يبدو ان الاحزاب البريطانية الحاكمة لا تحدد اهدافها بدقة الا بعد ان تصل الي السلطة.. فالسيدة مارجريت تاتشر لم تكتشف مزايا الخصخصة الا بعد توليها الحكم عام 1979 وحزب العمل البريطاني لم يبدأ حملته المكثفة ضد فقر الاطفال الا بعد ان وصل الي الحكم بعامين اي عام 1999 حيث اعلن توني بلير في مارس من ذلك العام عزمه القضاء علي فقر الاطفال في غضون عقدين من الزمان. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان حكومة بلير استهدفت تخفيض عدد الاطفال الفقراء بنسبة 25% في عام 2004/2005 ثم تخفيض العدد بنسبة 25% اخري في عام 2010/2011 وتنظر حكومة بلير الي فقر الاطفال باعتباره مظهرا لعدم المساواة في الدخول بين الاسر اكثر من كونه مؤشرا علي الفقر بوجه عام في بريطانيا ولذلك فان الحكومة تعتبر الاطفال فقراء اذا كانوا يعيشون في اسرة صافي دخلها ادني بنسبة 60% من صافي دخل رب الاسرة المتوسط وتعتبر الحكومة ان هذا هو حد الفقر المطلوب دعم الاسر التي يقع دخلها تحته. وطبقا لمفهوم خط الفقر البريطاني السائد حتي الان فقد كان عدد الاطفال الفقراء في بريطانيا نحو 3.1 مليون طفل عام 98/1999 وهذا يعني ان نحو ربع اطفال بريطانيا يعتبرون فقراء لان جملة الاطفال البريطانيين 12.5 مليون طفل ولكن لو اضفنا تكاليف المسكن الي حساب خط الفقر فان عدد الاطفال الفقراء في بريطانيا سيزيد الي 4.1 مليون طفل اي نحو ثلث الاطفال البريطانيين. وتقول الارقام ان خطة بلير انتشلت 700 الف طفل بريطاني من تحت خط الفقر من عام 98/1999 حتي عام 2004/2005 اي انها لم تحقق نسبة ال25% المستهدفة، ففي ظل المفهوم الرسمي لخط الفقر ظل هناك 2.4 مليون طفل فقراء بزيادة 100 الف عن الرقم المستهدف النزول اليه وهو 2.3 مليون طفل اما اذا ادخلنا تكاليف المسكن فان الرقم سوف يرتفع الي 3.4 مليون طفل بزيادة 400 الف طفل عن الرقم المستهدف النزول اليه وهو 3 ملايين طفل. وقد يري البعض ان ضخامة عدد الاطفال الذين تم انتشالهم من تحت خط الفقر يعد نجاحا لخطة بلير ولكن النجاح والفشل امران نسبيان خصوصا اذا وضعنا في الاعتبار حجم ما يتم انفاقه علي تنفيذ هذه الخطة. وجدير بالذكر ان تمويل خطة مكافحة فقر الاطفال في بريطانيا يتم من خلال خصومات ضريبية تكلف الدولة 15.8 مليار جنيه استرليني (29.2 مليار دولار) وذلك في عام 2004/2005 وحده وهي تفوق تكلفة المزايا التي تمنح لكل اطفال بريطانيا سنويا والتي لا تتجاوز 9.6 مليار جنيه استرليني.. وعموما فان التغيرات التي طرأت علي سياسات حكومة العمال منذ وصولها للسلطة جعلت ما يتم تحويله الي الاسر البريطانية الفقيرة يناهز ال1% من اجمالي الناتج المحلي سنويا وذلك حسب تقديرات مايك بريوير مدير معهد الدراسات المالية في لندن. وتقول مجلة "الايكونوميست" انه لم يعد ممكنا لحكومة بلير رصد مبالغ اضافية جديدة لعلاج مشكلة فقر الاطفال ولذلك فان تحقيق المرحلة الثانية للخطة سيصبح مسألة صعبة خصوصا اذا وضعنا في الاعتبار ان الحكومة بدأت تأخذ بالتعريف الجديد او المعدل لخط الفقر الذي يدخل تكاليف المسكن ضمن الحساب.. فالاخذ بالتعريف الجديد يعني ان عدد الاطفال الذين تم انتشالهم من تحت خط الفقر في المرحلة الاولي 600 الف طفل فقط وان العدد المطلوب انتشاله في المرحلة الثانية 2010/2011 يصل الي مليون طفل. والحقيقة ان بريطانيا التي تعاني من اعلي معدل لفقر الاطفال بين كل الدول المتقدمة سيكون عليها ان تراجع الموقف برمته.. وسوف يتعين علي حكومة بلير البحث عن وسيلة اخري لمحاربة فقر الاطفال غير التحويل المكثف للاموال الي الاسر الفقيرة.. ومن المهم ان نشير هنا الي ان اسباب فقر الاطفال لا ترجع فحسب الي تدني اجور والديهم وانما تعود بصفة اساسية الي ان كثيرا من الآباء والامهات يعانون من البطالة اصلا حسب تقديرات بيتر وايتفورد الخبير في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وقد يكون صحيحا ان معدل التشغيل في بريطانيا اعلي منه في كثير من الدول المتقدمة الاخري ولكن سوق العمل البريطاني ينقسم الي وظائف عالية الاجور واخري متدنية الاجور وهو امر يؤثر علي دخل الكثير من الاسر البريطانية.. والاهم من ذلك ان نسبة الاسر ذات العائل الواحد (الاب او الام) تعد نسبة كبيرة في بريطانيا حيث كانت 7.3% في عام 2000 وهي أعلي نسبة بين دول منظمة التعاون الاقتصاد والتنمية كما يتركز في هذه الاسر وخاصة ذات العائل الواحد العاطل عن العمل 31% من جملة الاطفال الفقراء في بريطانيا وهذا يجعل مهمة حكومة بلير في محاربة فقر الاطفال البريطانيين في السنوات القادمة اشد صعوبة.