مثل خلية سرطانية سطت علي البدن الأمريكي كله: سياسته الخارجية والداخلية.. أصول اقتصاده وثماره.. الحرية الفردية وعلاقاته الاسرية والاجتماعية.. مستقبله السياسي.. مصير الحزب الجمهوري الحاكم، الذي جلب الكارثة، في انتخابات نوفمبر الحرجة المقبلة.. انها حرب العراق وتأثيرها الفاجع علي الأمة الأمريكية، الذي يفوق تأثير الغش المفسد لكل شيء! الاحد الماضي 19 مارس، مرت 3 سنوات بالتمام من عمر حرب العراق، أطول حروب العالم الجارية.. وحسابها السونامي، أقصد الكارثي الختامي، يذهل أي عقل يفكر، لكنه يمكن رصده وتأمله.. أحصته مجلة "ذانيشن" الأمريكية 20 27 مارس احتفاءً بالذكري التعيسة وعزاء! ماذا تكشف دعوي الحسبة لحرب العراق الجائرة؟ خسائر الحرب وكلفتها المالية مذهلة: أكثر من 2300 قتيل أمريكي.. 16000 جريح ومعوق.. 30000 قتيل عراقي و10000 عراقي مشتغلين بالحرب و300 مليار دولار نفقات مباشرة للحرب وحوالي تريليون دولار نفقات اجمالية.. وترجمة الارقام: خراب شامل! واثار حرب العراق علي السياسة الخارجية لأمريكا، موقفها بين مجتمع الدول، آثار مدمرة وقد ولدت الحرب جيلاً كاملاً من العقائديين المتطرفين، واشعلت نيران التوتر الطائفي في العالم الاسلامي.. ودعمت نفوذ ايران في العراق، ودفعتها إلي العصيان النووي، وأوجدت أكبر أزمة في التدفق العالمي للبترول منذ حظر أوبك الشهير للنفط في سبعينيات القرن الماضي وفوق ذلك فوضت النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، ووضعت العسكرية الأمريكية علي حافة نقطة الانكسار! ..لكن الحقائق جميعها والارقام لا تجسم المأساة الكاملة للحرب، والرعب الذي سوف يجتاح العراق والمنطقة بأسرها.. والاحداث الاخيرة تكشف عن تأرجح العراق علي حافة حرب أهلية شاملة، سوف تقف الولاياتالمتحدة إزاءها بلا حول ولا طول! خلال سنوات الحرب الثلاث الماضية حرصت الولاياتالمتحدة علي زرع معلم من معالم الضلالات الديمقراطية.. وقد حذرت هذه المجلة The Nation من أن كل معلم من هذه المعالم الزائفة كان خطوة نحو العنف والبؤس الذي يحاصر شعب العراق الآن! .. إلا أن المعلم الديمقطراي الحقيقي ينبت من جذور حكومة وحدة وطنية قادرة علي حفظ الأمن والنظام، وإعادة اعمار خرائب الوطن العراقي.. وهو الهدف الذي يراوغ جهود السفير الأمريكي خليل زاد الآن.. وإن كان ذلك إن تم لن يكفر عن خطيئة الغزو الأمريكي وخطاياه! ملأ جوج بوش آذان العالم بنداءاته الفجة عن البقاء علي مسار الحرب Stay the course.. واستند في أسسه المنطقية لهذا النداء إلي أن الانسحاب الأمريكي سوف يشجع المقاومة، ويجعل العراق ملاذاً آمناً للإرهاب، ويقوده إلي حرب أهلية شاملة.. وقد تحققت بالفعل هذه التنبؤات.. ليس لأن الولاياتالمتحدة أعلنت جدولاً زمنياً للانسحاب، بل لأنها عجزت عن السيطرة علي القوي التي اطلقتها الحرب وضراوة الاحتلال! في آخر قياس للرأي العام العراقي يطالب 87% بوضع نهاية عاجلة للاحتلال الأمريكي.. ويشجع 47% هجمات المقاومة علي القوات الأمريكية.. ويكشف كاتب العمود الشهير جوان كول عن أنه خلال أحداث العنف الأخيرة، صدرت تعليمات عسكرية مشددة للقوات الأمريكية في بغداد بالبقاء في ثكناتها وعدم الانتشار في المنطقة.. ويعلق جوان كول ساخراً: "هذا يؤكد لأي حد تنعدم أهمية وجود القوات الأمريكية في العراق الآن"!! قبلة الموت.. الانتخابي! بعد قرابة 16 شهراً من إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية، يقف بوش في الساحة السياسية سائب المفاصل وقد اعتورته اعراض "البطة العرجاء" المبكرة.. والكونجرس رغم أغلبيته الجمهورية يعيش في حالة ذعر in a funk يترقب انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر المقبل، وقد اهتزت ثقته في الاحتفاظ بالأغلبية! ورموز الحزب الجمهوري ينظرون للرئيس بوش كقائد أعلي لحرب العراق وهو في وضعه الحرج وكأنه سقط في هوة عميقة بلا سلم يرقي عليه لحافة النجاة! بينما انشغل بوش باصطناع أهمية رئاسية لوجوده، طبقاً لجدول مزدحم لجمع التبرعات السياسية لمرشحي الحزب في الكونجرس، وزيارتهم في ولاياتهم.. وهي زيارات يرحب بها البعض، بينما يتحرج الآخرون من أنها قد تكون "قبلة الموت" في توقيت انتخابي بالغ الحرج!! اقرأ كارل روف نائب رئيس هيئة موظفي البيت الابيض، وهو يعبر لمجلة تايم عن قلقه من استعمال مرشحي الحزب لقضية الارهاب وسيلة للخلاف والشقاق في انتخابات الخريف المقبل.. ورغم ذلك يعد بأن يواصل مشاوراته مع أعضاء الكونجرس المرشحين حول مسألة حرب العراق.. لكنه يتحفظ: "هناك فرق بين النقد المسئول الذي يهدف إلي النجاح.. والنقد الانهزامي الذي يرفض الاعتراف بأي شيء.. إلا الفشل!!