التنسيقية تهنئ 5 من أعضائها بعد تجديد ثقة القيادة السياسية فيهم كنواب للمحافظين    بعد حلف اليمين.. بيان من وزيرة وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي    طاقم حكام مباراة الأهلي والداخلية في الدوري المصري    نتيجة الدبلومات الفنية 2024 برقم الجلوس عبر بوابة التعليم الفني    قصواء الخلالي: نثق فى الدكتور مدبولي ونتمنى أن يوفق في مساره ومصر يكون حالها أفضل    جيش الاحتلال: مقتل ضابط وإصابة 3 آخرين في حي الشجاعية بمدينة غزة    رغم الخوف من غدره.. 3 أسباب تجعلك تصادق برج العقرب    أدعية رأس السنة الهجرية.. يجعلها بداية الفرح ونهاية لكل همومك    شهيد العمل.. أسرة لاعب كمال الأجسام المتوفى أثناء هدم منزل بسوهاج تروي التفاصيل (فيديو)    الموساد يتلقى من الوسطاء رد حركة حماس على صفقة تبادل الأسرى    مشاهد مروعة من إعصار بيريل المدمر في الكاريبي (فيديو)    وزير العمل: سنرى في مصر تاكسي دون سائق وسوبر ماركت دون عمالة (فيديو)    «ألذ واحدة».. كيف علقت أسماء جلال على ظهورها في برنامج منى الشاذلي؟    تامر حسني: مستغرب البنات اللي عجبتهم أغنية «سي السيد» فجأة    في هذا الموعد.. أبطال فيلم "عصابة الماكس" ضيوف برنامج ON Set    تصل ل 1450 ريالًا.. أسعار تذاكر حفل كاظم الساهر في جدة    بيسكوف: أردوغان لا يمكن أن يصبح وسيطا في مفاوضات الأزمة الأوكرانية    أمين الفتوى: لا تبرروا كل ما يحدث لكم بشماعة السحر والحسد (فيديو)    إحالة طبيب وتمريض وحدتي رعاية أولية بشمال سيناء للتحقيق بسبب الغياب عن العمل    أهم تكليفات الرئيس لوزير الصحة خالد عبد الغفار.. الاستثمار في بناء الإنسان المصري    شاهد شاطى المساعيد غرب العريش الواجهة الأجمل للمصطافين.. لايف    أستاذ حديث: إفشاء أسرار البيوت على الانترنت جريمة أخلاقية    بنى سويف: استكمال مشروعات حياة كريمة    لافروف: مفاوضات بوتين مع شي جين بينغ كانت جيدة    تهدف لتحقيق النمو الاقتصادى.. معلومات عن مبادرة " ابدأ " الوطنية (إنفوجراف)    تعيين عبلة الألفي نائبة لوزير الصحة والسكان    احذر من النوم بالقرب عن تليفونك .. مخاطر صحية للنوم بالقرب من الهواتف المحمولة    منتخب إنجلترا بالقوة الضاربة قبل مواجهة سويسرا    أبو الغيط يبحث مع الدبيبة التطورات على الساحة الليبية    "سي إن بي سي": نزوح جديد في خان يونس نتيجة رد إسرائيل على صواريخ حماس    مهام كبيرة على عاتق وزير الخارجية الجديد.. اختيار بدر عبد العاطى يعكس تعاطى الدولة مع المستجدات العالمية.. إدارته للعلاقات مع أوروبا تؤهله لقيادة الحقيبة الدبلوماسية.. ويمثل وجها للتعددية فى الجمهورية الجديدة    تونس.. فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة خلال يوليو الجاري    منتخب مصر فى التصنيف الأول قبل سحب قرعة تصفيات أمم أفريقيا 2025 غدا    هيئة الدواء توافق على زيادة سعر 3 أدوية (تفاصيل)    21 توصية للمؤتمر الثالث لعلوم البساتين.. أبرزها زراعة نبات الجوجوبا    بيان الإنقاذ وخطاب التكليف !    مجلس الوزراء يحسم موعد إجازة رأس السنة الهجرية 2024.. الأحد أم الإثنين؟    وزير العمل: العمال في أعيننا.. وسنعمل على تدريبهم وتثقيفهم    يامال: أتمنى انتقال نيكو ويليامز إلى برشلونة    أشرف صبحي: مستمرون في تحقيق رؤية مصر 2030    وزير الأوقاف: سنعمل على تقديم خطاب ديني رشيد    ارتياح فى وزارة التموين بعد تولى شريف فاروق حقيبة الوزارة    لويس دياز يحذر من الاسترخاء أمام بنما    إفيه يكتبه روبير الفارس.. شر السؤال    ضبط 44 جروبًا على "واتس آب وتليجرام" لتسريب الامتحانات    المؤبد و10 سنوات لصاحب معرض السيارات وصديقه تاجري المخدرات بالشرقية    للتدريب على استلهام ثقافة المكان في الفن.. قصور الثقافة تطلق ورش "مصر جميلة" للموهوبين بدمياط    السيرة الذاتية للدكتور إبراهيم صابر محافظ القاهرة    تعرف على أسباب بقاء وزير التعليم العالي في منصبه    النائب إيهاب وهبة يطالب الحكومة بالتوسع في إنشاء صناديق الاستثمار العقاري    "رموا عليهم زجاجة بنزين مشتعلة".. كواليس إصابة 5 بائعين بحروق في الشرابية    حملات يومية بالوادي الجديد لضمان التزام أصحاب المحلات بمواعيد الغلق    أمين الفتوى: ثواب جميع الأعمال الصالحة يصل إلى المُتوفى إلا هذا العمل (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 3-7-2024    نيابة ثان أسيوط تستعجل تقرير الإدارة الهندسية لملابسات انهيار منزل حي شرق    ليس زيزو.. الزمالك يحسم ملف تجديد عقد نجم الفريق    تعرف على القسم الذي تؤديه الحكومة أمام الرئيس السيسي اليوم    يورو 2024.. مواجهات ربع النهائي ومواعيد المباريات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انقلاب فرنسي ضد العرب؟
نشر في الشعب يوم 19 - 05 - 2007


بقلم: عبد الباري عطوان

يبدو واضحا، ومن خلال التشكيلة الجديدة للحكومة الفرنسية، ان الرئيس نيكولا ساركوزي يريد شطب الارث السياسي الديغولي، وضم بلاده الي المحور الانجلو ساكسوني بزعامة الولايات المتحدة الامريكية، منهيا بذلك الهوية المستقلة لهذا البلد وسياسته ليس في اوروبا فقط وانما في المنطقة العربية ايضا.
فاختيار برنار كوشنير وزيرا للخارجية في هذه الحكومة، والتصريحات التي ادلي بها وخطأ فيها الحكومة السابقة لرفضها الانضمام الي المعسكر الامريكي اثناء الحرب علي العراق، يوحيان بان ساركوزي يريد ان يكون الحليف الاوثق للادارة الامريكية الحالية في اوروبا، والدخول في منافسة مع رئيسة الوزراء الالمانية انجيلا ميركل، ورئيس الوزراء البريطاني القادم غوردون براون لاحتلال المكانة الاكبر في قلب الرئيس بوش.
كوشنير ابدي اسفه لعدم وقوف فرنسا الي جانب الامريكيين في الحرب علي العراق، وانتقد الدبلوماسية الفرنسية بشدة التي نأت بنفسها عن الولايات المتحدة وحلفائها في المرحلة الحرجة التي سبقت الحرب، ولكن اسبابه لم تكن مقنعة علي الاطلاق، خاصة قوله بان السبيل الوحيد لوقف الحرب كان الوقوف الي جانب الامريكيين للتوصل الي حل حازم .
نفهم هذا الموقف لو ان الولايات المتحدة انتصرت في هذه الحرب، وحققت اهدافها في قيام عراق ديمقراطي مستقر ومزدهر، ولكن الولايات المتحدة، او ادارتها الحالية، لم تنتصر في العراق، ووجدت نفسها في مأزق خطير لا تستطيع الفكاك منه، فانسحاب قواتها مشكلة، وبقاؤها مشكلة اكبر.
كوشنير يمكن ان يأسف لو ان الحرب اعطت ثمارها في العراق، والمنطقة باسرها، لان فرنسا في هذه الحالة لن تشارك في اقتسام الغنائم الدسمة، وجري حرمانها من دور كبير، ومشاركة اوسع في قرار ادارة العالم، وتقسيمه الي مناطق نفوذ يكون لها فيها نصيب. ولكن ادارة بوش لم تنتصر، وتواجه معارضة من الكونغرس، وعاقبها الشعب الامريكي في الانتخابات النصفية للكونغرس بالتصويت لصالح الديمقراطيين، فاين الخطأ في سياسة الحكومة الفرنسية السابقة وهي التي كانت تملك رؤية واضحة وصائبة في عدم المشاركة في حرب غير شرعية وغير اخلاقية جاءت نتائجها كارثية علي كل المشاركين فيها، حيث دفعت كل من بريطانيا واسبانيا ثمنا باهظا من امنها وسلامة مواطنيها بمشاركتها في هذه الحرب علي شكل تفجيرات هزت عاصمتي البلدين واوقعت عشرات الضحايا في حالة الاولي (بريطانيا) ومئات الضحايا في حالة الثانية اي اسبانيا.
ولعل ما يثير الاستغراب هو التحاق ساركوزي وحكومته بالعربة الاخيرة من قطار الادارة الامريكية الذي ينزلق الي هاوية الهزيمة في العراق وافغانستان بسرعة قياسية، في الوقت الذي يهرب منه الحلفاء، ويتبرأون من مغامراته العسكرية الفاشلة. فقد اسقط الاسبان حكومة ازنار اليمينية، وكذلك فعل الطليان بحكومة برليسكوني، وها هم البريطانيون يلحقون هزيمة كبري بحزب العمال الحاكم في الانتخابات المحلية الاخيرة قبل اسبوع.
لا نعرف ما هي الحكمة في انحراف ساركوزي وحكومته عن سياسة خارجية حمت فرنسا من الارهاب، وعززت استقلاليتها كدولة، وابرزت صورتها وخدمت مصالحها في مختلف انحاء العالم، وخاصة منطقة الشرق الاوسط والعالم الاسلامي.
السياسة البديلة التي يطرحها ساركوزي تهدد بنسف كل هذه الانجازات دفعة واحدة، ودون ان تحقق اي مكاسب حقيقية لفرنسا في المقابل، بل ربما تشكل تهديدا مباشرا لأمنها الوطني واقتصادها واستقرارها الداخلي دون اي مبرر حقيقي.
فهذه المواقف العدائية للعرب والمسلمين التي يمكن استشفافها من سياسة ساركوزي الخارجية المتوقعة، ربما ترضي بعض ابناء الجالية اليهودية الفرنسية الموالية لاسرائيل الذين صوتوا له في الانتخابات الاخيرة، والرئيس الامريكي جورج بوش ومجموعة المحافظين الجدد الذين خطفوا القرار الامريكي ووظفوه في خدمة مصالح الدولة العبرية ومجازرها في حق الفلسطينيين والعرب، ولكنها لن ترضي غالبية الشعب الفرنسي، وربما تستعدي اربعة ملايين مسلم وعربي يعيشون في فرنسا ويحملون جنسيتها، ويعاني الكثير منهم من سياسات اليمين المتطرف والعيش كمواطنين من الدرجة الثانية في بلد كان اول من رفع راية المساواة والحريات والعدالة الاجتماعية.
ما يقلق ان ملامح هذه السياسة الخارجية الفرنسية الجديدة والانقلابية، يمكن ان تصب في مصلحة الجماعات الاسلامية المتشددة التي تريد زعزعة استقرار فرنسا، واحياء النزعة الانتقامية فيها بالتذكير بماضيها الاستعماري والممارسات الدموية لقواتها في منطقة المغرب العربي، وخاصة الجزائر، بعد ان طويت هذه الصفحة نهائيا او كادت.
وكان لافتا البيان الذي اصدرته كتائب ابو حفص المصري، التي يقال انها محسوبة علي تنظيم القاعدة، وهددت فيه باعمال عنف وارهاب ضد فرنسا بسبب انتخاب شعبها لحكومة معادية للعرب والمسلمين، وموالية للولايات المتحدة وحروبها ضدهم.
اننا لا نجادل بحق الرئيس الفرنسي الجديد في عدم الخضوع لمثل هذه التهديدات عندما يعكف علي اختيار وزير خارجيته، ويرسم السياسة الخارجية لبلاده، ولكن ما نجادل فيه وبقوة هو ان تؤكد هذه السياسة علي مباديء وأسس راسخة جعلت من فرنسا صديقة لاكثر من ثلاثمئة وخمسين مليون عربي، ومليار ونصف المليار مسلم، وتحافظ علي رصيد كبير لها من المصالح والعلاقات الاقتصادية الوثيقة مع هذه الكتلة البشرية والحضارية التي تتربع علي ثلثي احتياطات النفط في العالم.
ساركوزي يجب ان يتذكر دائما انه يشارك العرب في حوض البحر المتوسط، حيث يوجد مخزون هائل من التطرف قابل للانفجار في اي لحظة بسبب الحرمان والفساد والحكومات غير الديمقراطية، وانعدام التوزيع العادل للثروة، وتفاقم الصراع الطبقي. وهذا المخزون ينتظر عود ثقاب لينفجر عنفا وموجات هجرة نحو الشواطيء المقابلة.
امريكا حليفة ساركوزي الجديدة لم تربح أيا من حروبها التي يأسف علي عدم مساندتها فيها، وخاصة الحرب علي الارهاب، فبعد ان كان العالم يواجه تنظيم القاعدة في جمهورية تورا بورا في افغانستان، بات يواجه استنساخا وتوالدا خطيرا لهذا التنظيم، فهناك القاعدة في العراق واخري في المملكة العربية السعودية، وثالثة في اوروبا، ورابعة في الصومال، وخامسة في المغرب الاسلامي علي بعد مرمي حجر من الشواطيء الفرنسية.
ما زال امام وزير الخارجية الفرنسي الجديد ورئيسه فسحة من الوقت للتأمل والتروي قبل الاندفاع في سياسات متعجلة وخطرة، والمأمول ان يتسلحا بالحكمة، ويستفيدا من اخطاء الادارة الامريكية، وسياستها الخارجية الفاشلة وحروبها المدمرة قبل ان يضعا سياستهما ويختارا حلفاءهما الجدد، وحتي لا ينطبق عليهما المثل العربي يذهبان الي الحج والناس راجعة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.