كان من الطبيعي أن تسارع هيئة علماء المسلمين في العراق وتهدد بأنها ستعتبر نفسها في حل من قرارات مؤتمر الوفاق الذي عقد في القاهرة تحت رعاية الجامعة العربية في الفترة ما بين 19 و21 من الشهر الماضي، لاسيما مع استمرار العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الأمريكية وقوات الحكومة العراقية حتي الآن، ذلك أن ما ترتكبه أمريكا يجعل منها الإرهابي الأول في العراق وما يجري ليس إلا تصفية جغرافية لاستئصال السنة فالحادث قتل وتمثيل بالضحايا. أي وفاق؟ لم يحصد العراق شيئاً من وراء ما سمي بمؤتمر الوفاق، ولهذا بادرت هيئة علماء المسلمين وحذرت من قبل من الوضع الكارثي في العراق حيث المجازر التي ترتكبها أمريكا في "هيت" من خلال عملية أطلقت عليها القبضة الفولاذية، ومجازر أخري في بعض مناطق بغداد وهجوم واسع النطاق في الرمادي، حذرت الهيئة من أنها ستتخذ ما تراه مناسباً إذا استمرت هذه الأوضاع قائمة، ولما لم تتحرك الجامعة لوقف القتل والاعتقال العشوائي جهرت الهيئة بتهديدها والحق معها. مجازر بالجملة.. لقد ازداد الوضع تأزماً في العراق بعد مؤتمر الوفاق المزعوم، أهوال خطيرة حدثت مع العمليات العسكرية المتعددة ومن خلالها جري قصف المدن والأحياء والمساجد والمدارس وأجبر الأهالي علي الرحيل واعتقل الكثيرون.. صورة مأساوية لا تستقيم معها الدعاية التي سبقت انعقاد مؤتمر الوفاق بوصفه سيضع نهاية للقتل والتصفية والتعذيب، ويرد السؤال وفاق مع من وقوات الحكومة تشارك في المجازر؟ بل إن الحكومة صعدت من جرائمها ولم تف بتعهداتها التي أكدتها خلال مؤتمر الوفاق الذي حضره الطالباني والجعفري! وأد المقاومة هو الهدف.. بدا أن الهدف من عقد المؤتمر هو وأد المقاومة والقضاء عليها وليس إجبار قوات الاحتلال وقوات الحكومة العراقية علي وقف العمليات العسكرية اليومية واستهدافهم للسنة في الأساس ولقد أكد مسار الأحداث بأنه لا مستقبل لمؤتمر الوفاق وأنه بذلك يكون قد انتهي وتم وأده علي يد الاحتلال وأعوانه من ميليشيا النظام غير الشرعي في العراق. الطالباني وشرعية الاحتلال النظام العراقي غير الشرعي هو الذي منح الشرعية للاحتلال وأطلق يده كي تستأصل كل من تري ضرورة في استئصاله بما في ذلك المدنيون الأبرياء، أما المفارقة فلقد عكسها جلال الطالباني الذي وقف سداً منيعاً ضد المس بجنود الاحتلال فرأيناه يصرخ عشية انعقاد مؤتمر الوفاق بأن قتل الجنود الأمريكيين خطأ لأنهم موجودون في العراق بقرار دولي وبموافقة الحكومة الشرعية المنتخبة ثم يردف قائلاً: من الخطأ أن نقول إن هناك احتلالاً أمريكياً للعراق، فالصحيح أنه توجد قوات أجنبية وإذا كنا نتفق في الرأي مع كل المتطلعين لإجلائها إلا أن هذه أمنية تخرج عن نطاق قدراتنا وتحتاج إلي عقلانية في التعامل معها خصوصاً أن هذه القوات جاءت بقرار من الأممالمتحدة ولذا فإن رحيلها يجب أن يكون من خلال المنظمة الدولية..! وهكذا منح "الطالباني" لأمريكا صكاً مفتوحاً للقيام بكل ما تريد تنفيذه ضد الشعب العراقي، وثني الجعفري عليه عندما هاجم فكرة انسحاب قوات الاحتلال بل وأرسل خطاباً للأمم المتحدة يطالب فيه باستمرار تواجدها عاماً آخر!! استعصاء الوفاق.. أدرك الكثيرون سلفاً بأن مؤتمر الوفاق لم يكن ليسفر عن نتائج إيجابية بالنسبة للشعب العراقي، خاصة أن تحرك عمرو موسي جاء متأخراً للجمع بين الأطياف والاثنيات، وعامة ما كان من الممكن التعويل علي المشهد الخارجي والرتوش الذي حاول كل فريق إظهاره خلال انعقاد المؤتمر المذكور، ولا مع ما حاوله عمرو موسي من استخدام أسلوب الملاينة والحيلة ولا مع تظاهر الآخرين بالترحيب والقبول بما هو مطروح، بدا وكأن كل طرف يمارس مبدأ التقية مع الآخر ويظهر خلاف ما يبطن، كان من الصعب علي عمرو موسي الجمع بين كل هذه الأطياف المتعارضة، بدا مستحيلاً تخدير فئة الشيعة الثيوقراطية التي تعتمد علي فتاوي الخوميني، وبدا مستحيلاً تليين عريكة الأكراد مع مالهم من ميول انفصالية وعداء مستحكم للمركز في بغداد ومع طموحاتهم في تأسيس دولة قومية كردية، وبدا من الصعوبة بمكان تغيير مفاهيم العلمانيين ممن يرون في الاحتلال تحقيقاً لمصالحهم. الاحتلال الحاضر الغائب.. كان معروفاً سلفاً أن مبادرة الوفاق التي حركها عمرو موسي بإيعاز من أمريكا وجمع من أجلها الأطياف العراقية لن تنجح لسبب رئيسي وهو أنها لم تأت علي المشكلة الرئيسية وهي الاحتلال الذي تسبب في كل الكوارث التي حلت بالعراق وهو أمر ساعد علي تثبيت ما تردد في حينه من أن إدارة بوش هي التي حركت مبادرة الوفاق وبالتالي غابت مشكلة الاحتلال عن المؤتمر وكأن لا وجود للاحتلال أصلاً رغم أنه هو كل المشكلة وتكفي جرائمه في القتل والإبادة والتخريب والمداهمة والاعتقال ويكفي ما تسبب فيه من فوضي وانفلات أمني، ولكن من ناحية أخري كان الاحتلال هو الحاضر الغائب في مؤتمر الوفاق حيث كان الهدف هو قمع المقاومة وتذويب التناقض بين الفئات العراقية من السنة والشيعة والأكراد لكي يتفرغ الاحتلال بعد ذلك لتنفيذ مهمته الكبري في العراق وهي إبادة شعبه وتدمير بنية الدولة..