لم يكن المخطط الأمريكي الأيديولوجي للحرب بالعراق إلا حرباً علي الإسلام، فلقد اتخذت أمريكا من العراق نقطة انطلاق أولية كي تصبح نموذجاً يسري تطبيقه علي دول أخري في المنطقة، وفي العراق انتهكت إدارة بوش القوانين واطاحت بالاتفاقات الدولية وداست علي ميثاق الأممالمتحدة وللأسف وجدت من يساعدها علي ارتكاب جرائمها النكراء، تواطأ معها الإعلام العالمي في الإعداد لهذه الحرب أما هي فتمادت في الجريمة وتكفي فضائح جرائم الحرب ضد الأسري والمعتقلين في سجن أبو غريب واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً ونهب الكنوز والآثار. الدعم العربي... رغم الفواجع والكوارث تواطأت دول عربية مع إدارة بوش إما بفتح حدودها للانطلاق منها نحو العراق واحتلاله أو بالتزامها الصمت علي ما يحدث وقمعها للحركات المناهضة للحرب، استمرأت الأمة العربية الصمت.. لاذت بالكنف الأمريكي، خرست الألسنة، وبعد مضي أكثر من عامين علي غزو العراق واحتلاله وتدميره لم يحرك العرب ساكناً، ولما كان السكوت معناه الرضا فلقد شجع الصمت العربي أمريكا علي التمادي في الجريمة ونفذت قواتها في العراق عمليات عسكرية استباحت خلالها قصف المنازل بالطائرات وتسويتها بالأرض ومداهمة الدور وقتل النساء والأطفال، فرأينا عمليات "الماتادور" و"البرق" و"الرمح" و"الخنجر" وكيف دمرت مدينة "الكرابلة" مثلما دمرت من قبل النجف والفلوجة. زيارة رايس... وسط المعمعة وجرائم الاحتلال حلت رايس بالمنطقة في الفترة ما بين (18-21) من الشهر الحالي لتتوجه بعدها إلي بروكسل حيث عقد مؤتمر دولي حول العراق ثم لندن لحضور مؤتمر مجموعة الثماني الخميس الماضي، زيارة رايس للمنطقة جاءت في الأساس لتصب في صالح الأجندة الأمريكية، فزيارة الأردن ومصر والسعودية والتي جاءت عشية مرور عام علي نقل السيادة إلي العراقيين هدفت إلي الحصول علي دعم بقاء القوات الأمريكية في العراق، وبالتالي استخدمت "رايس" ورقة الإصلاح كورقة مساومة كي تتمكن من الحصول عما تريده من الدول الثلاث لاسيما في هذا التوقيت الذي تفاقم فيه الوضع بالنسبة للقوات الأمريكية. الأجندة الإسرائيلية.. أما الهدف الآخر من الزيارة فهو خدمة الأجندة الإسرائيلية، فوسط المعمعة وجرائم الاحتلال حلت رايس بالأراضي الفلسطينية لتطالب السلطة بالقضاء علي الإرهاب والحفاظ علي الأمن من أجل تأمين انسحاب إسرائيلي من غزة، ولم تضغط علي إسرائيل في المقابل لتنفيذ التزاماتها، بل وغضت الطرف كلية عن خرق إسرائيل للتهدئة واستئناف مسلسل الاغتيالات والتوسع في الاستيطان وسياسة الإغلاقات والحصار! الاستراتيجية الأمريكية ولاشك أن أمريكا ازدادت جرأتها حدة وساعدها علي ذلك عجز المنظمة الدولية عن وقف توغلها ومنع الحرب اللاشرعية التي اشعلتها ضد العراق وهو ما أقر به كوفي عنان وما أكده المدعي العام البريطاني السير "ديفيد جولدسميث"، فلقد كانت الحرب ضد العراق انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية واسقاطاً للمسئولية الأخلاقية لميثاق الأممالمتحدة، ورغم ذلك تغاضت إدارة بوش عن جرائمها في العراق وألقت بالتبعة في الأحداث اليومية التي تجري علي أرض الرشيد علي الأصولية الإسلامية أو ما تطلق عليه الإرهاب، ولهذا تبنت استراتيجية تعتمد في وأد هذا الإرهاب علي تغيير المجتمعات الإسلامية وتحويلها إلي ديموقراطية علمانية، وهذا ما أرادت إدارة بوش تطبيقه في العراق أولاً كنموذج تطمح إلي تعميمه بعد ذلك ليشمل دول المنطقة. المأزق الأمريكي.. وتتبني أمريكا نفس المنطق الإسرائيلي، فهي في كل عملياتها تريد استئصال المقاومة وتنسي أن الاحتلال هو الذي ولد المقاومة، فاجتياح إسرائيل لجنوب لبنان سنة 1982 هو الذي أفرز المقاومة ممثلة في حزب الله واحتلالها للأراضي الفلسطينية هو الذي ولد المقاومة التي ترعرعت في ظل ممارسات الاحتلال والزيادة الكبيرة في أعداد المستوطنين علي الأرض الفلسطينية، وكذلك فان احتلال أمريكا للأراضي العراقية وترسيخ أقدامها هناك هو الذي ولد المقاومة، ولاشك أن إدارة بوش تعيش اليوم مأزقاً كبيراً في أرض الرشيد التي تحولت إلي مستنقع، ورغم ذلك تصر علي ترسيخ أقدامها وترفض تحديد جدول زمني لسحب قواتها من العراق بدعوي أن ذلك سيصب إيجاباً في صالح المسلحين ويخدم أهدافهم وهو ما لاتريد أمريكا تحقيقه لهم، تصر أمريكا علي البقاء في العراق رغم الخسائر البشرية والمادية التي تمني بها ورغم انخفاض شعبية بوش التي وصلت إلي أقل من 42% ورغم حملات 128 عضواً في مجلس النواب ممن طالبوا بوش بالانسحاب من العراق ورغم شعور الرأي العام في أمريكا الذي يستعر ضد التواجد في أرض غدت أشبه بمستنقع لأمريكا العظمي بفضل غباء ساستها من المحافظين الجدد.