فيما يبدو أن فوائض السيولة المرتفعة التي قد تكون نعمة في بعض الأسواق قد تمثل نقمة وكارثة في أسواق أخري، والحالة الثانية تنطبق تماما علي أسواق المال الخليجية التي فقدت ثلث قيمتها السوقية منذ بداية العام الحالي فبعد ان شهد عقد التسعينيات تدني اسعار البترول بالاسعار الحقيقية الي اسعار ما قبل حرب أكتوبر ،1973 انطلقت اسعار الخام الثمين لتحقق مكاسب كبري بعد غزو العراق عام 2003 ليتحرك سعر الخام بين 50 و 75 دولارا للبرميل، وتحسنت المؤشرات المالية لدول الخليج ويتحول تراجع النمو وعجز الموازنات في التسعينيات الي فوائض ضخمة وصعود في الاداء وتحسن في النمو في أغلب القطاعات وخصوصا الخدمات. وتكونت خلال الأعوام الثلاثة الماضية فوائض مالية ضخمة، وتحركت هذه الأموال بحثا عن فرص للاستثمار، بعيدا عن الأسواق الأمريكية والأوروبية بعد أحداث سبتمبر ،2001 ونظرا لضيق الأسواق العربية الأفضل والأنسب لهذه الاستثمارات في وجود برامج للخصخصة والإصلاح، تركزت هذه الأموال في أسواقها بشكل حاد، وبدلا من تجميع المدخرات وجذبها لمشروعات كبري لاستغلال امثل للثروة وبناء اقتصاد للمستقبل، اتجهت معظم المدخرات لأسواق المال والبورصات التي حققت ارتفاعات قياسية وتضاعفت القيم السوقية لاسهم الشركات المدرجة في الأسواق، لغياب الفرص الكافية لاستثمار هذه الأموال صناعيا. وتصدرت السعودية بشكل خاص موجات الارتفاع ووصلت مضاعفات الربحية لاكثر من 50 مرة لتصبح أغلي بورصة عربية علي الاطلاق بل وتضاهي أسواق المال العالمية الكبري في نيويورك وباريس وطوكيو في مستويات الأسعار، كما حققت الكويت وقطر والإمارات والبحرين ارتفاعات كبيرة، ولكنها اقل نسبيا من السوق السعودي الذي وصل فعليا لمرحلة الفقاعة، وتظل مشكلة المستثمرين الافراد في كل الأسواق العربية انهم يبدأون دخول البورصة في القمة السعرية، ويخرجون في ذروة الانخفاض رغم أنه الوقت الأنسب للشراء، وأدت التحذيرات من الوصول لمستوي الفقاعة وعمليات جني الأرباح من المؤسسات الكبري في السوق الي تراجع حاد للاسعار، لتفقد الأسهم الخليجية ثلث قيمتها منذ بداية العام حتي الآن، والمشكلة في الازمة في الأسواق الخليجية والتي تعتبر مشاركة الأجانب فيها محدودة وغائبة تماما في السعودية، أن الازمة صنعت بأيد محلية، ونتيجة لغياب فرص استثمارية كافية وغياب التنوع الاقتصادي. ورغم التراجع الحاد في هذه الاسواق الا انه يعتبر حالة صحية وفي مصلحة البورصات لتعديل مستوياتها السعرية الي مستوي يتناسب مع الاداء الكلي واداء الشركات نفسها، وأصبح من الضروري علي الحكومات العربية التخطيط بشكل جدي لايجاد فرص استثمارية مناسبة في القطاعات الصناعية، والعمل علي زيادة وعي المستثمرين الافراد بمخاطر ومزايا الاستثمار في أسواق المال.