المهرجانات الفنية والثقافية والرياضية ومهرجانات التسوق رافد مهم من روافد تعظيم عائدات السياحة المصرية ودعم الاقتصاد القومي والذين يهاجمون إقامة مثل هذه المهرجانات بدعوي أنها أكثر مما ينبغي أو مما نحتاج إليه يريدون العودة بنا إلي عصر سياحة ال 2 مليون سائح، ويقفون ضد تنويع المنتج السياحي المصري، بدلا من إثراء الأجندة السياحية وتزويدها بكل ما يمكن من عناصر جذب علي مدار العام وليس في موسم واحد فقط. وهؤلاء يفضلون عن عمد وسوء قصد ان يتضاءل عدد ما نقيمه من مهرجانات، والذي كان لا يتجاوز الثلاثين مناسبة، ليصل الآن إلي رقم هزيل مقارنة بألاف المهرجانات التي تقام سنويا في مواعيد ثابتة في مختلف دول العالم الأكثر جذبا للسياح واستئثارا بعائدات السياحة العالمية. وفي رأيي ان الهجوم علي المهرجانات في مصر لا يبرره إلا أنها أصبحت تأتي بنتيجة عكسية، فقد طالها الفساد منذ زمن وسيست في كثير من الحالات وفقدت الموضوعية والمصداقية لكثرة المجالات التي تسئ لكل القيم التي يجب ان تراعي بحرص شديد من جانب لجان التحكيم. ولذا سقطت مثلا المهرجانات السينمائية في مصر. هذا من ناحية ومن ناحية أخري فإنه لم يحدث أن تولي إدارة المهرجانات في مصر متخصصون استطاعوا ان يحولوا هذه المهرجانات إلي عامل دعم للاقتصاد القومي. لكن الثابت هو ان مصر مازالت في أول الدرب فيما يتصل بتوظيف المهرجانات الثقافية والفنية والرياضية لتحقيق الرواج العام والجذب السياحي. إن وضع الحقائق في إطار مقارن وبموضوعية يؤدي إلي الوصول إلي النتائج السليمة، فرنسا بلد الثقافة تقيم 3500 مهرجان وتنظم إسبانيا 8104 مهرجانات لكل قرية ومدينة ومحافظة وإقليم مهرجان خاص بها.. وفي ألمانيا 5000 مهرجان.. وهكذا في دول العالم. والسؤال هو: لماذا فشلت المهرجانات في مصر وتحولت إلي عبء اقتصادي وافتقدت الجماهيرية والشعبية؟. إن هذه النتيجة طبيعية جداً لأسباب كثيرة أولها وأهمها بعد المهرجان عن الموروث الشعبي، فقد كانت مصر تحتفل بعيد القطن وعيد القمح ووفاء النيل والعديد من الموالد، وبدلا من تحديث هذه المهرجانات وترقيتها بحثنا عن أنواع من المهرجانات لا تتسق ووجدان الشعب، فجاءت المهرجانات رسمية وفوقية لم يتفاعل معها أفراد الشعب ولم تكتسب خصوصية تجذب السائح. ثاني الأسباب انه لم يخل مهرجان واحد من النفاق والمحسوبية ونفوذ ذوي الضمائر الميتة فجاءت الجوائز علي الأهواء وتفتقد الموضوعية والعدل. ثالث الأسباب هو عدم استخدام التقدم العلمي في إدارة المهرجانات وعدم وجود كوادر متخصصة في هذا المجال مما جعل المهرجانات ساحة للصراع ولتصفية الحسابات وتحقيق المصلحة الضيقة ولو علي حساب المصلحة العامة، حتي لو كانت علي حسابهم في المستقبل البعيد. مما تجلي في شكل مباشر في عدم التنسيق بين المهرجانات المختلفة التي تنظم في مصر من حيث المواعيد والتمويل والتسويق وتبادل المعلومات والخبرات. ولإحياء هذا الرافد الثقافي والسياحي المهم لابد من مراعاة ودراسة كل هذه السلبيات مع ضرورة البحث عن مناسبات تنبع من عمق التراث الشعبي لتزيده ثراء مع العمل علي تحقيق ترتيب زمني ملائم يسمح بعدم تكدس أغلبية المهرجانات في بضعة أشهر محدودة دائما بتحقيق تدفق طوال العام يسمح بعد ذلك بتثبيت أماكن ومواعيد الأحداث وتكرارها عاما بعد عام وتنظيم عملية تسويق مهنية محترفة تؤدي إلي المزيد من التدفقات الشعبية والسياحية والعملات الأجنبية التي تضخ في الاقتصاد القومي. ولن ننجح في هذا إلا إذا حرصنا علي ان يتولي المهمة من يتمتع بحس فني عال واخلاص حقيقي وعلم ينتفع به.