يشعر الأمريكيون بالقلق الشديد من الاقتصاد الصيني ويرون أن تقويم اليوان بأقل من قيمته الحقيقية أمام الدولار وما تحققه الصين من فائض سنوي في ميزان الحساب الجاري هما السبب الرئيسي للعجز الكبير في ميزان المدفوعات الأمريكي ولذلك قام وزير الخزانة الأمريكي هنري بولسون يرافقه رئيس بنك الاحتياط بن برنانك وعدد اَخر من كبار المسئولين عن السياسة الاقتصادية الأمريكية بزيارة الصين أخيرا من أجل تدارك هذا الموقف مع القادة الصينيين. ولكن مجلة الإيكونوميست لها رأي اَخر فهي تري أن ثلثي إمدادات البترول العالمية تأتي من أسواق ناشئة يسودها الاضطراب وأن المعادل الموضوعي للعجز الأمريكي ليس هو الفائض الصيني وإنما ما تحققه الدول المصدرة للبترول من فوائض بترودولارية هائلة. وتقول الأرقام إن إجمالي فوائض الدول المصدرة للبترول من الأسواق الناشئة وصلت العام الماضي إلي 500 مليار دولار في حين أن الفائض الصيني لن يتجاوز ال 200 مليار دولار.. وفي الشرق الأوسط وحده ارتفعت الفوائض البترودولارية لبلدانه المصدرة للبترول من 30 مليار دولار عام 2002 لتصبح 280 مليار دولار هذا العام، ويبدو أن عدم الشفافية الذي تتعامل به دول الشرق الأوسط المصدرة للبترول مع فوائضها هو سبب عدم انتباه الولاياتالمتحدة إلي أن ما تمثله من خطورة يفوق خطر الفوائض الصينية. ونذكر هنا علي سبيل المثال أن الصين بدأت عملية تعويم جزئي لليوان يرتفع سعره أمام الدولار بمعدل 7% سنويا منذ سبتمبر الماضي.. وعلي النقيض من ذلك فإن عملات دول مجلس التعاون الخليجي الستة التي تستأثر بالفوائض البتردولارية في الشرق الأوسط لاتزال ثابتة تماما أمام الدولار.. وربما كان ذلك راجعا جزئيا إلي أن هذه الدول الست تستعد لإعلان عملتها الموحدة في عام 2010 ولكن ما حققته من فوائض بعد ارتفاع أسعار البترول جدير بأن يرفع سعر صرف عملاتها أمام الدولار وهو أمر لم يحدث حتي الاَن علي الأقل. وتقول الأرقام مرة أخري إن فوائض دول الخليج تمثل 30% من إجمالي ناتجها المحلي بينما الفائض الصيني لا يتجاوز ال 8% من إجمالي الناتج المحلي للصين.. أضف إلي ذلك أن دول الخليج تدخر فوائضها إلي حين عسرة لاستخدامها عندما تنخفض أسعار البترول مرة أخري ولا تنفق سوي أقل القليل علي الواردات. وربما كان من مصلحة دول الخليج والاقتصاد العالمي كله فك الرابطة بين عملات دول الخليج والدولار، ولكن هذا لا يحدث وتضطر دول الخليج إلي تقليد السياسة النقدية الأمريكية فتبقي علي أسعار الفائدة منخفضة وأحيانا بالسالب إذا أدخلنا في الاعتبار معدل التضخم.. فالائتمان الرخيص ينمو بسرعة والتضخم يرتفع بقوة وإن كانت الأرقام الرسمية تعتم علي هذه الظاهرة.. فأرقام بلد من الإمارات تقول إن معدل التضخم الرسمي 7% فقط في حين أن التقديرات المستقلة تصل به إلي 15%. وتقول مجلة الإيكونوميست إن الدول الخليجية تخشي رفع أسعار عملاتها حتي لا يؤثر ذلك علي صادراتها من القطاعات غير البترولية، وعموما فإن الارتباط بالدولار ليس خيرا لهذه الدول علي طول الخط فحينما كان الدولار قويا في تسعينيات القرن الماضي عانت القطاعات غير البترولية في اقتصادات دول الخليج في حين كانت أسعار البترول تميل إلي الانخفاض والفوائض البترودولارية محدودة للغاية. وإذا كانت الصين تستخدم فوائضها في شراء أوراق الخزانة الأمريكية مباشرة من سماسرة أو متعاملين أمريكيين فإن للفوائض البترودولارية تأثيرين مهمين أولهما هو تأثيرها علي السيولة وما تؤدي إليه من هياج واضطراب في أسواق المال خصوصا أنها تستخدم بشكل فيه قدر كبير من التعتيم بحيث يصعب تتبعها وهي تلعب في مناطق مثل الأوراق المالية وصناديق التحوط وشركات التخارج وشراء الممتلكات ولم تعد تذهب حتي إلي البنوك كما كان يحدث في الماضي. أما التأثير الثاني فهي تشبه فيه الفوائض الصينية تماما وهو أنها تمنع الاقتصاد العالمي من إعادة موازنة نفسه، ولكنها علي أية حال تظل الأخطر من الفوائض الصينية لأنها الأكبر. وهنا تقول الأرقام مرة ثالثة إن فوائض الدول المصدرة للبترول ستبلغ 1.7 تريليون دولار في السنوات الخمس حتي عام 2007 في حين أن الفوائض الصينية لن تتجاوز ال 700 مليار دولار ولذلك فإن الأحري بالأمريكيين الاهتمام بالفوائض البترودولارية مثل اهتمامهم بالفوائض الصينية وربما أكثر.