فضح عباس نفسه بما أعلنه في خطابه يوم السبت الماضي بالدعوة إلي إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية كوسيلة للخروج من الوضع الذي وصلت اليه الساحة الفلسطينية.. وغاب عن عباس أنه هو - وليس حماس - الذي تحمل مسئولية هذا الوضع الكارثي الذي سببه الحصار المفروض علي الشعب الفلسطيني من قبل اسرائيل وأمريكا واوروبا ودول عربية. دعوة لشق الصف..! كان بمقدور محمود عباس أن يدعم حماس في مواقفها الداعية الي التمسك بالثوابت الوطنية ولكنه آثر أن يلعب دور الدمية التي يحركها الريموت الامريكي الاسرائيلي ولهذا لم يكن غريبا ترحيب اسرائيل وامريكا وبريطانيا بقرار عباس الاخير، فلقد رأوا فيه فرصة لشق الصف الفلسطيني وضمانا لسقوط حماس أمام الضغوط الخارجية التي تهدف الي افشال المشروع الوطني الفلسطيني واقحام الفلسطينيين في دائرة الانقسام التي من شأنها أن تدمر الجميع. رجل أمريكا لقد ظهر عباس هشا غير قادر علي تحمل عبء القضية، فالرجل يفتقر الي الكاريزما ولذا كان من الطبيعي ان يصاب الشعب الفلسطيني بخيبة أمل كبيرة في رئاسته.. ظهر عباس مواليا لرغبات ادارة بوش التي جاءت به ونصبته رئيسا للوزراء في البداية ليسحب البساط من تحت أقدام عرفات وتؤول له السلطة الفعلية بل ويظهر وكأنه الرجل البديل الذي اعتبر بمواصفاته الشريك الذي تفتقده اسرائيل الذي طالما تحدثت عن حاجتها اليه للتعامل معه ومن ثم راحت تسعي جاهدة لحثه علي تعزيز سلطته.. ولهذا يقف اليوم ضد حكومة اسماعيل هنية ويحاول سحب البساط من تحت أقدامها ليكون له هو - وليس لأحد غيره - فصل الخطاب والكلمة الأولي والاخيرة.. وما دعوته إلي عقد انتخابات جديدة إلا امتداد لمحاولاته الحثيثة التي جرت خلال الاشهر الماضية لاسقاط الحكومة واخراجها من المعادلة السياسية وهي المحاولات التي شرع فيها منذ ان فازت حماس بالاغلبية في انتخابات 25 يناير الماضي الديمقراطية النزيهة التي أهلتها لأن تشكل الحكومة. هناك فرق لقد ظهر الصراع واضحا بين طبقة فلسطينية حاكمة يمثلها أبومازن وبطانته وهي التي ولدت من رحم أوسلو وبين طبقة فلسطينية أخري تمثلها حماس جاءت بها الانتخابات الاخيرة، لم يكن تحرك عباس الاخير تجاه حماس بالمفاجئ، فلقد مهدت له محاولاته العديدة لوأد تجربة حماس ووضع نهاية للحكومة التي شكلتها.. ولهذا لم يكن عباس جادا أو ساعيا بالفعل نحو التوصل الي حكومة وحدة وطنية وانما كان الأمل الذي يراوده يتمثل في إسقاط هذه الحكومة بشتي الطرق وإعادة الوضع إلي ما كان عليه قبل انتفاضة سنة 2000، ولا ننسي أن عباس وبطانته هم الذين ساعدوا علي تجريد عرفات من سلطاته ليتحول إلي مجرد رمز كما لا يخفي أن عباس ومجموعة المنتفعين حوله عارضوا الانتفاضة وعارضوا عرفات عندما رفض الاتفاق الذي عرض عليه في كامب ديفيد، ولا يمكن لأحد أن ينسي الضغوط التي مورست علي عرفات لصالح عباس وقت ان تم تعيين الاخير رئيسا للوزراء وفرض علي عرفات فرضا بحيث استلب منه كل السلطات وحوله الي ما يشبه خيال المآتة؟ خطوة متسرعة غاب عن عباس ان اقدامه علي المغامرة او بالاحري المقامرة - من خلال اعلانه الدعوة الي انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة - قد كشف الوجه الحقيقي له، فلقد اظهر بدعوته هذه عدم حرصه علي الشعب الفلسطيني، ولهذا كانت خطوته متسرعة ومن شأنها أن تؤجج الوضع الفلسطيني وتقوده الي كارثة لا يعلم إلا الله مداها.. عباس هو الذي اغلق باب الحوار بشطحاته وضغوطه المستمرة علي حماس وتضافره مع الرغبة الامريكية في اقتلاعها من المشهد السياسي.. ولا أدل علي ذلك من أنه بادر فأغلق باب الحوار مع حماس بعد لقائه ب"رايس" في أريحا في الثلاثين من الشهر الماضي وخرج ليقول لقد وصلنا الي طريق مسدود. دعوة ضد المنطق المنطق يقول بأن دعوته الي عقد انتخابات مبكرة غير مبررة وطرحه لها في الاساس انما جاء لخدمة أهداف خارجية وأكبر دليل علي ذلك مسارعة اسرائيل لدعم دعوته وكذا أمريكا وبريطانيا، لابد ان عباس يدرك بان السبب في فشل التوصل الي حكومة وحدة وطنية هي الضغوط الخارجية فما كان من الممكن ان تنجح محاولة تشكيل هذه الحكومة مع رغبة عباس العارمة في ان ينشئها بمعايير من فرضوا الحصار علي الشعب الفلسطيني..! أما إذا أراد عباس المصلحة الفلسطينية فعليه ان يراجع نفسه ويسقط دعواه في عقد انتخابات مبكرة وعوضا عن ذلك عليه أن يحصن نفسه وشعبه ضد الاخطار وذلك بالالتفات حول عقيدة الروح الوطنية الواحدة ومعها سيتمكن من الخروج من دائرة الاستعصاء الراهن والبعد عن الانقسام السياسي والصراع الذي يؤذن بحرب أهلية.