في أكتوبر الماضي فازت شركة ميتسوبيشي كورب اليابانية بعطاء أربعة مشروعات بترولية جديدة وكبيرة في ليبيا متفوقة بذلك علي منافستها من الشركات الهندية والصينية.. وتقول مجلة "نيوزويك" إن ميتسوبيشي كورب صنعت بذلك أول موطيء قدم اقتصادي لليابان في ليبيا التي كانت تعد ذات يوم من الدول المارقة. ورغم أن الشركة لم تعلن عن حجم ما تنوي استثماره في هذه المشروعات فإن الشائعات المتداولة تشير إلي أن هذه الصفقة تنتمي إلي الأحجام الضخمة وأنها تعد صفقة محورية في الاتجاه الجديد الذي بدأت تسلكه الشركات التجارية اليابانية للاستثمار في مجال الطاقة. وهذا يجعلنا نتساءل ما الذي ستفعله شركة تجارية يابانية في صفقة تخص مشروع حقل بترول؟ نحن نعرف أن كبريات الشركات التجارية اليابانية بنت سمعتها في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية باعتبارها شركات توريد وسمسرة ووساطة وليست شركات تنمية مشروعات. ولكن كثيرا من هذه الأوضاع قد تغيرت منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي عندما أصبحت شركات مثل ميتسوبيشي وأشباهها بما في ذلك ميتسوي وسوميتومو وماروبيني وأيتوتشو تشكل فيما بينها نحو 5% من إجمالي الناتج المحلي لليابان. وفي مطلع التسعينيات كانت هذه الشركات لاتزال مرتبطة ارتباطا قويا بالشركات الصناعية العملاقة متعددة الأنشطة المعروفة باسم "كايرتسو" التي كانت تغذيها دائما بالقروض الرخيصة مقابل أن تمدها بما تحتاجه من مواد خام مهمة. وكانت إيرادات تلك الشركات التجارية كثيفة ولكن أرباحها كانت محدودة.. ولذلك فهي لم تكن تستثمر عادة إلا في شراء حصة من شركة صغيرة أو تمويل جزئي لأحد المشروعات. ولكن الوضع اختلف في السنوات الأخيرة فقد تحملت الشركات التجارية عبء الركود الذي ضرب الاقتصاد الياباني لمدة 15 عاما متصلة ثم عادت الاَن إلي الاستثمار والتجارة برغبة عارمة للأخذ بثأر السنوات الضائعة. وقد مرت الشركات التجارية شأنها في ذلك شأن كل الشركات اليابانية بعملية إعادة هيكلة قاسية استغنت خلالها عن جزء كبير من العمالة وأغلقت ما لا تحتاجه من الفروع بل واستغنت في بعض الحالات عن علاقاتها بالكايرتسو التي كانت تجعل نشاطها محدودا وغير مرن. واليوم أصبحت الشركات التجارية اليابانية شركات استثمارية إلي جانب نشاطها في بيع السلع أو الوساطة في الصفقات، وهي تستثمر في شراء الأصول أو حقوق التنقيب عن البترول وغيره من المعادن الثمينة وأحيانا تجاهد هذه الشركات من أجل الفوز بالسيطرة الكاملة علي بعض المشروعات المهمة. وتقوم استراتيجية هذه الشركات حاليا علي قبول المخاطر وإدارتها بمهارة ولذلك فإنك في أركان الأرض الأربعة من منغوليا إلي الخليج إلي المكسيك تجدها تنافس الشركات الهندية والصينية في الفوز بالصفقات من كل شيء من السكر حتي البلاديوم و"هو عنصر فلزي من طائفة البلاتين" والمفارقة أن هذه المنافسة الشرسة بين الشركات قد رفعت أسعار البضائع عالميا. وعموما فإن ثمرة هذه المنافسة قد ظهرت بوضوح منذ أيام عندما أعلنت الشركات التجارية اليابانية الخمس الكبري عن أرباحها القياسية التي تحققت في العام الماضي، وعلي سبيل المثال فإن شركة ماروبيني زادت أرباحها بنسبة 79% في عام 2005 عن عام ،2004 أما شركة ميتسوبيشي التي تعد أقوي الشركات التجارية اليابانية فقد زاد صافي أرباحها 92% خلال نفس الفترة المقارنة لتحقق في عام 2005 أرباحها التي بلغت 350 مليار ين "3 مليارات دولار" ويعد البترول مجرد جزء من هذه العملية فقد حققت الشركة أرباحها القوية من المعادن ومن استخراج الفحم بل إن 28% من أرباح ميتسوبيشي يأتي من استخراجها لفحم الكوك من استراليا وهو عنصر مهم في صنع الحديد والصلب. ومن القطاعات المنتعشة الأخري بالنسبة لشركات اليابان التجارية قطاع استخراج اليورانيوم والتجارة فيه وتعد شركة أيتوتشو ثاني أكبر تاجر عالمي في اليورانيوم ولها مشروعات استخراج منتشرة في كل من المكسيك وكندا واستراليا وكازاخستان. وفي قطاع الطاقة لهذه الشركات استثمارات واسعة حتي في مناطق عالية المخاطر، ونجد أن شركة أيتوتشو تستثمر في أذربيجان وأندونيسيا وروسيا وحقول بترول بحر الشمال.. وفي وقت سابق من العام الحالي اشترت شركة ماروبيني حصة قيمتها 2.1 مليار دولار من شركة أمريكية في بترول خليج المكسيك.. وتستثمر شركتا ميتسوبيشي وميتسوي في بترول شبه جزيرة سخالين الروسية ويكفي أن نعرف أن قيمة حقول بترول سخالين 2 قد وصلت إلي 50 مليار دولار وحدها. وتقول "نيوزويك" إن مثل هذه الجرأة من الشركات التجارية اليابانية في الاستثمار لم تكن معروفة قبل سنوات قليلة خصوصا أن سنوات الأزمة الاَسيوية قد هزتها هي الأخري إلي حد أن سعر سهم شركة ماروبيني هبط إلي 52 سنتا فقط وارتفعت ديونها إلي 35 مليار دولار، أما الاَن فقد ارتفع سعر السهم إلي 73.5 دولار وهبطت الديون إلي النصف. وتجدر الإشارة إلي أن روح المخاطرة التي تعمل بها الشركات اليابانية التجارية فيما وراء البحار صارت تقلق الحكومة التي لا تريد سوي تأمين ما يحتاجه قطاع الصناعات التحويلية من مواد خام ومكونات. وفي وقت لاحق من هذا العام سوف تعلن الحكومة اليابانية سياستها الاقتصادية في شأن مصادر الطاقة وهي السياسة التي قد تصنع نقاط اتفاق بين الحكومة وبين الشركات التجارية اليابانية ولكن الشيء المؤكد هو أن هذه الشركات لن تتخلي بسهولة عن دورها الجديد كمستثمر عالمي في كل المجالات التي تقودها إلي تحقيق المزيد من الإيرادات والأرباح.