باع جحا البيت كله الا مسمارا دقه في الجدار وبحجة هذا المسمار الذي يملكه اصبح يدخل البيت للزيارة ثم يبقي فيه لبعض الوقت الي ان انتهي به الامر مقيما في البيت الذي باعه وقبض ثمنه بحجة المسمار وليس هذا هو الحال مع اسرائيل فغزة ليست بيتها في الاصل لكنها مع ذلك تركت فيها عدة مسامير لهدف مختلف عن هدف جحا الذي كان اعادة الاستيلاء علي البيت. فاسرائيل سعدت علي الارجح بالفعل بالتخلص من غزة الفقيرة المكدسة بالسكان التي كانت تشكل عبئا مكلفا عليها حتي ان شمعون بيريز نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي قال: لا شك في ان بقاءنا في غزة كان خطأ تاريخيا وانا اشعر بالفخر اننا وجدنا في انفسنا القوة لتصحيح هذا الخطأ. ولا اعتقد ان بيريز يقول ذلك فقط في اطار مساعي الحكومة الاسرائيلية لتحسين صورتها امام العالم بل انه يعنيه فعلا علي الرغم من ان بعض المستوطنين قالوا انهم يأملون في العودة للبناء علي الاطلال التي تركوها وربما كان ابراز مثل هذا التصريح في وسائل الاعلام الهدف منه ايضا تضخيم العمل الذي قامت به اسرائيل وهو الانسحاب من غزة أو خطة "فك الارتباط من الصراع مع الفلسطينيين" كما يطلق عليها ارييل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي. تركت اسرائيل عددا من المسامير مثل السيطرة علي المعابر والمجال الجوي والمياه وليس الهدف من هذه المسامير هو العودة بل الهدف الاكبر هو الفوضي هو تأكيد ان الفلسطينيين لا يقدرون علي ادارة دولة وان تكون غزة هذه المنقوصة السيادة والسيطرة والتحكم وكل شيء نموذجا يشاهده العالم لما ستكون عليه الدولة الفلسطينية المأمولة وحتي يكون هذا النموذج سيئا يجب ان تترك فيه المسامير والمشكلات وكل ما يمكن ان يسبب الاضطرابات ويخلف اجواء التوتر. وعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالسيطرة علي الفوضي واحتوائها في غزة قبل انتخابات المجلس التشريعي المقررة في يناير والتي قالت حركة المقاومة الاسلامية (حماس) وغيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية انها ستشارك فيها مما قد يعطيها مجالا للمشاركة في صنع القرار في السنوات المقبلة ورفض عباس مطالب اسرائيل بشأن نزع سلاح الفصائل قائلا ان ذلك قد يشعل حربا اهلية والتزمت الفصائل بوقف لاطلاق النار اتفق عليه عباس مع شارون في فبراير الماضي. ورغم اجواء التفاؤل التي دفعت غسان الخطيب وزير التخطيط الفلسطيني للقول معلقا علي سلوك الفصائل بعد يومين من الانسحاب ان الساعات الثماني والاربعين الماضية كانت امتحانا وانه يعتقد ان الفصائل نجحت في هذا الامتجان الا ان التوترات كانت قد تزايدت في الايام القليلة السابقة علي ذلك بسبب اغتيال اللواء موسي عرفات القائد السابق لقوات الامن وخطف صحفي ايطالي واحتجازه ثم اطلاق سراحه. وهذه الفوضي هي هدف اسرائيل من مسامير جحا التي تركتها وكان آخرها المعابد اليهودية فقد هدم الجنود الاسرائيليون قبل رحيلهم عن غزة المنازل وكل المباني في المستوطنات التي اخلوها الا بعض المباني الحكومية والمعابد اليهودية التي بالتأكيد لا حاجة للفلسطينيين بها وغضب الزعماء الفلسطينيون من قرار حكومة شارون في اللحظة الاخيرة ترك المعابد معللة ذلك بضغوط عليها من جانب الحاخامات الذين يعد تأييدهم مهما بالنسبة لشارون في صراعه للسيطرة علي حزب الليكود قبل الانتخابات العامة المقررة العام المقبل وكأن الحاخامات يجهلون ما سيحدث او يتصورون ان هذه المعابد لها اية جدوي في وجودها في ارض لا يعيش عليها يهود وبالطبع دخلت حشود الشبان الفلسطينيين الفرحين باستعادة اول ارض تخليها اسرائيل من الاراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1967 فوجدوا المعابد واقفة رمزا علي 38 عاما من الاحتلال البغيض فاضرموا فيها النار امام كاميرات العالم واستكمالا لخطة شارون عقد الكنيست جلسة طارئة للتنديد بحرق دور العبادة وهدد المشرعون بان محادثات السلام والمفاوضات بشأن اقامة دولة فلسطينية لا يمكن ان تتم في مثل هذه الاجواء محبطين الآمال المعلقة علي الانسحاب في ان يعجل بتنفيذ خطة خارطة الطريق التي وعدت الفلسطينيين بدولة ذات اركان تمكنها من البقاء لكن مما تبدو عليه الصورة الآن فان مسامير جحا التي تركتها اسرائيل في غزة قد تنجح بالفعل في عرقلة اي تقدم علي صعيد المفاوضات فالهدف الحقيقي هو تضخيم الانسحاب من غزة لتبرير ما تسعي اليه اسرائيل من ان يكون القطاع اول وآخر ما تتخلي عنه اسرائيل من الاراضي الفلسطينية.