هل تنحصر مشاكل التعليم في منع الخلوة بين المدرسين والمدرسات؟ جاء تعليق وزير التربية والتعليم جمال العربي علي مشروع خطة الإخوان لتعديل المناهج الدراسية، بقوله :"إذا كان الإخوان هم الحزب الحاكم فهل يملك الوزير أن يعارضهم" وأعلن أنه "يرحب بأي مشاريع تسعي لاستكمال ما بدأته الوزارة في عمليات التطوير" ، وأنه لا يوجد لديه "أي تخوفات من بصمة التيارات الإسلامية علي المناهج" ، معربا عن " توقعاته بأن أي تغيير تحدثه تلك التيارات لن يتجاوز اعتبار مادة التربية الدينية مادة أساسية" ، والسؤال هنا هو : هل هكذا ينظر وزير التربية والتعليم إلي التعليم ؟ في الحقيقة تعد تصريحات السيد الوزير التي نشرتها الصحف بتاريخ 28 يناير 2012(جريدة التحرير) صدمة غير عادية ، لأن التعليم مؤسسة قومية واستراتيجية دولة وله أهداف كبري ليست مرتبطة بوجود هذا الحزب الحاكم أو ذاك ، لكن حتي هذا التاريخ كانت التسريبات حول خطة الإخوان لتطوير التعليم مجرد عبارات غامضة ، إلي أن تقدم السيد محمد محمود مسئول ملف المعلمين بالجماعة بالكشف في بعض صحف 10 مارس 2012 (الشروق القاهرية) عن عدد من بنود المشروع الذي يعده الإخوان لتطوير التعليم ، فماذا كانت أهم هذه البنود ؟ يتضمن مشروع الإخوان إضافة مادة التربية الدينية ضمن المجموع في المرحلة الابتدائية والاعدادية ، والإبقاء عليها كمادة نجاح ورسوب فقط في التعليم الثانوي العام ، وأكد المشروع علي إجراء بعض التعديلات علي منهج التربية الدينية المسيحية (!) علي ان يترك للمتخصصين من الكنيسة مثل هذه التعديلات . ويري مشروع الإخوان ضرورة توزيع الإخصائيين الاجتماعيين والنفسيين الإناث علي مدارس البنات والذكور علي مدارس البنين وكذلك مشرفي الرحلات ، أما بالنسبة للمدارس المختلطة بين البنين والبنات لم يمانع المشروع من استمرار وجودها مع إعادة الالتزام بالزي للفتيات أن يكون فضفاضاً مع ضرورة وضع غطاء للرأس وإن كان لا يشترط أن يكون نقاباً أو خماراً ، واهتم المشروع بان تكون هناك دورات مياه للطالبات وأخري للبنين في المدارس المشتركة (وهل هي غير ذلك الآن ؟) ويهتم مشروع الإخوان بضرورة تخصيص غرف خاصة بالمدرسات وأخري منفصلة للمدرسين الذكور ، وإن لم يكن ذلك ممكناً ضرورة توفير غرفتين لمراعاة عدم وجود الخلوة بين المدرسين والمدرسات (!) ولا يرفض مشروع الإخوان تدريس الموسيقي في جميع المدارس ، لكن مع مراعاة أن لا تخالف الأناشيد القيم الأخلاقية ، ويضع مشروع الإخوان شروطاً ومعايير لاختيار المعلمين أهمها عدم مخالفة المعلم للأخلاقيات العامة ، وضرورة مراعاة الضوابط الشرعية مثل عدم الاختلاء بين المعلم والطالبة أو المعلم والمعلمة أو الطالب والمعلمة (!) ولا يمانع مشروع الإخوان وفقاً لتصريحات السيد محمد محمود من ان يعطي المدرس الذكر مجموعات تقوية للطالبات ، بشرط أن يكون هناك عدد من الفتيات معاً مع مراعاة اللياقة في التعامل بين المعلم والطالبات والعكس . وبعيداً عن سيطرة الهاجس الأخلاقي والعلاقة بين الذكور والإناث علي تصريحات مسئول ملف المعلمين في جماعة الإخوان نجده يصرح بأن مشروع الإخوان يدرس مسألة عقد اختبار قدرات للطلاب الحاصلين علي الثانوية العامة عند رغبتهم في الالتحاق بأي كلية لمعرفة مدي قدراته ، فهل معني ذلك إلغاء مكاتب التنسيق وشرط المجموع واستخدام مسألة امتحانات القدرات لتقليص أعداد الملتحقين بالتعليم الجامعي كما كان يفعل وزراء عصر مبارك؟ والحقيقة أن تصريحات مسئول الإخوان حول التعليم التي ظهرت في الصحف فضلاً عن سطوة الهاجس الأخلاقي الشكلي عليها تعمد إلي تغييب الهدف الجوهري للتعليم ، والذي هو صناعة قواعد انطلاق الأمة نحو المستقبل ، فالتعليم في حقيقته وجوهره هو الصناعة الثقيلة لإنتاج قادة الأمم وإنتاج مستقبلها ، ووفقا لهؤلاء القادة يتحدد حاضر ومستقبل أي أمة ، فقد ينتج التعليم قادة وعلماء يحملون أمتهم نحو المستقبل والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي والعلمي عبر عمليات تحديث الفكر والمجتمع والدولة ، وقد يخلق قادة يشدون أمتهم نحو الماضي بدعوي العودة إلي السلف الصالح وأقوالهم وأفعالهم وعصرهم ، أو بدعوي الخوف من الشيطان الذي يقف بين الطلاب في الفصول والمدرسين والمدرسات في حجرات استراحة المدرسين بين الحصص أو ربما في حصص الموسيقي والألعاب وفي فناء المدرسة ، وكلها أمور تغفل عن جوهر التعليم وأهدافه العامة ، وتغفل عن مشاكل التعليم الرئيسية.