المناضل المجهول " فلتجتمع كل الصفوف لحماية انتفاضة 24 يناير العظيمة . ولتستمر مسيرة طلابنا الشرفاء نحو تحقيق غاياتها النبيلة، ولنقطع كل الأيادي الخائنة بوحدتنا جميعا وتكاتفنا في مواجهتها . " ليس رقم 24 خطأ مطبعياً . الإشارة هنا إلي 24 يناير عام 1972 . خط ( .... ) هذا النداء الأحد 15 اكتوبر 1972 في العدد الأول لمجلة الحائط (24 يناير) باللون الأحمر علي صفحة تنوعت فيها الألوان ما بين البني والأزرق والأسود . كان الإمضاء الشعار للمقال البيان مكتوبا باللون الأزرق : كل الديمقراطية للشعب، كل التفاني للوطن، وعاشت حركة الطلاب الوطنية. كانت أحداث اكتوبر ونوفمبر امتدادا لانتفاضة الطلاب التي قامت في يناير من العام نفسه أو العام الدراسي السابق. قامت في ذات الشهر الولود وأعقبها 18 و19 يناير من عام 1977 والتي انفجر نطاقها خارج الجامعة، وصولا بعد أربعة عقود إلي قلب مصر النابض في ميادينها في 25 يناير 2011 . ليس لدي أدني فكرة عما كان يجول بذهن صديقي الكبير حسين عبد الرازق عندما فتح أمامي حقيبة بنية مستطيلة، أظنها بجيبين وقفلين عن يمين ويسار، ومن ذلك الطراز القديم خشن الجلد بعض الشيء وبيد جلدية صغيرة، والتي كشف عنها جرد لمحتويات بيت الأخت الراحلة، وأسلمني "كراسة " مجلدة بذلك الورق الرملي ذي الخطوط العرضية الدقيقة "منه فيه" .تضم أوراقاً متناثرة من يوميات ومخطوطات الحركة الطلابية من اكتوبر ونوفمبر1972 . كنت قد أقلعت عن الكتابة ولازمني الصمت منذ أول مارس من العام الماضي، إذ تلبد الوقت بقدر عظيم من التناقضات، وتضببت الرؤية في حين مصير أمة يتلاطم في عصف المؤامرات والمقايضات . تتناوب الوطن نوات وكلما أفقنا من واحدة تقاذفتنا أخري . لاقت الكراسة القديمة في نفسي قبولا وإقبالا، وصادفت هوي، إذ مست ميلاً حائراً يحن إلي الاستذكار والتذاكر . فبعد ما جمدنا الزمان والمكان لعقود خلت ما أحوجنا اليوم إلي سياحة في أرجاء الوطن وأرجاء تاريخه . ما أشوقنا لاحتضانه، وأن نتواضع له . أجمل ما فيها - الكراسة - أنها مجهلة . مايفرقها عن كراسات الدراسة أن ليس ملصقا عليها اسم أو سنة دراسية، ومعظم أوراقها غير ممهورة بتوقيع إلا ما جاء اسما مفردا علي استحياء. اختلفت الخطوط أو كان خطا يختلف باختلاف المتن ما بين مسودة ونهائي، وبتنوع الأقلام مابين رصاص وجاف وحبر وألوان مائية، حتي الورق فقد تضم الكراسة نوعا أسمك غير مسطور أو وريقات كالشرائح لقصيدة أو بعض رسم . ساهم هذا التنوع والتعدد البريء من التوقيع، هذا الكولاج الوطني العفوي، بالإضافة لما سجلته الصفحات من وقائع ويوميات ليقظة الحركة الطلابية ممثلة في تجربة كلية الهندسة بجامعة القاهرة، وبما تعكسه لغة من كتب عمقا و استيعابا في مقتبل العمر، ساهم جميع هذا في تسلل وتشكل عنوان تلك الكلمات التي أكتبها علي استحياء أيضا . تبلور مفهوم المناضل المجهول، أقدس مافي النضال وأعزه، كما تطل روح الجندي المجهول، أشرف ما في حروب الكرامة والدفاع عن الوطن . لاغرابة إذن أن تحلقت المطالب الديمقراطية "المغدور بها" آنذاك أيضا (!) حول تحرير الأرض في دفع شعبي عارم لإنجاز العبور عام 73، وفي ظل توهج نشاط ( أنصار الثورة الفلسطينية ) . زاد المناضل الثائر استخفاء حييا بإعلام مِلك أيمان السلطة الحاكمة. مفتتح الكراسة تقرير تسجيلي بعنوان "حول أحداث الاسبوع الدامي السبت 28 أكتوبر - الخميس 2 نوفمبر . الحركة الوطنية الطلابية تكسب جولة جديدة . فرغت من قراءة عشر صفحات بالقلم الرصاص مسطورة بدقة الخط الجميل وميزانه ومرقمة بعرض الصفحتين كأنها أفرخ مجلة الحائط ، فرغت منها فإذ بي أمام تجربة كان لابد أن توزع علي عموم الشعب المصري كثقافة مقاومة ووعي بحيل ومسارات الانظمة القمعية في حصار مطالب التحرير والديمقراطية وإطفاء جذوة النضال التقدمي . كانت قراءتها كفيلة بحل كثير من الألغاز والمتاهات التي ما كان لأحد أن يتصور أن تمارس علي نطاق شعب بأكمله ونخب ناضجة وإعلام مفتوح علي مصراعيه . ويكفي الإشارة إلي رصدهم لأساليب العنف الرجعي وآليات حصار وتبديد النضال الثوري وصولا إلي البند الخامس : " تشويه صورة الطلاب الوطنية أمام زملائهم وأمام كل الذين ساندوا حركتهم وتفتيت الجبهة المجتمعة حولهم والمساندة لنضالهم بإظهارهم كمثيري شغب لا كأصحاب قضية ومبدأ يدافعون عنهما ." وبخط عجول، علي ورق شفاف، ينبض بالحاجة الملحة لإبانة الفرق بين الثائر والفوضوي : " فبينما يري الفوضوي في الإرهاب الفردي الوسيلة المثلي المتاحة لتغيير المجتمع والانتقام لآلام الناس ومآسيها من مضطهديها ، نجد أن الثائر يرفض هذا الاسلوب ... ويستبدله بالعمل الحقيقي المنظم والواعي وسط الجموع لتثويرها وربطها بقضيتها ربطا محكما يؤدي في النهاية عبر العديد من التغييرات الكمية إلي تغيير كيفي في بنية المجتمع يحقق العدالة المنشودة . "