حوار مع النفس! يندر أن يظهر رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف مع أغلب وزرائه خارج مبني رئاسة الوزارة، إلا في مناسبة دعوة رئيس منتدي مصر الاقتصادي الدكتور شفيق جبر استطاع أن يجمع د.نظيف مع 90% من أعضاء وزارته في حوار مفتوح مع ضيوف المنتدي في وقت طويل امتد إلي منتصف الليل في أحد الفنادق الفخمة المطلة علي النيل التي تليق بمقام الحضور وفي جو بدأ شاعريا، ثم انقلب إلي حديث بالأرقام والموضوعات الاقتصادية وهي في أغلبها لا تنسجم مع مثل هذه اللقاءات! ولكن ضيوف المنتدي كانوا علي علم بمضمون اللقاء فالمنتدي كان الغرض منه أن يستعرض هموم وانجازات الحكومة المصرية، وكان المنتدي يمثل فرصة ليشرح رئيس الوزراء من خلال المناقشات التي دارت بينه وبين الحضور الانجازات التي يعتقد بأنه نجح في تحقيقها! في البداية كنت أظن بأن المنتدي كان يهدف إلي أن يقدم رئيس الوزراء شرحا وافيا لسياسة الحكومة الاقتصادية إلي الضيوف الأجانب باعتبار أن مقدم المنتدي هو "المستر نيك يونج" مراسل شبكة ال B.B.C الانجليزية، وبذلك فان العدد الكبير من المدعوين كانوا بلا فائدة ومجرد ظهورهم هو نوع من الديكور ثم أن من سأل كان من المصريون ومن أجانب كان رئيس الوزراء المصري أو الوزراء المصريون الذين جلسوا إلي جانبه من علي منصة الحوار، وبالتالي لم يكن هناك فضل للأخ الانجليزي سوي حديثه المستمر وتعليقاته علي السائل والمجيب باللغة الانجليزية وسماعنا لكل الأجوبة باللغة الانجليزية أيضا وبدا لي الموقف برمته انه استعراض لقواعد اللغة الانجليزية بين السائل والمجيب فقط..! وجاءت اجابات رئيس الوزراء في حدود ما يقوله في مختلف المناسبات بدءا من مجلس الشعب عندما ألقي بيان الحكومة الذي قوبل بالرفض والاعتراض وعدم التأييد من جانب كثير من الأعضاء، أو في أي تصريحات صحفية أو غيرها! وقد كنت التمس العذر لرئيس الوزراء، إذا كان يقصد - كما قلت - مخاطبة الأجانب يشرح لهم الأحوال في مصر ليجذب المزيد من الاستثمارات، إلا أنه تحدث عن موضوعات أخري مثل موضوع البطالة وبرر انخفاضها في هذا العام بعدد الاعلانات المنشورة في جريدة الأهرام وبأن نسبة الاعلانات زادت 45% علي الاعلانات المنشورة في العام السابق وكأن ذلك دليلا علي انخفاض عدد العاطلين في مصر، وكان هذا الكلام قد سمعناه حرفيا من وزير الاستثمار الدكتور محمود محيي الدين اثناء الحملة الانتخابية للرئيس مبارك في العام الماضي. والكلام عن موضوع النشر لا يعد مقياسا علميا للحديث عن المشكلة الواضحة لنا جميعا الموجودة في كل أسرة مصرية! وعندما تحدث رئيس الوزراء عن قانون الطوارئ كرر نفس القول في بيانه أمام مجلس الشعب حيث صرح بأن قانون الطوارئ وضع من أجل امن وسلامة المجتمع واستقراره ومحاربة الارهاب بجميع صوره، ووعد بأن الحكومة سوف تستبدله بقانون آخر لمواجهة حالات الارهاب فقط! سوف يتم وقف التعامل بقانون الطوارئ فور اقرار قانون خاص بالتعامل مع جرائم الإرهاب. وتحدث الدكتور نظيف عن الخطوات - التي وصفها بالجريئة - في عمليات الاصلاح الاقتصادي وان حكومته هيأت المناخ المناسب للاستثمار بتعديلها لقوانين الضرائب والجمارك والتعريفة الجمركية واصدرت قانون المنافسة ومنع الاحتكار، مما أدي إلي تغييرات ملموسة حدثت علي الصعيد الاقتصادي ورفع معدل النمو خلال الربع الأخير من العام الماضي إلي 6،1% بعد ان كان المتوقع ان يصل إلي نسبة 6% فقط نهاية يونيو 2006 وأعلن أن معدل التضخم انخفض إلي 1.3%. كلام كتير.. وتصريحات تكرر اعلانها في مناسبات متعددة ومختلفة، اعتقد أن المنتدي الاقتصادي واعضاءه ومدعوين كانوا هم الجمهور المناسب للاستماع لما قيل في هذه الليلة من ليالي شهر مارس الذي يبدأ فصل الربيع في أحد أيامه الأخيرة! وختاما.. أرجو ان يسمح لي الدكتور أحمد نظيف - أن اهمس قائلا له نصيحة مخلصة وهي: لا داعي أن تتحدث في أمور السياسة الداخلية وبالذات الأمور المتعلقة بأعضاء مجلس الشعب من غير الأعضاء في الحزب الوطني.. وأقول أيضا: لا تنسي ان الذي قدم الندوة هو واحد من مذيعي الBBC ثم ارجوك ان يكون حديثك محصورا في الشئون الاقتصادية وان تقدم نفسك كرئيس للوزراء المفترض بان تتحدث في عموم السياسة العامة للدولة واترك حديث التفاصيل للوزراء المختصين فهذا افضل بكثير لك وللحاضرين.. وأخيرا لابد من ذكر الجهود التي قام بها الدكتور شفيق جبر في عملية التنظيم الدقيق الذي كان أحدي السمات التي ميزت المنتدي مما يؤكد علي حقيقة ان هذا الرجل يستطيع أن يقدم لمصر الكثير وافضل بمراحل ممن نراهم الآن علي الساحة!