قال الرئيس محمود عباس كلمته التي انتظرها الجميع طويلا وجاء خطاب عباس بعد ان استفحل الصراع الفلسطيني - الفلسطيني في وضع مأزوم ومتشرذم، وصلت فيه الحالة الامنية الي شفير الهاوية في المشهد الوطني الفلسطيني العام، وبلغ اليأس والاحباط بين الناس حد الذروة تحت وطأة حصار اقتصادي وسياسي دولي ظالم دام اكثر من تسعة أشهر فنزل بالغالبية الساحقة من المواطنين إلي ما دون خط الفقر بمراحل لتعيش تحت سطوة سيف انفلات امني واخلاقي تجاوز كل حدود المعقول حتي وصل الي استهداف الاطفال ايضا وقتلهم بدم بارد وقلوب ميتة. وبعد خطاب مطول اشار فيه الرئيس محمود عباس الي حالة الاستعصاء السياسي التي وصل اليها المشهد الفلسطيني، اتخذ قراره بالدعوة الي اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، استخدم فيها الرئيس حقه الدستوري وفق القانون الاساسي ويبدو انها لم تكن زلة لسان كما حاول البعض ان يقول، معتمدا بذلك علي عودته الي اصحاب الشأن الحقيقي، وهو الشعب في ان يقول كلمته مادام الشعب هو مصدر السلطات، إذن فالعودة اليه هي الحل الوحيد والخلاص من جمود مرحلة لم تجلب علي الشعب الفلسطيني سوي الويلات المتلاحقة. وبحسب مراقبين فقد يكون قرار أبومازن هذا غير مكتمل، و ما هو إلا الشكل الممكن للضغط علي حركة حماس من اجل البحث عن حل للخروج من المأساة رغم ان خيار اجراء انتخابات مبكرة هذا يعتبر انقلاباً علي الشرعية التي تمثلت في اجراء الانتخابات التشريعية وجاءت بحكومة شكلتها حماس، وبالفعل وقبل ان ينهي عباس كلمته جاء الرد سريعا من قبل حركة حماس برفض هذا القرار وهو الامر الذي كان متوقعا حتي من قبل الرئيس عباس نفسه كما رفضت حماس حكومة الكفاءات التي أعلن عن تشكيلها عباس وبالتالي فان ما جاء في الخطاب ما هو إلا تعبير واضح عن انعدام الخيارات لدي الرئاسة وحركة فتح بشكل عام مقابل تمسك حركة حماس بخيار واحد وحيد، وهو الابقاء علي الحكومة الراهنة علي استئناف المباحثات الماراثونية لتشكيل حكومة وحدة وطنية يتم التوافق بشأنها، ومن نافلة القول التأكيد علي ان أبومازن يقف في منعطف صعب إذا لم يعد يملك أي خيار واقعي يستجيب لما تفرضه الوقائع علي الأرض، خاصة بعد رفض بعض الفصائل الاخري غير حماس لقرار اجراء الانتخابات المبكرة. وبصرف النظر عن مدي دستورية قرار عباس فإن أبومازن نفسه سيصطدم بعقبة عدم وجود خيار حقيقي في حين ان خيارات متعددة لاتزال تمسك بها حركة حماس، وهي التي تمسك بدفة السفينة المتهاوية اصلا مع انها لا تعترف بان هذه السفينة مشرفة علي الغرق في بحر من الدماء اذا لم تتوافر عناصر الانقاذ المطلوبة وبسرعة. كما ان اصرار الرئيس أبومازن علي اجراء انتخابات رئاسية بالتوازي مع الانتخابات التشريعية محاولة منه للاشارة بان هذه الانتخابات ليست انقلابا علي احد او علي الانتخابات السابقة، اذ انه شخصيا تم انتخابه في ظل انتخابات شفافة وديمقراطية، لكنها محاولة للخروج من الأزمة لذا فهو يعرض الرئاسة ايضا لانتخابات مبكرة "رئاسية وتشريعية" في آن واحد. ويجب ألا تنتهي الامور عند هذا الحد، إذ لابد من خطوة تالية خصوصا مع توقعات التصعيد والاحتقان بين حركتي فتح وحماس اللتين سارعتا الي دعوة انصارهما الي النزول للشوارع وهو ما ينذر بعواقب وخيمة قد يراق علي جوانبها دم فلسطيني كثير، فما هي الخطوة التالية؟ لقد أبقي الرئيس عباس الباب مفتوحا لمثل هذه الخطوة حين قال في نهاية خطابه: إن خياره سيظل دائما تشكيل حكومة وحدة وطنية من الكفاءات، تعمل علي فك الحصار عن الشعب الفلسطيني وتقوده الي بر الامان ولو بشكل مؤقت، هذه إذن هي الخطوة التي لابد من استغلالها ولعل كثيرين قد التقطوا هذا الخيط وعبروا عن ذلك بعبارات متباينة اجمعت في معظمها علي التمسك بما تمسك به الرئيس عباس نفسه، أي خيار حكومة الوحدة الوطنية. إن القرار الذي اتخذه أبومازن في نهاية خطابه باجراء انتخابات رئاسية وتشريعية يعكس مدي التعقيد والتأزم الذي يمر به الوضع الفلسطيني، كما ان الجدل المثار حول قانونية اجراء الانتخابات المبكرة من عدمه هو تجاوز للواقع من حيث ان المسألة تتجاوز القوانين واللوائح الي حقيقة ضرورة الخروج من الازمة الراهنة بأي حل يكفل انهاء حالة الصراع والحصار ووضع حد للفلتان الامني المتعدد الأوجه.