من الطبيعي أن يطالب الكثيرون بإعادة النظر في قضية ضرورة أن تتشكل المجالس النيابية بنسبة 50% للفلاحين والعمال، بعد أن تحول الموضوع إلي «نصب» انتخابي.. وخاصة في العقود الأربعة الأخيرة- وامتلاء هذه المجالس البرلمانية بالكثيرين من اللواءات وكبار التجار وناهبي حقوق الشعب، تحت مظلته. أما الذي ليس طبيعيا أو مقبولا، بل استفزازيا واساءة للأدب وجهلا بالتاريخ، هو ما خرج علينا به أحد الذين اسموا أنفسهم- علي غير حق اكاديمي أو واقعي - «خبراء استراتيجيين» . حيث قال - فض فوه- مبررا دعوته لإلغاء هذه النسبة.. «هل يستطيع فلاح جاهل أن يدرك مصالح الوطن وأن يقرر مصيره»؟! وحتي ندرك من هو «الجاهل» الحقيقي، نحيل هذا «الاستراتيجي» المزعوم، إلي لحظات فارقة من تاريخ مصر: عندما غزا الهكسوس أرض مصر منذ آلاف السنين، لم يقرر «أحمس» أن يقاومهم ويحاربهم إلا بعد أن نشر بعضا من رجاله في أرجاء مصر، وعادوا إليه مؤكدين أن فلاحي مصر كلهم يطالبونه بالمقاومة التي سيكونون- هم- صناعها والمضحين في سبيلها. عندما قامت الثورة العرابية، كان الفلاحون هم رجالها، وعندما خان بعض كبار ملاك الأراضي الثورة والوطن، قام الفلاحون بحماية عبد الله النديم داعية الثورة- وتحملوا في سبيل ذلك الكثير- أملا في تواصلها. بهرت القيادات العسكرية والسياسية البريطانية - إبان ثورة 1919- من المقاومة الباسلة التي قام بها فلاحو مصر، ومن تضحياتهم غير المسبوقة التي وصلت- وفق تقارير مجلس العموم- إلي استشهاد أكثر من ألف فلاح في أسبوع واحد من شهر مارس في ذلك العام. عبر أحمد سليم (مع تشديد الباء) العامل الزراعي- في سيرته الذاتية - عن وجدان فلاحي مصر بقوله: «عندما وقع العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956، نسينا فقرنا ونسينا حتي أن مباحث النظام كانت تضربنا وتحبسنا عندما نحاول أن نشكل - وفق قانون الإصلاح الزراعي - نقاباتنا، ولم يكن في ذهننا إلا حماية مصر، وهرعنا إلي بورسعيد. هذا هو الفلاح الجاهل الذي مهد بنضاله المتواصل ضد الناظم التابع والفاسد للمخلوع لقيام ثورة 25 يناير الباسلة وسيواصل نضاله حتي تتحقق كل مستهدفاتها النبيلة.