عززت الصين في السنوات الأخيرة علاقاتها الاقتصادية مع دول القارة الأفريقية في مجالات التجارة والاستثمار وغيرها دون النظر إلي ما تتهم به هذه الدول أحيانا من انتهاكات لحقوق الإنسان ربما لأن الصين ذاتها كثيرا ما توجه إليها نفس الاتهامات.. ولا تحصل الصين من أفريقيا علي ما تحتاجه من موارد ضرورية ولازمة لنموها الاقتصادي السريع وإنما هي تحرص أيضا علي أن يكون لها شركاء في التجارة والاستثمار من دول غير مستقرة نسبيا مثل الصومال والسودان وزيمبابوي وأثيوبيا وليبيا وغيرها وهي دول غالبا ما تخضع للمقاطعة من جانب دول الغرب. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن الرئيس الصيني هيو جنتاو جعل أفريقيا في عام 2004 علي رأس جدول زياراته الخارجية.. والحقيقة أن الصين ليست جديدة علي أفريقيا سواء في العصور القديمة أو العصر الشيوعي أو الاَن واليوم تحمل السفن الصينية من أفريقيا ما تحتاجه الصين من بترول وخام الحديد وغير ذلك من المواد الخام المهمة. وفي نفس الوقت يضخ المستثمرون الصينيون مليارات الدولارات في القارة الأفريقية، ولعل أحدث الصفقات في هذا الشأن ما أعلن يوم 9 يناير الحالي عن قيام شركة كنووك الصينية للبترول بشراء حصة تمثل 45% في أحد حقول البترول النيجيرية مقابل 27.2 مليار دولار، وبجانب البترول والمناجم تستثمر الصين أيضا في فنادق المنتجعات السياحية وفي الزراعة ومشروعات البنية الأساسية وحتي في متاجر التجزئة ويبلغ إجمالي حجم التجارة بين الصين وأفريقيا حاليا 40 مليار دولار سنويا كما تحصل الصين علي 30% من احتياجاتها البترولية من القارة السوداء. ومنذ زيارة الرئيس الصيني لأفريقيا عام 2004 عقدت الصين اتفاقات للحصول علي البترول مع الجابون ونيجيريا وأقرضت أنجولا ثاني أكبر منتج أفريقي للبترول ملياري دولار لتمويل مشروعات البنية الأساسية مقابل الحصول علي حصة من البترول الأنجولي.. وفي مختلف بلدان أفريقيا ستجد الشركات الصينية تعمل في مشروعات الاتصالات والبنية الأساسية.. وتقوم استراتيجية الصين علي توسيع روابط التجارة والاستثمار مع القارة إلي جانب تقديم كل ما هو ممكن من مساعدات في مجالات محاربة الإيدز وتطوير نظم التعليم والأنشطة الثقافية ومشروعات البنية الأساسية وقد قامت الصين أخيرا بإطلاق قمر صناعي لحساب نيجيريا. ومنذ أيام قام وزير الخارجية الصيني لي زهاوكينج بجولة في 6 دول أفريقية تزامنت مع الإعلان يوم 12 يناير عن الكتاب الأبيض للعلاقات الأفريقية الصينية، وقد دعا الكتاب ليس إلي تعميق التعاون الاقتصادي والتجاري فحسب وإنما أيضا إلي التعاون العسكري وأشار إلي عزم الصين علي عقد اتفاق تجارة حرة مع أفريقيا عندما تنضج الظروف لمثل هذا الاتفاق. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن دول الغرب تنظر بتوجس من ازدهار العلاقات الأفريقية مع الصين لأن ذلك يعرقل الجهود الغربية لربط المساعدات المقدمة لأفريقيا باحترام حقوق الإنسان ومحاربة الفساد. فالشركات الصينية تقوم بسد أي فجوة يتركها الغرب في علاقاته بدول أفريقيا.. وفي بلد مثل أثيوبيا توقفت المساعدات الغربية بسبب انتهاكات الحكومة الأثيوبية لحقوق الإنسان ولكن الصين تقدمت لتسد هذا الفراغ وتقدم لأثيوبيا ما تحتاجه من معونات. بقي أن نقول إن الزمن قد ترك بصمته علي العلاقات الأفريقية الصينية ففي عقدي السيتينيات والسبعينيات من القرن الماضي كانت الصين موجودة في أفريقيا لمناصرة الثورة العالمية والتضامن مع العالم الثالث ودعم حركات التحرر الوطني الأفريقية في مواجهة الاستعمار والاستغلال الرأسمالي أما الاَن فإن الصين موجودة في أفريقيا لصنع المال والحصول علي الموارد قبل أي شيء اَخر وللحقيقة فإنه يصعب التفرقة بين ما تفعله الصين الاَن وبين ما كان يفعله المستعمرون في الماضي من هذه الزاوية علي وجه التحديد.