بعد اربع سنوات من النمو النشط في اجمالي الناتج المحلي اعتقد كثير من اليابانيين انهم تغلبوا علي المشكلات التي كان اقتصادهم يعاني منها وانه لم تعد هناك حاجة لمزيد من الاصلاحات الهيكلية.. ولكن هذه العودة الي الروح المحافظة جاءت للأسف في الوقت غير المناسب. وتقول مجلة "نيوزويك" ان اليابان حقا قد قطعت خطوات واسعة وعظيمة حيث اصبحت بنوكها اقوي وتخلصت شركاتها من طاقة الانتاج المعطلة ولم تعد اسواق العمل فيها شديدة الجمود بعكس ما كانت عليه في الماضي.. ولكن هذا كله لا يفسر التعافي الاقتصادي الياباني الذي حدث بين عامي 2002/2006.. ففي الاعوام الخمسة عشر السابقة كانت مشكلة اليابان الكبري هي عدم كفاية الطلب علي منتجاتها وقد اصبح النمو في اجمالي الناتج المحلي الياباني ممكنا فقط عندما ظهرت مصادر أخري للطلب من جانب الصين التي انفتحت شهيتها جدا للصادرات اليابانية الي جانب زيادة استثمارات الشركات اليابانية ذاتها حتي تصبح قادرة علي تلبية الزيادات المستقبلية المتوقعة في الطلب الصيني وهذا بالطبع الي جانب الزيادة المحدودة في اتفاق المستهلك الياباني.. وهذا معناه بوضوح ان القدر الذي تم من اعادة الهيكلة المالية وعلي مستوي الشركات لم يكن هو السبب وراء هذا الانتعاش التجاري الياباني. ولكن استمرار عملية اعادة الهيكلة والاصلاح الاقتصادي في اليابان امر ضروري لمستقبل تلك البلاد.. ففي غضون عام او عامين سوف تختفي طاقة الانتاج الفائضة في اليابان.. وهذه الحقيقة الي جانب انكماش قوة العمل اليابانية ستخفض معدل النمو طويل الامد في اليابان لكي يتراوح بين 1 و1.5% سنويا خلال العشرين عاما القادمة وهذا المعدل الفاتر للنمو يمكن ان يقود اليابان الي ازمة مالية.. ويتعزز هذا الاعتقاد عندما تعرف ان الدين العام الياباني قد بلغ نسبة مروعة تناهز ال160% من اجمالي الناتج المحلي ولايزال يتزايد بمعدل 5% سنويا، وسوف يؤدي الي استفحال هذه المشكلة التقاعد المتوقع لجزء كبير من قوة العمل في اليابان وهو امر يستلزم زيادة كبيرة في الانفاق الحكومي علي الرعاية الصحية لهؤلاء المتقاعدين. ويستلزم الحد من هذه الاتجاهات ان تفرض الحكومة زيادة مهمة في الضرائب وهي مسألة لن تكون ممكنة الا اذا تم تنفيذ برنامج جريء للاصلاح الهيكلي والاقتصادي يؤدي الي زيادة طاقة الانتاج ويضمن حدوث معدلات نمو اسرع وأعلي.. ولكن هناك في اليابان من يقاوم استمرار الاصلاح الاقتصادي.. فالبيروقراطية اليابانية تحاول بشراسة منع الاجانب من تحقيق فوائد كبيرة من عملهم واستثماراتهم في الاقتصاد الياباني.. فقد قررت اليابان في العام الماضي فرض ضريبة علي المستثمرين الاجانب في العقارات اليابانية، كما اقترحت الحكومة فرض ضريبة علي شركات التخارج وتقييد حركتها في اليابان عن طريق السماح للشركات اليابانية بحل نفسها وغير ذلك من الاجراءات التي تحول دون ابرام صفقات الاكتساب والاندماج الاجباري التي تقدم عليها اي شركة اجنبية داخل اليابان.. وسوف يترتب علي هذه العمليات جميعا الحد من الاستثمارات الاجنبية المباشرة في اليابان. ومن الامور المقلقة ايضا في رأي مجلة "نيوزويك" تركيز الميديا اليابانية علي الحديث عن الفوارق الكبيرة التي صارت قائمة بين الثروات والدخول.. ورغم ان جزءا كبيرا من هذه الظاهرة يعود الي زيادة عدد المتقاعدين حيث يضر التقاعد دائما بذوي الدخول المنخفضة والمتوسطة فان اصحاب الاراء المحافظة اجتماعيا يتهمون سياسات حكومة كويزومي بانها السبب. ويضاف الي ما تقدم الهجوم الحاد علي ثقافة المنظمين البازغة في اليابان ويعد اعتقال يوشياكي موراكامي صاحب شركة للتخارج الي جانب تاكافيومي هوري الرئيس التنفيذي لشركة ليفدور احد مظاهر هذه المطاردة حيث انهما يمثلان نموذجا للمنظمين الجدد في اليابان الذين استفادوا من الثقافة الامريكية في هذا الخصوص. وقد لا يكون هناك خطأ في ان تناقش كل بلد اتجاهاتها وتحاول ان تحافظ علي تقاليدها خصوصا ان اليابان ليست مهيأة للارتداد الي السياسات غير التنافسية التي كانت تتبعها في الماضي ولكن اي تراخ في عمليات الاصلاح الاقتصادي واعادة الهيكلة من جانب حكومة كويزومي سوف يقود اليابان الي كارثة.