في عيد القيامة القدس تتحول إلي ثكنة عسكرية المطران «عطا الله حنا» رئيس أساقفة الروم الأرثوذكس ذو تاريخ وطني ممتد مما سبب له العديد من المشاكل حيث تعرض للاعتقال علي يد قوات الاحتلال في سجن «المسكوبية» وتم تحديد إقامته ومنعه من السفر لمدة خمسة أعوام، واتهمته وسائل الإعلام الصهيونية بالعنصرية علي الرغم لدفاعه عن حقوق الإنسان فهو الذي أعلن أن «التطاول علي رموز دينية إسلامية هو تطاول علينا جميعا». تضامن مع سكان غزة في نضالهم، واعتصم مع المعتصمين في كنيسة القيامة ورفض مقابلة الرئيس الأمريكي چورچ بوش عند زيارته الأخيرة للأراضي المحتلة، حمل صليب القضية الفلسطينة إلي المحافل التي يذهب إليها. المطران عطا الله حنا في حواره ل «الأهالي» أكد أن القدس تتحول إلي ثكنة عسكرية إسرائيلية في كل عام في عيد القيامة الأمر الذي يعوق حركة الحجاج الذين يتعرضون للضرب في بعض الأحيان.. وأشياء أخري تعرفها عبر سطور الحوار التالي: ثكنة عسكرية بداية في ظل الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة التي هددت المسجد الأقصي وكنيسة القيامة كيف سيتم الاحتفال بالعيد هذا العام؟! - تعيش مدينة القدس حالة غير طبيعية، فالاحتلال الإسرائيلي هو وضع غير طبيعي وغير صحي، ويخطئ من يظن أن الاحتلال يستهدف المقدسات الإسلامية فقط، والمسجد الأقصي فقط، فالاحتلال الإسرائيلي يستهدف أيضاً المسيحيين ويستهدف مقدساتهم وأوقافهم، ولذلك فإنه في كل عام تتحول القدس إلي ثكنة عسكرية إسرائيلية يحاصرها الجنود والشرطة من كل الجهات وعلي كل بواباتها ويعرقلون تحرك الحجاج القادمين من كل أرجاء العالم لكي يصلوا إلي مدينة القدس، ويحرمونهم من الوصول إلي كنيسة القيامة يوم سبت النور ويوم عيد القيامة تحت ذريعة الأمن في حين أن هؤلاء الحجاج لم يأتوا من أجل هدف آخري سوي أن يتباركوا بالصلاة والسجود في المدينة المقدسة التي عاش فيها السيد المسيح ومشي علي أرضها وقدم فيها ما قدمه للإنسانية بما فيها حدث القيامة العظيم. ونحن ندين السياسة الإسرائيلية والاحتلال الإسرائيلي في القدس والحجاج الذين يأتون بعشرات الآلاف أو مئات الآلاف يرون بأنفسهم ويكتشفون المعاناة التي نعاني منها في الإجراءات التعسفية الإسرائيلية، بالإضافة إلي أن هؤلاء الحجاج يتعرضون للضرب والمنع من الوصول إلي كنيسة القيامة، وهذا يتم مع كل المصلين سواء كانوا عرباً أم فلسطينيين أو حتي أجانب أو زواراً عاديين. جذور واحدة نيافتكم ، أسقف للروم الأرثوذكس في القدس، فهل هناك اختلافات بين احتفال الروم الأرثوذكس واحتفال الأقباط الأرثوذكس بهذا العيد؟ - نحن كنيسة لها جذور واحدة، وحتي إن اختلفت المسميات إلا أننا لنا جذور إيمانية واحدة، وجذور رسولية واحدة، والعلاقة بين كنيسة الروم الأرثوذكس وكنيسة الأقباط الأرثوذكس هي علاقة أخوية وأكثر، وقد تجاوزنا هذه المرحلة التي كان فيها نوع من الخلاف ونوع من السجال والكلام الذي لا يليق أن يخرج من الدين. والفضل في ذلك يعود إلي القيادة الدينية الحكيمة الموجودة في كنيسة الأقباط الأرثوذكس وكنيسة الروم الأرثوذكس ، فالبابا شنودة الثالث هو شخصية مميزة بتواضعها وروحانيتها وإنسانيتها ، وأنا لا يمكنني أن أجد الكلمات المناسبة لكي أعبر عن المحبة والاحترام الذي أكنه لشخصه الكبير ، وهذه الشخصية الدينية المتميزة، ونحن في عيد القيامة نلتقي ونتبادل التهاني والأمنيات ونسعي لكي نكون أسرة واحدة في هذا العيد. ما هو وضع الكنيسة القبطية المصرية في القدس، وسط الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة؟ - الكنيسة القبطية بألف خير، ومطرانها شخص عزيز علي قلوبنا ونحترمه كثيراً وهو صديق شخصي لي، وهو نيافة «الأنبا آبراهام» المعروف بتواضعه وحنكته هو وعدد من رجال الدين الأرثوذكس ملتزمون ومحبون للكنيسة وينتمون إلي المقدسات والأرض وما إلي ذلك. فالكنيسة القبطية في وضع جيد ولكن لا يمكنني أن أتجاهل ما حدث قبل سنوات في دير السلطان، حيث قدمت السلطات الإسرائليية هذا الدير إلي جهة أخري مسيحية ولكن لا يحق لها أن تملك ما ليس لها ، وأنا اعتقد أن دير السلطان هو ملك للكنيسة القبطية، وأظن أن هذا القرار الذي اتخذ إنما هو خطوة انتقامية وهي كنيسة وطنية ، خاصة أن قداسة الباب شنودة له مواقف مشرفة تجاه القدس والقضية الفلسطينية ، ويبدو أنهم يريدون الابتزاز والانتقام من هذه الكنيسة التي وقفت خلال عشرات السنين إلي جانب الحق العربي الفلسطيني، وكذلك ينتقمون من بقية الكنائس التي لها مواقف وطنية تجاه القدس. هل هذا يعتبر رداً علي قرار البابا شنودة بمنع الحجاج المسيحيين المصريين بزيارة القدس بتأشيرة إسرائيلية؟ بمعني أنها تصفية حسابات؟ - إن المسألة لا يمكن اختزالها في منع الحجاج المصريين، ليس هذا هوالموضوع الأساسي، وإنما في الأساس هناك اختلاف صهيوني في مدينة القدس وهناك موقف إنساني مسيحي إسلامي، يقول كيف لنا أن ندخل القدس بتأشيرة إسرائيلية، وهذا الموقف في الحقيقة يشار إليه بالبنان من ناحية قداسة الباب شنودة، وهو موقف أصيل نشكره عليه. ونحن إن كنا نرحب بكل زائر في مدينة القدس ونستقبله ونفتح الكنائس والمزارات، لكن في نفس الوقت نحيي الموقف الذي صدر عن البابا شنودة وغيره من المطارنة ورجال الدين المسيحي العرب مثل البطريرك إغناطبوس الرابع في الشام ومثل مطران لبنان الذين يرفضون زيارة القدس في ظل الاحتلال الإسرائيلي. النور المقدس نعود إلي احتفالات عيد القيامة ، ودعني أسألك بصراحة هل النور المقدس مازال يخرج من القبر ليلة عيد القيامة؟؟ - نعم النور المقدس يخرج من القبر المقدس في احتفال كبير تتميز به كنيسة القيامة بالقدس، ويرأس هذا الاحتفال غبطة بطريرك الروم الأرثوذكس بمشاركة المطارنة والكهنة، ويوزع هذا النور - عن طريق الشموع - علي جميع الكنائس - الكنيسة الأرمنية والقبطية والسريانية وعلي كل المؤمنين الذين يأتون من كل أرجاء العالم، وهذا النور هو نور مقدس لأنه يخرج من القبر المقدس من المكان الذي نعتقد ونؤمن أن المسيح كان مدفوناً فيه لثلاثة أيام وفي اليوم الثالث قام منتصراً علي الموت ومنتصراً علي جلاديه وقاهريه. وما هو ردكم علي المشككين في هذا النور؟ - طبعاً هناك مشككون أيضا في الدين وفي العقيدة، ليس فقط في مسألة النور، فهناك من يشككون في وجود الله وفي الديانات كلها وقيمها وما إلي ذلك ، ونحن ندعو لهؤلاء المشككين بالهداية ونصلي من أجلهم ، فديانتنا لا تحثنا علي أن نغضب أو نستعمل تعبيرات غير مناسبة تجاههم، ولكننا نصلي إلي الله لكي يهديهم إلي الطريق المستقيم ولكي يكتشفوا النور الحقيقي وهو نور الإيمان. في ظل الهجرة التي ألمت بالمسيحيين من القدس، بصراحة شديدة، إلا ينتابك الخوف أن يأتي يوم تكون فيه القدس (مدينة المسيح) بدون مسيحيين؟ المسيحيون في القدس هم عشرة آلاف نسمة فقط، وذلك بسبب الهجرة التي ألمت بالمسيحيين عام 1948 عام النكبة و1967 عام النكسة ، وما أكثر النكبات والنكسات التي أحلت بشعبنا الفلسطيني والتي يدفع ثمنها كل هذا الشعب مسلمين ومسيحيين، ولكن يبدو أن آثار هذه الهجرة حلت بالمسيحيين أكثر من المسلمين، ولكن هذه خسارة كبيرة لكل الشعب الفلسطيني لأن وجودهم هو إثراء للقضية الفلسطينية وإثراء للنشاط الوطني الهادف لتحرير القدس وتحرير المقدسات. وفي الحقيقة أنا أخاف من اليوم الذي يمكن أن تكون فيه القدس بدون مسيحيين ، ولكني أعتقد أن الله قادر علي كل شيء والله هو الذي يحرس أرضه وشعبه وكنيسته ولكننا في نفس الوقت ندعو المسيحيين بالصمود والبقاء، ونتمني من الذين سافروا والذين ابتعدوا عن أرضهم لأي سبب أن يعودوا إلي وطنهم، وإن كانت الإجراءات الأمنية تمنع ذلك ، فأنا أعتقد أن الإنسان سواء كان مسيحياً أو مسلماً يجب أن يضحي تجاه الوطن ، فكيف يمكن أن نتحدث عن محبة بدون تضحية!! فيجب أن يقفوا إلي جانب هذه الأرض المقدسة. كنيسة مشرقية أكدتم أكثر من مرة أن المسيحيين في القدس وفي العالم العربي جزء من المجتمع العربي وليس من مخلفات الحروب الصليبية . ما السبب في هذا التأكيد؟؟ - الإنسان ضعيف بطبيعته وقد ينسي ، ولذلك فهو يحتاح إلي تذكيره ببعض الحقائق التاريخية ، وبالتالي نحن كمسيحيين مشرقيين علينا أن نذكر من يجب أن يعرفوا بأننا أصليون في هذه البلاد وجزء من تاريخها وهويتها وأصالتها، فنحن لم يتم استيرادنا من أي مكان في العالم ، نحن هنا ولدنا وهنا نعيش وهنا سنموت، كنيستنا تأسست هنا والمسيح ولد عندنا والإنجيل كتب عندنا، وكنيستنا هي كنيسة مشرقية وديانتنا هي ديانة مشرقية، وانطلقت من عندنا إلي مشارق الشمس ومغاربها، هذا القول نؤكده ونصر علي تكراره في كل مناسبة. ألقيت كلمة قبل ذلك عن أحداث نجع حمادي - في مصر - أدنتم فيها الأحداث وبعض القيت الاجتماعية السائدة في البلاد العربية، كيف تري العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في البلاد العربية ومصر تحديداً؟؟ - أنا من أولئك الذين يعتقدون أن المسلمين والمسيحيين في بلاد العرب وفي مصر يعيشون جنباً إلي جنب منذ قرون وهم ملزمون بأن يجدوا الطريقة المناسبة للعيش المشترك والتفاعل في هذا الوطن العربي الكبير الذي نعيش فيه وننتمي إليه، وأنا لا أنكر أن هناك اختلافات عقائدية ودينية بين المسحيين والمسلمين ولكن نحن موجودون هنا ولنا قواسم مشتركة حيث نؤمن بإله واحد خالق السماء والأرض وهناك قيم عربية أخلاقية ووطنية وثقافية مشتركة وهناك قضية القدس التي يجب أن توحدنا جميعاً. وما حدث في مصر أزعجنا كثيراً وهو يحتاج إلي وقفة جادة من كل رجال الدين العقلاء المسلمين والمسيحيين لتفادي هذه المظاهر مستقبلاً لأنه لا يجوز التعدي علي المسيحيين أو المسلمين أو المقدسات المسيحية والإسلامية، فنحن نعيش معاً، ومسألة الوحدة الوطنية والتعايش المشترك والألفة الإسلامية المسيحية ليست شعارات وإنما هي ثقافة يجب أن تطبق علي أرض الواقع. وبالنسبة للمسيحين في القدس ، هل يعانون من الاضطهاد والتمييز أم أن القضية القومية تلعب دوراً في ذلك؟؟ - قضية فلسطين وقضية القدس توحدنا كمسلمين ومسيحيين وإن كانت هناك أصوات - من الطرفين - تتحدث بأسلوب لا يحترم الآخر ، فهذه أصوات لا تمثلنا، ومن يهجمون علي المسلمين باسم المسيحيين ومن يهجمون علي المسيحيين باسم الإسلام، ولا يمثلون المسيحية أو الإسلام، وأؤكد أننا إخوة ويجب أن نعمل معاً وأنا في الحقيقة أشعر بالافتخار والاعتزاز بأن لي مجموعة من الأصدقاء المسلمين العقلاء.