لم يعد خافياً ما تقوم به إدارة بوش من محاولة إحكام الحلقة حول حماس لاسقاطها. ولعل آخر ما ورد في هذا السياق هو ما كشف النقاب عنه مؤخراً حول خطة واشنطن لدعم خصوم حماس من أجل الإطاحة بها واخراجها من الحكومة. والخطة المذكورة وردت في مذكرة أمريكية رسمية تتضمن تقديم 42 مليون دولار كدعم مالي مشروط لتقوية خصوم حماس قبيل عقد أية انتخابات فلسطينية مبكرة محتملة. * دعم عباس وكأن أمريكا بذلك تعلن علي الملأ انقلابها علي نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في 25 يناير الماضي وهي الانتخابات التي جاءت بحماس. خطة أمريكا لم تعد سراً الآن وترتكز علي تقديم أموال للمساعدة علي إعادة هيكلة حركة فتح التي يتزعمها محمود عباس الذي ما فتئت أمريكا تعلن تأييدها ودعمها له. وتتضمن الخطة تقديم التدريب والمشورة الاستراتيجية لساسة وأحزاب علمانية يعارضون الإسلاميين في حماس. وكأن المشروع الأمريكي يعمد إلي توفير بدائل ديمقراطية للبدائل السياسية الشمولية أو الإسلاميةالمتشددة. * تدخل أمريكي فاضح وتعتبر الخطة تدخلاً أمريكياً فاضحاً في الشأن الفلسطيني بعد أن قررت أمريكا أن تسفر عن وجهها لتمول الطرف الذي تحابيه بحيث يتم التنفيذ دون ضجة لحماية الفلسطينيين الذين يتلقون مساعدة أمريكية والذين تصفهم حماس بأنهم متعاونون مع واشنطن وإسرائيل. كما تتضمن الخطة استخدام الأموال الأمريكية لتشجيع جماعات المراقبة والصحفيين المحليين علي مراقبة أنشطة حماس وإقامة مدارس فلسطينية خاصة تقدم نظاماً تعليمياً بديلاً لنظام التعليم العام الذي تسيطر عليه حماس. وكل هذا يجري تحت ستار أن أمريكا تنفذ برامج في الضفة وغزة تهدف إلي دعم تطوير الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني. * المواجهة مستمرة تزامن مع الخطة الأمريكية استمرار أزمة المواجهات بين فتح وحماس وهي تنذر فيما إذا استمرت بنشوب صراع داخلي يفضي إلي اندلاع حرب أهلية، ولاشك أن هذا من شأنه أن يقوي جبهة إسرائيل ويشجعها علي تنفيذ المزيد من عملياتها ضد الفلسطينيين. وفي الوقت الذي تحث فيه أمريكا محمود عباس علي أن يقيل حكومة إسماعيل هنية ويدعو إلي انتخابات جديدة تؤكد حماس أنها لن تسمح بذلك وان ولايتها تستمر أربع سنوات وفقا للقانون. ويكفي أن حماس صمدت حتي الآن أمام الحملات التجويعية والحصار والاضرابات وعمليات التخريب ضد مؤسساتها واغتيال عناصر لها وعزل العرب لها من خلال دعم دول عربية لمحمود عباس في تحركاته الرامية إلي تضييق الحصار علي حماس واجبارها علي الرحيل. * منطقة الخطر يأتي الدعم الأمريكي المالي لحركة فتح اليوم ليشكل الحلقة الأخيرة في سيناريو متكامل أريد به القضاء علي حماس قضاء مبرما، فما كان أحد يصدق أن يقف عضو في المجلس التشريعي عن فتح ليتهم حماس باقصاء معارضيها ويصفها بأنها حكومة إرهابية فاشية عنصرية! ما كان ذلك ليحدث لولا ضوء أخضر من أمريكا ببدء الإعداد لوليمة الإطاحة بحماس. ولا شك ان منطقة الخطر اليوم تكمن في خيار الدعوة إلي انتخابات عامة لانتخاب مجلس تشريعي جديد وحكومة جديدة. وإذا حدث هذا فإن حماس علي الأغلب ستقاطعها. وما يخشاه المرء أن هذا الخيار إذا اتخذ بالفعل سيؤدي إلي تفاقم الوضع والدخول في مواجهة أكبر مع حماس مما يشجع إسرائيل علي الدخول علي الخط لزرع بذور الفتنة أكثر وأكثر وتوسيع الهوة بين الفريقين بشكل يؤدي إلي إيقاع حماس وفتح في بؤرة صدام أكبر يقود إلي حرب أهلية يتعذر من الآن التنبؤ بنتائجها. * منطق العقل العقل يحتم علي حماس وفتح نبذ الخلاف بينهما لتفويت الفرصة علي تنفيذ الأجندة الأمريكية الإسرائيلية.. ويكمن الحل في استئناف الحوار للاتفاق علي حل السلطة الفلسطينية وإعلان المناطق الفلسطينية أراضي محتلة وتحميل مسئولية إدارتها لإسرائيل كما كان عليه الحال قبل اتفاقات أوسلو، هذا ما يتعين علي محمود عباس عمله من الآن، وإذا لم يفعل فسوف يجر شعبه دون أن يدري إلي مأزق مؤلم ومفجع لا يملك أحد القدرة علي تصور تداعياته. * حماس والاعتراف بإسرائيل يتعين علي الجميع عدم مطالبة حماس بأن تعترف بإسرائيل وذلك لأنها وببساطة لن تفعل لأن هذا من شأنه أن يجردها من مصداقيتها في الشارع الفلسطيني.. المصداقية التي جري انتخابها علي أساسها، بل إن أي عاقل يقول بأنه ليس هناك داع لاعتراف حماس بإسرائيل الآن، فمصر والأردن تفاوضتا في الماضي مع إسرائيل دون أن يكون هناك اعتراف مسبق بها. كما أن سوريا تفاوضت مع إسرائيل رغم أنها لم تعترف بها حتي هذه اللحظة، وبالتالي فإن ملاحقة حماس والضغط عليها للاعتراف المسبق بإسرائيل ليس إلا ذريعة تبرر الخلع الذي يدبر لها علي كل الموائد..!