إشارات الخطر تستجيب القوي الديمقراطية - بالقطعة - لتوجه قوي الإسلام السياسي التي حصلت علي الأغلبية في مجلسي الشعب والشوري للانفراد بتشكيل اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور. فقد رفض حزب التجمع - من البداية- القسمة الظالمة التي وضعتها الأغلبية البرلمانية لتشكيل اللجنة. وبعد أيام وعبر التجربة الواقعية انسحبت أحزاب المصري الديمقراطي الاجتماعي والتحالف الشعبي الاشتراكي وممثلو كتلة الثورة مستمرة وحزب العدل ورفضوا المشاركة في التصويت داخل مجلسي الشعب والشوري علي تشكيل الجمعية التأسيسية ، كما أعلن ممثلو جبهة الإبداع رفضهم المشاركة في اللجنة ودعوا إلي تنظيم مؤتمر عام تحت عنوان «دستور لكل المصريين» رغم أنه كانت هناك معلومات عن اختيار بعض أعضاء الجبهة كأفراد- للمشاركة في الجمعية. ونظمت ثلاثة وعشرين مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني لقاء حددت فيه موقفها الرافض لمعايير تشكيل الجمعية ووضعت هي مجموعة من المعايير التي توافقت عليها، وهو ما فعلته المنظمة المصرية لحقوق الإنسان التي استخلصت من كل المعايير المطروحة علي الساحة أهمها وأكثرها موضوعية وشمولا ورفعت شعار «دستور يكتبه الشعب»، وحول عدد من الفقهاء والمحامين دعاوي أمام القضاء يطعنون علي دستورية تشكيل الجمعية بالطريقة التي أقرها نواب الإسلام السياسي. ولكن تمت كل هذه الفعاليات بصور منفردة ومتفرقة ففشلت في أن تعكس حجم الصدمة التي تشعر بها القوي الديمقراطية والتي ذهبت بعضها إلي حد الشعور بالإحباط إزاء عملية سرقة الثورة جهارا نهارا من قبل تيار الإسلام السياسي الذي ثبت أنه لم يلتحق بالثورة إلا بعد أن لاحت بشائر انتصارها فتقدم ليقطف ثمرتها الأولي الناضجة بما له من أموال طائلة وقدرات تنظيمية كبيرة. لعل أهم ما تحتاج إليه المرحلة الراهنة من الاستقطاب الحاد بين الإسلام السياسي من جهة والقوي الديمقراطية من جهة أخري هو العمل المشترك الجدي بين الديمقراطتيين حول مجموعة من القضايا الرئيسية أولها الحريات العامة المهددة بقوة حيث تترقب بعض الأطراف مرحلة كتابة الدستور لتصادر فيه علي هذه الحريات باسم الدين، من حرية التعبير للتنظيم للاعتقاد لحرمة الحياة الشخصية واختيار نمط الحياة. وفي إحدي فترات القمع الأسود قال الشاعر والكاتب الراحل «عبد الرحمن الخميسي» لقد انشغلت بادفاع عن قيثارتي أكثر مما عزفت ألحاني، وهو ما يقوله الآن المبدعون الذين سارع عدد منهم بتشكيل جبهة الإبداع حتي يحصنوا الحريات العامة والشخصية في الدستور الجديد، ولا يمكنوا الإسلام السياسي من مصادرتها بعد أن عاينوا التجارب المريرة التي حدثت في البلدان التي وصل فيها الإسلام السياسي إلي السلطة من إيران إلي باكستان، ومن تجربة طالبان إلي السودان وفوق ذلك كله السعودية التي هي المنبع المعتقدي الرئيسي للوهابية بتزمتها وبدويتها وضيق رؤيتها للعالم ولطبيعة الصراع فيه ومخاصمتها للعصر والسير علي العكس في اتجاهه. أما المسألة الثانية فهي علاقة الدين بالدولة وضرورة حشد الجهود للحيولة دون إقامة دولة دينية «ففي الدولة الدينية نحن نحتكم لما نختلف حوله من الأصل كالدين أوالعرق ونقدمه علي الرابطة الوطنية المشتركة» كما يقول أحمد عبد المعطي حجازي. الذي أضاف إن المواد التي تحدد دينا للدولة أو تجعل الشرائع الدينية مصدرا للقوانين هي مواد غير دستورية لأن الدستور تعبير عما نتفق حوله وليس عما نختلف فيه» ونتذكر الآن ذلك الشعار الذي أطلقه بعض دعاة الإسلام السياسي عن «غزوة الصناديق» حين تحول الاستفتاء علي التعديلات الدستورية - غير الشرعية- قبل عام إلي معركة مفتعلة عنوانها الإيمان مع أن القضية الأساسية كانت يتعلق بالشرعية وباختياراتنا لطرق تسيير حياتنا السياسية وعلاقاتنا الاجتماعية وإدارة اقتصادنا ووضع أسس للعدالة الاجتماعية. غالب الظن أن الإسلاميين سوف ينجحون في صياغة دستور علي مقاسهم ووفقا لأفكارهم وتطلعاتهم حول إقامة دولة دينية يحكمها بيت المال والزكاة بديلا عن الضرائب، والعرف بديلا عن القانون. وسوف تبتعد هذه الدولة مسافات عن قيم الحداثة والديمقراطية والعدالة ولكن إلي حين. ذلك أن معركة كبري سوف تنشب في المستقبل القريب ولن يكون شكل الدولة فحسب هو موضوعها وإنما مجمل الخيارات السياسية الاقتصادية الاجتماعية لما يسمونه «النظام الإسلامي» والاقتصاد الإسلامي.