ربما كان الاقتصاد الصيني هو أسرع الاقتصادات نموا في العالم ولكن هل تحقق الشركات الصينية أرباحا جيدة؟ هذه هي القضية موضوع المناقشة الدائرة حاليا بين الاقتصاديين والمستثمرين ورجال الأعمال. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إنه من الشائع عن الشركات الصينية أنها تستخدم رأس المال بعدم كفاءة وأن لديها طاقات إنتاج هائلة معطلة.. ونتيجة لذلك فإن هوامش الربح ضئيلة ومتناقصة كما أن الاقتراض الكثيف للقيام باستثمارات غير مربحة يعرض النظام المصرفي الصيني للخطر. ومع ذلك فإن اثنين من الاقتصاديين في مكتب البنك الدولي في بكين هما بيرت هوفمان ولويس كوينجز يرفضان هذا المنطق.. وطبقا لتحليلهما المستند إلي أرقام مكتب الاحصاء الوطني في الصين الذي يشمل 200 ألف شركة عامة وخاصة فإن أرباح الشركات الصناعية تزيد بنسبة 36% منذ عام 1999 حتي الاَن في المتوسط وأن العائد علي الأسهم في الشركات الحكومية قبل خصم الضرائب قد زاد من 2% عام 1998 إلي 13% عام 2005 في المتوسط وزاد في الشركات الخاصة من 7% إلي 16% خلال نفس الفترة المقارنة وأكثر من ذلك فإن معظم التوسعات الاستثمارية يتم تمويلها حاليا من أرباح الشركات وثلثها فقط يتم تحويله من مصادر أخري مثل البنوك. ولكن مجلة "فار إيسترن إيكونوميك ريفيو" نشرت أخيرا مقالا بقلم ويكيان شان خبير شركة TPG نيوبريدج وهي من أنجح شركات التخارج في اَسيا رفض فيه هذا التصور المتفائل وقال الرجل الخبير في تقييم الشركات الصينية إن البنك الدولي يتم خداعه من جانب الصينيين وإن معظم الشركات الصينية تحقق أرباحا قليلة بل أيضا متناقصة وإن الانتعاش الاستثماري الحاصل يتم تمويله عن طريق القروض من البنوك الحكومية. والسؤال هنا أي الرأيين هو الصحيح؟ ولاشك أن الإجابة عن هذا السؤال تهم صانعي السياسة كما تهم المستثمرين لأن النمو الذي تحققه الصين حاليا لن يستمر إذا كان العائد علي رأس المال قليلا ومتاَكلا. يقول شان في مقاله إنه من لغو الكلام أن ندعي أن الأرباح هي التي تمول الاستثمار في الصين لأن الشركات الصينية في الحقيقة مقترض كبير كما أن إجمالي الائتمان الذي تقدمه البنوك الصينية يفوق إجمالي الناتج المحلي الصيني وهذا أمر غير معقول بالمعايير الدولية حيث لا يتجاوز حجم الائتمان في الولاياتالمتحدة علي سبيل المثال ال 44% من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي.. ولكن هذا أمر مردود عليه. فحجم الائتمان ليست له دلالة في شأن حجم الأرباح التي تحققها الشركات لأن الشركات قد تفضل تمويل توسعاتها عن طريق الاقتراض حتي وهو تربح لتكون لنفسها احتياطيات نقدية مناسبة. وهنا تقول هونج ليانج الاقتصادية في جولدمان ساكس إن نسبة الائتمان المرتفعة إلي إجمالي الناتج القومي في الصين هي انعكاس لعدم نضج أسواق المال.. فسندات الشركات في الصين لا تمثل سوي 4% من إجمالي الناتج المحلي في حين أنها في أمريكا تمثل 100% من إجمالي الناتج المحلي.. وهكذا فإن تحليلات ليانج تؤيد وجهة نظر البنك الدولي.. وتقول السيدة ليانج إن نسبة الدين إلي الأوراق المالية في الشركات الصناعية الصينية انخفضت من 8.1 لتصبح 4.1 فقط خلال العقد الأخير وهذا معناه أن هذه الشركات تعتمد أكثر علي أرباحها في تمويل توسعاتها الاستثمارية. وفي حين يري خبراء البنك الدولي أن أرباح الشركات الصينية زادت من أقل من 3% عام 1999 إلي نحو 6% في عام 2005 أي إنها تضاعفت تقريبا في 6 سنوات فقط فإن ويكيان شان يؤكد في مقاله أن الأرباح لا يمكن أن تزيد في حين تزيد الأجور وأسعار المواد الخام في نفس الوقت. ويقول الرجل إن الأجور تزيد بمعدل 14% في المتوسط سنويا منذ عام 1998 وإن أسعار الصادرات تنخفض ولكن تفسير هذا التناقض في تقدير مجلة "الإيكونوميست" ليس معضلة فالإنتاجية تزيد في الصين خلال تلك السنوات بمعدل 20% سنويا في مجال الصناعة وهو الأمر الذي يقلل من تكلفة العمالة ونتيجة لذلك فإن نصيب العمال من الدخل القومي يقل في حين يزيد نصيب الشركات.. وإذا كانت هوامش الأرباح قد قلت في عام 2005 نتيجة للزيادة الكبيرة في أسعار المواد الخام فإن هذه الهوامش عادت إلي الزيادة مرة أخري في العام الراهن. وتجدر الإشارة إلي أن أرقام مكتب الاحصاء الوطني في الصين هي أرقام موثوق بها ولكنها أيضا تستبعد الضرائب وتتضمن ما تقدمه الحكومة من دعم.. ومع ذلك فإن تزايد الأرباح يظل حقيقة واقعة خصوصا أن الدعم الحكومي للشركات صار الاَن دعما محدودا للغاية. خلال القول إذن أن زيادة الإنتاجية في اقتصاد كبير مثل الاقتصاد الصيني تعوض الكثير من النواقص وتلعب دورا مهما في زيادة أرباح الشركات الصناعية وغير الصناعية ولكن من الأمانة أن ننبه إلي وجود ألغام أخري في اقتصاد الصين حيث إن 20% من الشركات الصناعية الصينية عموما نحو 33% من الشركات الحكومية لاتزال تحقق خسائر. كما أن الشركات الرابحة لا تقدم للمستثمرين الأجانب عادة عوائد مجزية. وهكذا يمكن القول بأن النمو الصيني المرتفع سوف يستمر لسنوات أخري قادمة اعتمادا علي الأرباح المتصاعدة التي تحققها الشركات الصينية وأن الفضل في ذلك يرجع في المقام الأول إلي الزيادة في الإنتاجية.