في عام 1985 انشأ رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد شركة بروتون لصناعة السيارات لتكون جزءاً من اطلالة ماليزيا علي المستقبل كدولة متقدمة، وقد قامت بروتون فعلاً بهذا الدور مستفيدة من دعم الدولة ومن انتعاشة سنوات الصعود الماليزي، ولكن الشركة تواجه الان ظروفاً سيئة يحاول سيد زاينال عابدين طاهر رئيسها التنفيذي الجديد أن يغيرها. وتقول مجلة "فورتشن" ان طاهر البالغ من العمر 44 عاماً، يستخدم في تصريحاته لغة مثالية مختلفة عن لغة رجال الأعمال فهو يقول إنه ماليزي أولاً ورجل أعمال ثانياً، وإنه ليس مجرد موظف وإن جزءاً من مهامه هو تحقيق الواجبات الوطنية والاجتماعية التي يلتزم بها.. ومثل هذه المعاني قد تتفق مع دور بروتون كرمز تاريخي للنهوض الماليزي ولكنها مثلاً لا يمكن أن تقنع مجالس إدارات شركات مثل فورد وفيات أو تويوتا. ومن المعروف أن الحكومة الماليزية صارت تمتلك الان 42% من بروتون وأنها تبدو متجهة إلي وقف ما تقدمه لهذه الشركة الوطنية من دعم بدأ معها منذ انشائها قبل نحو 21 سنة. كذلك تتجه الحكومة علي ضوء التزاماتها الدولية باتفاقات التجارة الحرة إلي فتح سوق السيارات الماليزي أمام المنافسة الاجنبية. ومن المعروف أيضاً ان نصيب سيارات بروتون من السوق الماليزي الذي بلغ 80% عند انشائها ثم هبط إلي 60% عام 2003، وهو عام تقاعد مهاتير محمد قد انخفض إلي 40% فقط في العام الماضي. أما أرباحها فقد هبطت إلي 7.6 مليون دولار بعد أن كانت 113 مليوناً في عام 2004 وكذلك الايرادات هبطت من 2.3 مليار دولار لتصبح 2.1 مليار في نفس العامين موضع المقارنة. والسؤال المهم هو: كيف تدهورت بروتون علي هذا النحو؟! والجواب في عبارة موجزة أنها السياسة.. فقد أصبحت بروتون كرة تتقاذفها اقدام انصار مهاتير محمد رئيس الوزراء السابق المؤمنين بدورها الرائد وانصار رئيس الوزراء الحالي عبدالله بداواي المؤمنين بضرورة سحب الدعم من بروتون، أما الرئيس التنفيذي الجديد طاهر الذي تولي قيادة بروتون منذ 6 شهور فقط فهو يقف في منتصف المسافة بين الفريقين معلناً أن الحكومة وعدته بأن تمكنه من النجاح ولكن عليه في نفس الوقت أن يعامل بروتون كشركة بحسابات المكسب والخسارة. لقد جاء بداواي إلي السلطة في ظلال وعد من مهاتير "البالغ من العمر 82 عاماً" بعدم التدخل في أسلوب ادارته لاقتصاد ماليزيا وفي نفس الوقت وافق بداواي علي أن يصبح مهاتير مستشاراً لشركة بروتون بعد تقاعده من الحكم.. وقد مر العامان الأولان من حكم بداواي دون تدخل مهاتير ولكن مع تردي أوضاع شركة بروتون بدأ مهاتير يعلن غضبه وقال في تصريحات صحفية أخيراً أن بروتون تأفل وتتجه إلي الفشل وأن بداواي يبيع سيادة ماليزيا. ورغم صمت بداواي علي انتقادات مهاتير بسبب دوره المؤثر في التحالف الحاكم فقد أعلن أنه لن يترك بروتون تسقط ولكن عليها أن تحسن اداءها وألا تعتمد علي الدعم الحكومي دون أن ترفع كفاءتها. ويري طاهر أن بروتون في حاجة بالفعل إلي تغيير وأنه سوف يقود الشركة في هذا الاتجاه ويعلق علي هذا الخلاف تيم بروتون كبير الاقتصاديين في بنك ING قائلاً إن سياسة مهاتير طوال فترة حكمه كانت تقوم علي المشروعات الكبيرة وإن بعض هذه المشروعات نجح وكثيراً منها اصابه الفشل كما كانت تقوم علي دعم الدولة والانفاق الحكومي ولكن بداواي جاء بسياسة مختلفة تعتمد علي حرية التجارة والمنافسة واعطاء الاولوية لدور القطاع الخاص وعندما تعرضت بروتون للمنافسة الخارجية بدأت نقاط ضعفها تتضح وبدأت تفقد حتي نصيبها من سوق ماليزيا الداخلي. وفي عهد مهاتير كانت بروتون كماتقول مجلة "فورتشن" رمزاً لسيادة ماليزيا وحتي ماركات سياراتها كانت تحمل اسماء وطنية ذات رنين حماسي. وقد اختار مهاتير شركة ميتسوبيشي اليابانية كشريك اساسي لبرتون ولكن ميتسوبيشي باعت حصتها البالغة 16% من بروتون عام 2004 ولذلك يبحث طاهر حالياً عن شريك أجنبي آخر ويجري مباحثات في هذا الشأن مع كل من فولكس واجن الألمانية وبيجو الفرنسية ولكنها لم تسفر حتي الان عن اتفاق محدد نظراً لأن سوق السيارات الماليزي لايزال سوقاً صغيراً لا يستوعب سوي 500 ألف سيارة جديدة سنوياً بعكس الأسواق الصاعدة في بلاد مثل الهند أو الصين. وعموماً فإن طاهر يتحرك يحذر وسط هذا الخلاف السياسي المكتوم بين انصار مهاتير وانصار سياسة بداواي ورغم تراجع مبيعات بروتون وارباحها فإن الشركة يعمل فيها 12 ألف عامل ويؤكد طاهر أنه مع ذلك لا يوجد تفكير في الاستغناء عن العمالة الزائدة والأمر المؤكد أن مهمة طاهر ستكون مهمة شاقة لأنه لن يكون عليه أن يصلح الشركة اقتصادياً فحسب وإنما أن يراعي أيضاً التوازنات السياسية الدقيقة بين مهاتير وبداواي