كثيرة هي أسباب موجة الاندماجات والاكتسابات الواسعة التي تجتاح أسواق العالم منذ مطلع العام الحالي.. واحدث الصفقات في هذه الموجة تمت في صناعة معدات الشبكات اللاسلكية حيث اقدمت شركة الكاتيل الفرنسية علي شراء شركة لوسنت الامريكية بعد 5 سنوات من عمليات الكر والفر وجس النبض مقابل 30 مليار يورو (36 مليار دولار) كما باعت جنرال موتورز 51% من ذراعها المالية (GMAC) الي كونسورتيوم تقوده شركة التخارج سيربيروس.. كذلك يحصل سير ريتشارد برانسون علي 700 مليون جنيه استرليني (1.2 مليار دولار) مقابل بيع حصته في شركة فيرجين موبايل للتليفون المحمول الي شركة الاتصالات الكابلية (NTL). وتقول مجلة "الايكونوميست" ان سرعة اتمام الصفقات في الربع الأول من العام الحالي كانت سرعة محمومة، وكان متوسط حجم الصفقات التي تعقد خلال تلك الفترة 10 مليارات دولار يوميا وهو المتوسط الاعلي في السنوات الست الاخيرة.. وهذه المرة كان مجموع الصفقات الاوروبية اكبر من مجموع الصفقات الامريكية.. وتقول ارقام شركة ديلوجيك للبيانات ان حجم ما اشترته الشركات الاوروبية في الربع الاول من العام كان 418 مليار دولار وهو اكثر من ضعف مشترياتها خلال نفس الفترة من عام 2005 اما في امريكا فقد كان حجم ما اشترته الشركات الامريكية 318 مليار دولار بزيادة 5% فقط عن الربع الاول من عام 2005. وعلي المستوي العالمي في عمومه كانت الصفقات ضخمة وذات اهمية مفصلية وعلي رأسها تأتي صفقة (AT&T) لشراء بيل ساوث مقابل 67 مليار دولار باعتبارها الصفقة الاكبر حجما كما كانت هناك 14 صفقة تزيد قيمة كل منها علي 10 مليارات دولار.. وكان هناك ايضا الكثير من عمليات الشراء الاجباري بنسبة تفوق السنوات القليلة السابقة.. ولكن علي عكس موجات الاندماج والاكتساب السابقة فان تمويل الجزء الاغلب من الصفقات كان يتم نقدا كما ان ثلثي صفقات الربع الاول من العام الحالي تم تمويلها بالكامل نقدا. ولاشك ان تمويل صفقات الاندماج والاكتساب نقدا يكفي وحده لكي يدعي المصرفيون اننا امام ظاهرة جديدة او مختلفة وان هذه التمويلات النقدية لن تضر حملة الاسهم علي أي نحو.. وواقع الامر ان النقود وفيرة، لان الائتمان لايزال رخيصا، ولذلك فمشاكل الصفقات ستكون محدودة. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان عملية تمويل الصفقات هذه المرة اكثر سلامة مما كان يحدث في الثمانينات او التسعينيات وتقف علي ارض صلبة. فالشركات منذ انفجار فقاعة الدوت كومز مرت في اوروبا وامريكا بسنوات من عمليات اعادة الهيكلة وخفض التكاليف واصلاح الموازنات. وقد ساعد هذا علي زيادة ارباح الشركات وما تمتلكه من سيولة نقدية في الوقت الذي عبر فيه حملة الاسهم عن ثقتهم في قدرة الشركات علي استثمار هذه الفوائض، إما في الانفاق الرأسمالي او تمويل صفقات الاندماج والاكتساب. ويقول انطوني بورجيس رئيس قسم الاندماجات والاكتسابات الاوروبي في دويتش بانك ان حملة الاسهم تحولوا 180 درجة خلال الأشهر الثمانية عشر الاخيرة مقدمين تفويضا علي بياض لادارات الشركات لعقد صفقات الاندماج والاكتساب. ومن جانبها فان البورصات كانت تكافئ كل صفقة برفع اسعار اسهم الشركات المشترية والشركات المشتراة علي حد سواء.. ويقول فرانك بيري رئيس قسم الاندماج والاكتساب في سيتي جروب ان اسعار اسهم الشركات التي عقدت صفقات اكتساب من فئة مليار دولار واكثر ارتفعت في ال90 يوما التالية لعقد الصفقة عن المتوسط العام لاسعار اسهم مؤشر (S&P500). اضف الي ما تقدم ان انخفاض اسعار الفائدة وفر للشركات فرصة للاقتراض الامن الذي لا يزعج حملة الاسهم من اجل تمويل صفقات الاندماج والاكتساب واستمرت الشركات تتمتع الي جانب انخفاض تكلفة رأس المال بزيادة نصيب السهم من الارباح.. ورغم ان المصرفيين لا يصرحون بذلك فاننا نستطيع القول بوجود فقاعة ائتمان في طريقها للتكوين نتيجة للتوسع في الاقتراض من جانب الشركات. ومن الملامح الاخري التي يمكن رصدها في موجة الاندماجات والاكتسابات خلال الربع الاول من هذا العام ذلك التنافس بين شركات التخارج والشركات المسجلة في البورصة.. وتقول الارقام ان الشركات المسجلة كانت هي الطرف الفائز حيث انخفض نصيب شركات التخارج من 25% في عام 2004 ليصبح 14% فقط خلال الربع الاول من العام الحالي.