الخلاف بين فتح وحماس إلي حل المجلس التشريعي والدعوة إلي انتخابات تشريعية مبكرة وهو ما استنكرته حماس في حينه من منطلق انه ليس من حقه بموجب الدستور ويومها صدرت الدعوات عن قيادات من فتح طالبت بحل المجلس التشريعي وإجراء انتخابات جديدة وقوبل ذلك باستهجان من حماس. ومرت الأيام واستمر الخلاف واشتد التجاذب بين فتح وحماس وبدا وكأن العملية بالنسبة لعباس هي صراع علي السلطة أكثر من كونها أي شيء آخر خاصة وأن الرجل محسوب علي أمريكا ويريد البرهنة لها بأنه قادر علي تحقيق هدفها في اسقاط حماس وإخراجها من المعادلة السياسية كلها وهو ما يعني في الوقت نفسه تحطيمها معنوياً وبالتالي القضاء عليها كمقاومة. معركة جز الرقبة وجد عباس الدعم من أمريكا وإسرائيل معاً في تعزيز وتقوية حرس الرئاسة تدريباً وتسليحاً حتي يكون مؤهلاً للدخول في معركة جز رقبة حماس. واستمر الخلاف وأمعن عباس في توسيع الفجوة. وكانت توصية اللجنة التنفيذية بالدعوة إلي انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة وفي 16 ديسمبر 2006 تبني عباس الدعوة وطرحها علي الملأ في خطاب اعتبر بمثابة حملة لإقصاء حماس. وانعكس هذا علي الشارع الفلسطيني أشعل عباس الفتنة واندلعت صدامات بين الطرفين سقط فيها قتلي وجرحي. واضطرت حماس في الثاني والعشرين من ديسمبر 2006 إلي أن تلغي مهرجان الذكري التاسعة عشر علي إنشائها حقناً للدماء بعدما أطلق فتحاويون النار علي من تجمعوا للاحتفال. رهانات خاسرة والآن وبعد مرور عام كامل من المناطحة والعمل ضد حماس يتعين علي عباس وقف المراهنة علي رهانات خاسرة لاسيما وأنها لن تؤدي في النهاية إلا إلي تفاقم الوضع والانزلاق نحو حرب أهلية يزيد من أوارها موجة التحريض التي تقوم بها فتح بالإضافة إلي التصعيد السياسي والإعلامي والميداني والخوف أن تبلغ الرغبة بعباس حداً يقود إلي اندلاع فتنة كبري تؤجج روح الانقسام والتشتت داخل البيت الفلسطيني. الغريب أن كل هذا يضطلع به عباس لارضاء أمريكا في وقت يغض فيه الطرف كلية عن حملات الإبادة والاغتيالات بالجملة التي تقوم بها إسرائيل يوميا في الأراضي الفلسطينية بالإضافة إلي الحصار التجويعي والإغلاق وتدمير البيوت علي من فيها وهو ما يظهر عباس وكأنه لا يعير شعبه أي اهتمام بل وينظر له كسقط متاع. واليوم ومع عام جديد هل سيستمر عباس في غلوائه أم أن العقل سيتغلب عليه ويعمد إلي دعم الحكومة الفلسطينية التي جاءت نتيجة لاختيار شعبي كاسح لها.