تبدو عجلة النمو الاقتصادي الآسيوي للناظر إليها مندفعة إلي المستقبل بحركة دائبة من شنغهاي إلي مومباي إلي جاكرتا، يسوقها الأمل في غد أفضل من اليوم. لكن يبدو أن الدولاب الآسيوي قد لفظ اليابان فلم تعد قطبا من الأقطاب الدافعة له. فقد توقفت عن المساهمة في ديناميكية القارة ورسالتها. فاليابان اليوم هي أرض السكون في قارة تندفع بقوة دائبة إلي الأمام بعد أن أثقلها عجز القادة السياسيين وذهول النخبة في شركاتها، وقلق أناسها إزاء المستقبل. فتجد اليابان نفسها مشدودة إلي الخلف، بينما تستمر آسيا مندفعة إلي المستقبل. وفي تحليل مطول حول أسباب تراجع قوة اليابان الاقتصادية بينما يعدو عدد من جيرانها إلي المستقبل، قالت مجلة تايم الأمريكية إنه منذ "العقد الضائع" في تسعينيات القرن الماضي -الذي بدأ مع انهيار سوق الأسهم في بداية التسعينيات- ظل الاقتصاد الياباني عند نقطة التجمد. فلم يعد هناك نمو اقتصادي حقيقي، كما عاني اليابانيون من غياب الرفاهية، بينما تراجع نفوذ المؤسسات الصناعية اليابانية في العالم. وقد تفقد اليابان وضعها كثاني أكبر اقتصاد في العالم هذا العام للصين. وكل بضعة أشهر يقذف الباب الدوار للسياسة اليابانية رئيس وزراء جديد ليصل عدد رؤساء الوزراء في السنوات الأربع الماضية إلي ستة. ويتعهد كل قادم جديد بتنفيذ الإصلاحات لكن التعهدات سرعان ما يبتلعها نظام اليابان السياسي المشلول. حتي إن رئيس الوزراء ناوتو كان اعترف بأن الجو العام هو "إحباط خانق". وقال عندما تسلم مقاليد السلطة في الشهر الماضي "إن هناك شعورا متناميا بالقيد، شعورا غامضا بأن البلاد كلها تختنق". ويعتبر كان آخر الزعماء السياسيين الذين قطعوا وعودا بإحراز تقدم في إصلاح وضع البلاد. لكن الوقت للأسف لا ينتظر اليابان. فبعد أزمة الدين اليوناني بدأ المستثمرون في تقليب الأمور بالنسبة للدول التي تعاني مالياتها من أزمات. ولا يغيب عنهم أن اليابان في أعلي القائمة. فقد أثقلت ديون تراكمت بسبب سوء الإدارة المالية للبلاد علي مدي عقود كاهل الحكومة، بحيث وصلت المديونية إلي نحو 200% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي الأعلي بين الدول الصناعية. وتتعاظم الضغوط علي رئيس الوزراء كان لتطبيق إجراءات تقشف شديدة. ويقول مدير قسم الدراسات الآسيوية في جامعة تمبل في اليابان ديفري كنجستون إن هناك إدراكا بأن الأمر لن يظل علي حاله "إن المشكلة هي أن الناس لا يعلمون ما يخبئه المستقبل. ومشكلات اليابان تتفاقم بينما البلاد تفتقر إلي القيادة". ومن عدة أوجه، يشبه حاضر اليابان مستقبل الولاياتالمتحدة وأوروبا الغربية. فمنذ مدة طويلة تصارع اليابان عدة مشكلات: مجتمع يشيخ، كارثة مالية، وضعف في التنافسية. وقد بدأ الغرب يواجه ذات المشكلات. والكفاح الذي تقوم به اليابان من أجل الخروج من هذا الوضع يعكس مخاطر التقاعس عن اتخاذ القرار، والسماح للحسابات السياسية المحلية وغياب المرونة الايدولوجية بأن تتفوق علي البراجماتية الضرورية في عالم متغير. وما يجعل قصة اليابان أكثر إحباطا هو أنها منذ وقت ليس ببعيد كانت في طليعة دولاب الحركة في العالم، حتي إن نظامها الاقتصادي الذي تسيطر عليه البيروقراطية كان ينظر إليه علي أنه قوة نمو دافعة، ويعتبر أعظم من النظام الاقتصادي الحر في الغرب. لكن السياسات والممارسات التي خلقت المعجزة اليابانية هي ذاتها التي خنقتها. فقد بقيت اليابان ملتزمة بذات النموذج للنمو الذي استخدمته لصنع المعجزات علي مدي سنوات طويلة. وتمثل هذا النموذج في بيروقراطية صنع القرار السياسي والرغبة العارمة في مضاعفة الصادرات والإنتاج الصناعي، رغم أنها لم تعد تتناسب مع اقتصاد اليابان الحديث والمرتفع التكلفة، ومع ضرورة المحافظة علي بقاء البلاد كمنافس قوي في العالم.