لاشك أن جنون الاندماج قد عاد إلي الأسواق من جديد، ففي صفقة كان قد بدأ الحديث بشأنها منذ خمس سنوات قامت شركة الكاتيل الفرنسية بشراء شركة لوسنت الأمريكية مقابل 13.5 مليار دولار.. كما رفعت AT&T عطاءها لشراء بيل ساوث ليصبح 83.4 مليار دولار، أما شركة ميتول ستيل فقد تقدمت لشراء أركيلور مقابل 23.7 مليار دولار.. وتقول شركة ديلوجيك للبيانات إن حجم صفقات الاندماج والاكتساب التي أعلن عنها في مختلف أنحاء العالم خلال الربع الأول من عام 2006 قد بلغ 931 مليار دولار وهو أعلي مستوي له منذ ذروة موجة الاندماجات السابقة في أواخر عام 1999 وأوائل عام 2000. وتقول مجلة "نيوزويك" إن قادة الشركات فرحون بهذه الصفقات ولكن إلي متي يدوم هذا الفرح؟ تقول المجلة إن الفرح لن يدوم طويلا إذا وضعنا في الاعتبار ما انتهت إليه غالبية الاندماجات السابقة حيث تؤكد الدراسة تلو الدراسة أن نسبة الفشل في تلك الاندماجات كانت 60 70% من الحالات بمعني أن أسعار أسهم الشركات المندمجة قد عادت إلي الانخفاض الشديد بعد عدة شهور أو عدة سنوات علي الأكثر من إتمام الصفقة. وإذا تحولت هذه السلسلة من الصفقات إلي موجة ترتفع فيها القيمة السوقية للشركات المندمجة بمعدل متسارع فستكون هذه هي الموجة السادسة منذ أواخر القرن العشرين حتي الاَن. ويقول هانز تشينك الخبير الهولندي في عمليات الاندماج إنه خلال موجة الاندماج التي انتهت عام 2000 تراجعت قيمة 9 تريليونات من صفقات الاندماج والاكتساب التي تمت في الولاياتالمتحدة وأوروبا إلي حد أنها خفضت حجم هذه الاقتصادات العملاقة بنسبة 5.3%.. ولذلك يصبح مشروعا أن تتساءل عن سر إقبال الشركات علي الاندماج والاكتساب علي الرغم من هذه الإخفاقات؟ الحقيقة أن هناك دراسات أخري تقول إن نسبة الاندماجات الفاشلة اَخذة في التناقص بفضل حسن الاختيار ومعقولية التسعير والتدقيق في كل خطوة قبل إتمام صفقات الاندماج.. ففي دراسة أجرتها كلية تجارة كاس بجامعة سيتي البريطانية بتكليف من ماركو بوشيتي رئيس قسم الاندماج والاكتساب بشركة الاستشارات تاورز بيرين علي 83 صفقة ممثلة من بين ألف تم إبرامها عام 2004 تبين أن الاندماجات المختارة كلها تعمل علي نحو جيد.. وقد تبين من الدراسة ذاتها أن سعر أسهم شركات الاندماج حقق زيادة تفوق متوسط ما حققته شركات مؤشر MSCI وورلد اندكس بنسبة 7% وإذا قارنا ذلك باندماجات عام 1998 فسنجد أن الزيادة في سعر أسهمها كانت أقل من هذا المؤشر بنحو 2.5% أما اندماجات عام 1988 فكانت أقل بنسبة 6% وفوق ذلك برهنت الدراسة علي أن 67% من صفقات الاندماج التي أبرمت عام 2004 أدت إلي ارتفاع أسعار أسهم الشركات المندمجة. وتقول مجلة نيوزويك إن دراسة كلية تجارة كاس شملت اندماجات يتراوح حجمها ما بين 400 مليون دولار حتي 1.5 مليار دولار وهي صفقات متوسطة الحجم.. ولذلك فإن هناك من يري أن هذه الدراسة لا تعبر عن الواقع لأن الصفقات متوسطة الحجم عادة ما تكون أفضل أداء من الاندماجات الضخمة.. ومع ذلك فإن كثيرا من الاندماجات العملاقة التي تمت عام 2004 عملت ولا تزال تعمل بصورة جيدة، وهي نحو 40 صفقة تشمل شراء فيدكس لشركة كينكوز، وشراء سوفت بانك لحصة تخارج في جابان تيلكوم وشراء شركة واتشوفيا لشركة ساوث تروست، وقد ارتفعت أسعار أسهم هذه الشركات المندمجة جميعا بنسبة 18% أعلي من المتوسط العام لمؤشر MSCI وورلد اندكس. وتجدر الإشارة إلي أن علامات النجاح ليست مقصورة علي ارتفاع أسعار أسهم الشركات المندمجة فقط وإنما تمتد إلي زيادة العائد علي الأسهم والعائد علي الأصول ولكن الاندماجات العملاقة ضعيفة الأداء من هاتين الناحيتين. والخلاصة أن نجاح أو فشل الاندماج رهن ولو جزئيا بالقوة المحركة له ومن الواضح أن توافر المال الرخيص هو الذي يحرك موجة الاندماج الراهنة بعكس موجة التسعينيات التي كانت تحركها سهولة السداد بالأسهم.. ولكننا لا نستطيع أن نتجاهل أهمية الدروس المستفادة من الفشل في موجات الاندماج السابقة وليس المطلوب بالطبع وقف عمليات الاندماج والاكتساب بين الشركات وإنما المطلوب التدقيق فيها وإعطاء حملة الأسهم دور أكبر في مراجعتها قبل الموافقة عليها.