أصبح الحديث عن تأخر صرف تعويضات ضحايا الكوارث أمرا معتادا عقب كل كارثة بل وأصبح الحديث عن الفارق المذهل بين التعويضات المقررة والتعويضات المنفقة علي الحوادث المماثلة في بلدان العالم المتقدم أمرا مثيرا للشفقة علي تدني سعر الانسان المصري مما يدعو إلي الوقوف أمام هذه الظواهر ليس فقط من أجل دعم حقوق المواطنة للمصريين ودفعهم نحو التنمية التي تراهن عليها الحكومة الجديدة ولكن ايضا من أجل اصلاح وضع التعويضات في مصر واصلاح وتنظيم العلاقة بين المواطن الحكومة والقطاع الخاص، في هذا التحقيق تحاورنا مع عدد من الخبراء القانونيين ونشطاء حقوق الانسان حول مدي قصور آلية صرف التعويضات وسبب تدني مستوي التعويضات في مصر إلي هذا الحد. يقول نجاد البرعي رئيس جماعة تنمية الديمقراطية ان التعويض الذي أعلنته شركة السلام لضحايا العبارة السلام 98 بواقع 150 ألف جنيه للضحية مثال حي علي ضعف الجانب الحقوقي في مجال التعويضات في حالات الكوارث في مصر إذ يوضح أن هذا المبلغ يمثل الحد المعقول للتعويض في قانون النقل البحري وهو مقارنة بالتعويض الذي تضعه اتفاقيات النقل البحري المقدر بحوالي 600 ألف جنيه للضحية يعتبر رقما ضئيلا للغاية ويشير البرعي إلي أن الاتفاقيات الدولية في مجالي النقل البحري والجوي وضعت حدودا للتعويض الملزم للشركة المالكة في هذا القطاع لانها عادة ما تكون شركات ضخمة ويكون المستهلك لخدماتها فردا ضعيفا أمامها ويحتاج تشريعات تحمي حقوقه، ويوضح البرعي ان ضعف التعويضات المقدرة في مصر نابع من ضعف تقدير قيمة المواطن المصري فاذا اصيب مواطن مصري بتسمم في أحد المطاعم قد تحكم له المحكمة بتعويض 1000 جنيه بينما يتضاعف تقدير المحاكم في بلد مثل الولاياتالمتحدة إلي عشرة أضعاف هذا التعويض في مثل هذه الحالات. تعديل تشريعي ويطالب البرعي بإصدار تشريعات تحدد الحد الأدني للتعويضات المستحقة بناء علي المعايير الدولية - حيث لا يحدد المشرع الحد الأدني من التعويضات إلا في مجالي النقل الجوي والبحري - لافتا إلي أن الهدف من ذلك ليس مقتصرا علي وضع أسس واضحة للتعويض الذي يجبر الضرر المادي والأدبي عن الضحايا يتفق عليها المشرعون ولكن ايضا لكي تكون التعويضات رادعا لملاك هذه الخدمات حتي لا يتمادوا في أخطائهم. ومن جهته يؤكد د.رضا السيد استاذ القانون التجاري بجامعة عين شمس علي ضعف الجانب التشريعي في مجال مؤازرة المواطن في الحصول علي التعويض المستحق إذ يلفت إلي أنه من خلال مشاركته في لجنة النقل بمجلس الشوري لدراسة قوانين السلامة البحرية عقب حادث العبارة 98 تكشف له مدي تضارب قوانين هذا القطاع التي تعوق تطبيق اشتراطات السلامة وتصعب تحديد المسئولية في حال وقوع الكوارث اذ لا توجد مادة واحدة تحدد مسئولية الوكيل عن شركة أجنبية تملك السفينة اضافة إلي قدم هذه القوانين حيث يرجع أحدها إلي عام 1930! مشكلات التأمين ويوضح محمود عبد الله مستشار وزير الاستثمار لقطاع التأمين ان الفكر التأميني في مصر مازال متأخرا عن الدول المتقدمة اضافة إلي أن القانون لا يجبر أحداً علي التأمين علي الركاب إلا في مجال تأمين المسئولية عن السيارات وبالرغم من ذلك فإن ركاب النقل البري داخل مصر عرضة إلي تأخر الحصول علي حقوقهم في الحوادث بسبب صعوبة اثبات مسئولية قائد السيارة في التسبب في الحادث اضافة إلي أن التأمين ليس محدد القيمة في القانون ويقتصر علي الركاب الأساسيين بالسيارة وليس العدد الزائد ويقول انه في الدول المتقدمة اصبحت هناك قاعدة قانونية بأنه في حال وقوع حادث في النقل البري فالناقل هو المسئول مباشرة عن دفع التعويضات دون اجراء أية تحقيقات لتحديد المسئولية عن الحادث ويضيف عبد الله انه في مجال النقل البحري والجوي فالشركات المالكة ملزمة بالتأمين علي الركاب طبقا للاتفاقيات الدولية وهو ما يجعل هذه الشركات مجبرة علي صرف التعويض ولكن في مجال الخدمات المحلية البعيدة عن قطاع النقل كخدمات المسارح والملاهي والاماكن العامة علي سبيل المثال عادة ما تحجم الشركات عن التأمين علي خلاف النمط السائد في الدول المتقدمة وقد يرجع ذلك إلي ضعف قيمة التعويض التي تحكم بها المحكمة للضحية علي خلاف قيمة التعويض في الدول المتقدمة والتي قد تصل إلي ملايين تستلزم مساندة شركة التأمين وقد يرجع أيضا إلي تراخي شركات التأمين عن ترويج منتجاتها ويلفت عبد الله إلي أن القطاع الحكومي عادة لا يفكر في التأمين علي خدماته وهو ما يستلزم اعادة النظر من طرف الحكومة في هذا الجانب. قيمة التعويض ويلفت د.صفوت البهنساوي استاذ القانون التجاري بجامعة بني سويف الي انه في حال رفع دعوي للمطالبة بالتعويض عادة ما تقدر المحكمة التعويض المستحق للمتوفي ب 30 ألف جنيه فقط وتصل احيانا التعويضات إلي 10 آلاف جنيه بسبب كبر سن المتوفي وضعف دخله ويوضح البهنساوي ان انخفاض مبالغ التعويضات المحكوم بها في المحاكم المصرية مقارنة بمثيلتها الدولية يرجع إلي عدم مراعاة هيئة المحكمة للضرر النفسي الذي تقدره المحاكم الأجنبية بالملايين ويقول ان الحكم بالتعويض بمبالغ منخفضة في حد ذاته قد يسبب الضرر النفسي ويشير صفوت إلي ضعف الوعي حتي في مجال مطالبة الركاب في وسائل النقل المختلفة في اثبات نوعية الشحنة المنقولة وقيمتها وهو ما يجعل تقييم التعويض المستحق عليها في حال غرقها يتم علي أساس الوزن وليس القيمة. أين تذهب التبرعات؟ وينبه طارق خاطر رئيس جمعية المساعدة القانونية إلي غياب الشفافية عن التبرعات المقدمة للضحايا في الكوارث اذ يضرب مثالا علي ذلك بضحايا كارثة الزلزال والذين سكنتهم الحكومة في القطامية ثم طالبتهم بعد 12 سنة بإيجار هذه السنوات كجزء من اقساط هذه المساكن ويقول ان المركز من خلال مرافعته في مجلس الدولة في هذه القضية طالب الحكومة بتقديم بيان بالتبرعات المقدمة لهؤلاء الضحايا لاحتساب الفارق بين قيمتها وقيمة الايجار المطالب به ولم يقدم دفاع الحكومة - علي حد قوله - بيانا بذلك واصدرت المحكمة حكمها ببطلان القرار الاداري. ويشير سعيد عبد الحافظ الخبير الحقوقي ورئيس ملتقي الحوار للتنمية الي ان السلوك الحكومي تجاه الكوارث هو اهم الاسباب التي تعرقل وصول الحقوق لاصحابها نظرا الي انه مجرد رد فعل للكوارث ولا يعقبه نظرة مستقبلية للامور وابرز مثال علي ذلك هو تقليص مدة اعلام الوراثة للتيسير علي ورثة ضحايا العبارة "السلام 98" في الحصول علي مستحقاتهم وهو التعديل الذي لم تفكر الحكومة فيه الا بعد وقوع الكارثة.