يعاني شعب الصومال حالة من الفوضي والاضطرابات السياسية وسط حرب أهلية دائرة منذ 1991 اسفرت عن سقوط 300 إلي 500 ألف قتيل. ولا شك أن الصومال بأوضاعه الحالية يجسد ما بات يسمي في "الأدبيات الأمريكية" إن جاز التعبير بمصطلح "الدولة الفاشلة"، الذي يضاف إلي بقية المصطلحات التي أتحفتنا بها العقلية الأمريكية التي تتفنن في تكريس ما تهوي من مسميات تطلقها علي المستهدفين بسياسات الهيمنة من دول مارقة، إلي محور الشر، إلي الدولة الفاشلة وتعرف "الدولة الفاشلة" وفق التقرير الذي نشرته قبل عام مجلة "فورين بوليسي" FOREGN POLICY الأمريكية نقلا عن كل من صندوق دعم السلام The Fund for Peace و"مؤسسة كارنيجي للسلام العالمي" الأمريكيتين بأنها: "حين تفقد الحكومة المركزية سيطرتها علي أراضيها وقد عجزت بالفعل المؤسسات السياسية الانتقالية في الصومال منذ إنشائها عام 2004 عن إعادة الأمن للبلاد. ويشير التقرير إلي أن مثل هذه الدول تعاني من فراغ السلطة بحيث يصبح المواطنون ضحايا للجماعات المتصارعة وللجريمة حيث قد يتطلب الأمر أحيانا تدخل الأممالمتحدة أو دول الجوار لتفادي كوارث إنسانية.. أو تدخلات حكومات وجهات أجنبية، مجاورة أو غير مجاورة، لإذكاء العنف الطائفي والمذهبي والاثني والمناطقي مما يعجل بهذه الدول إلي الانهيار. وهو ما ينطبق أيضا علي الصومال الذي يبدو أن شعبه العربي المسلم كتب عليه كما كتب علي شعوب فقيرة أخري أن يدفع ثمن وجوده علي أرض تشكل أهمية "جيوسياسية" للقوي العظمي في العالم. فموقع الصومال ضمن القرن الأفريقي ذي الأهمية البالغة لشركات البترول العالمية بسبب قربه من منابع بترول الخليج العربي ووقوعه علي مدخل البحر الأحمر شريان تجارة البترول والسلاح فضلا عن عمليات التنقيب التي ذكرت أن ثلثي أرض الصومال تحتوي نفطا كان وبالا علي هذا الشعب أضف إلي ذلك مطامع بعض قوي الجوار التي تحالفت مع أطماع القوي العظمي لتستثمر عوامل الصراع الداخلية في المجتمع القبلي، الأمر الذي فاقم من معاناة شعب فقير أعزل في مواجهة أطماع خارجية وداخلية لم ترحم معاناته من عوامل الطبيعة القاسية التي فرضت علي أبنائه فترات متتالية من المجاعة. ولم تكن أنباء الاضطرابات الأخيرة التي انتهت حتي الآن بسيطرة "المحاكم الشرعية" علي معظم أنحاء البلاد مفاجأة بالنسبة للعديد من المراقبين بل إن برلمانيا صوماليا بارزا قال لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إن هذه السيطرة قد تمثل خطوة باتجاه انهاء 15 عاما من الفوضي في البلاد وقال وزير الاعلام السابق محمود جاما إن وجود فصيل واحد يسيطر علي العاصمة لأول مرة منذ عام 1991 يمكن أن يسهل عملية التفاوض علي الحكومة الانتقالية التي تتخذ من بايدوا مقرا لها وأشار جاما أيضا إلي احتمال تحسن الوضع الأمني في مقديشيو بعد سيطرة مليشيا المحاكم الشرعية عليها. انقلب السحر علي الساحر ورغم تحذيرات أمريكية وغربية كانت متوقعة من سيطرة نظام متشدد إسلامي علي الصومال إلا أن العديد من المحللين يرون أن قوات "المحاكم الشرعية" لقيت ترحيبا من قطاعات كبيرة من السكان ليس فقط للتعاطف الذي يبديه البعض مع ما ترفعه "المحاكم" من شعارات إسلامية في بلد يدين جميع سكانه بالاسلام وإنما أيضا تعبيرا عن سخط شعبي علي امراء الحرب الذين تدعمهم الولاياتالمتحدة ورفضا لمحاولات دفع الأمور إلي طلب تدخل دولي. ويري محللون أنه قبل بضعة أشهر وفي غياب دعم شعبي واسع، لم يكن في وسع مقاتلي المحاكم الشرعية تحقيق انتصار تلو الاَخر مثلما حدث في الأيام الأخيرة أمام زعماء الحرب الذين كانوا يسيطرون علي العاصمة منذ بداية الحرب الأهلية سنة 1991 فبعد الانسحاب الأمريكي المهين من الصومال عام 1994 حرصت الولاياتالمتحدة علي دعم قادة فصائل ما يسمي "التحالف من أجل ارساء السلام ومواجهة الارهاب" الذي يضم زعماء حرب صوماليين، ويؤكد أنه يكافح ما يسميه "الخطر الارهابي" المتمثل من وجهة نظره في "المحاكم الشرعية" في مقديشيو وقد تأسس التحالف الذي يعرف نفسه بأنه حزب سياسي رسميا في فبراير الماضي ومن بين مؤسسيه عدد من زعماء الميليشيات التي تسيطر علي العاصمة الصومالية منذ أن عمت الفوضي البلاد مع اندلاع الحرب الأهلية عام 1991 كما يضم التحالف أعضاء في الحكومة الانتقالية التي تشكلت عام ،2004 وضم عند تشكيله زعماء حرب. وتفيد مصادر أمريكية ودبلوماسية في المنطقة بأن التحالف تلقي منذ قيامه دعما ماليا من الولاياتالمتحدة في إطار العمليات السرية لما يسمي بمكافحة الارهاب.