ضياء رشوان: أزمة الكهرباء تتطلب حلولًا عاجلة وتعاونًا بين الدولة والمواطنين    المخابرات الأمريكية: الحرب بين إسرائيل وحزب الله تقترب    لابيد: لن تتمكن إسرائيل من التقدم بدون الأسرى بغزة    زد يعود لسكة الانتصارات في مرمى طلائع الجيش بالدوري المصري الممتاز    5 مصابين في تصادم ميكروباص بعمود إنارة في بني سويف    بعد فيديو المشاجرة.. محمود العسيلي يطرح أغنية "لا أبالي" ويتعاون فيها مع مسلم    عمرو يوسف عن أسماء جلال: فنانة محترمة وهتبقى من نجوم الصف الأول    فحص 1549 مواطنا في قافلة طبية لمبادرة حياة كريمة بدمياط    على مساحة 165 مترًا.. رئيس هيئة النيابة الإدارية يفتتح النادي البحري فى الإسكندرية (صور)    فليك يطلب بقاء نجم برشلونة    تحديث مباشر.. سعر الدولار اليوم في مصر    تباطئ معدل نمو الاقتصاد المصري إلى 2.22% خلال الربع الثالث من العام المالي 2024-2023    "المصريين": ثورة 30 يونيو ستبقى علامة فارقة في تاريخ مصر    رئيس صندوق المأذونين يكشف الفرق بين خدمة الزوج وطاعته    حماة الوطن: نجدد الدعم للقيادة السياسية في ذكرى ثورة 30 يونيو    محمود علاء يرحل عن الزمالك بناء على طلبه    ما هي الضوابط الأساسية لتحويلات الطلاب بين المدارس؟    أسعار البلطي والبوري والجمبري، هتصيف وتاكل أحلى سمك في جمصة (فيديو وصور)    إصابة 5 أشخاص فى حادث تصادم سيارة ميكروباص بعمود إنارة ببنى سويف    محمد مهنا: «4 أمور أعظم من الذنب» (فيديو)    أفضل دعاء السنة الهجرية الجديدة 1446 مكتوب    قائد القوات الجوية الإسرائيلية: سنقضى على حماس قريبا ومستعدون لحزب الله    لطيفة تطرح ثالث كليباتها «بتقول جرحتك».. «مفيش ممنوع» يتصدر التريند    عبدالمنعم سعيد: مصر لديها خبرة كبيرة في التفاوض السياسي    يورو 2024.. توريس ينافس ديباى على أفضل هدف بالجولة الثالثة من المجموعات    انطلاق مباراة الإسماعيلي والمصري في الدوري    أيمن غنيم: سيناء شهدت ملحمتي التطهير والتطوير في عهد الرئيس السيسي    فيروس زيكا.. خطر يهدد الهند في صيف 2024 وينتقل إلى البشر عن طريق الاختلاط    «الرعاية الصحية» تعلن حصاد إنجازاتها بعد مرور 5 أعوام من انطلاق منظومة التأمين الصحي الشامل    أسعار التكييفات في مصر 2024 تزامنًا مع ارتفاع درجات الحرارة    «رحلة التميز النسائى»    مستشار الأمن القومى لنائبة الرئيس الأمريكى يؤكد أهمية وقف إطلاق النار فى غزة    أيمن الجميل: تطوير الصناعات الزراعية المتكاملة يشهد نموا متصاعدا خلال السنوات الأخيرة ويحقق طفرة فى الصادرات المصرية    مع ارتفاع درجات الحرارة.. «الصحة» تكشف أعراض الإجهاد الحراري    هند صبري تشارك جمهورها بمشروعها الجديد "فرصة ثانية"    بائع يطعن صديقة بالغربية بسبب خلافات على بيع الملابس    وزيرة التخطيط: حوكمة القطاع الطبي في مصر أداة لرفع كفاءة المنظومة الصحية    لتكرار تجربة أبوعلى.. اتجاه في الأهلي للبحث عن المواهب الفلسطينية    حمى النيل تتفشى في إسرائيل.. 48 إصابة في نصف يوم    محافظ المنيا: تشكيل لجنة للإشراف على توزيع الأسمدة الزراعية لضمان وصولها لمستحقيها    بالصور.. محافظ القليوبية يجرى جولة تفقدية في بنها    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم بالطريق الإقليمي بالمنوفية    "قوة الأوطان".. "الأوقاف" تعلن نص خطبة الجمعة المقبلة    شوبير يكشف شكل الدوري الجديد بعد أزمة الزمالك    مواجهات عربية وصدام سعودى.. الاتحاد الآسيوى يكشف عن قرعة التصفيات المؤهلة لمونديال 2026    شيخ الأزهر يستقبل السفير التركي لبحث زيادة عدد الطلاب الأتراك الدارسين في الأزهر    انفراجة في أزمة صافيناز كاظم مع الأهرام، نقيب الصحفيين يتدخل ورئيس مجلس الإدارة يعد بالحل    تفاصيل إصابة الإعلامي محمد شبانة على الهواء ونقله فورا للمستشفى    تفاصيل إطلاق "حياة كريمة" أكبر حملة لترشيد الطاقة ودعم البيئة    ضبط 103 مخالفات فى المخابز والأسواق خلال حملة تموينية بالدقهلية    موسى أبو مرزوق: لن نقبل بقوات إسرائيلية في غزة    حظك اليوم| برج العذراء الخميس 27 يونيو.. «يوما ممتازا للكتابة والتفاعلات الإجتماعية»    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 27 يونيو.. «يوم مثالي لأهداف جديدة»    الكشف على 1230 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    شل حركة المطارات.. كوريا الشمالية تمطر جارتها الجنوبية ب«القمامة»    انقطاع الكهرباء عرض مستمر.. ومواطنون: «الأجهزة باظت»    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع قانون التأمين الصحي بعد الثورة عودة للخصخصة
نشر في الأهالي يوم 16 - 11 - 2011

لم يحدد نوعية الجهات القائمة علي تطبيق القانون وهل هي خدمية أم ربحية؟
بعد معركة استمرت خمس سنوات خلال دورة مجلس الشعب الماضية (2005-2010) حاولت حكومة ما قبل الثورة خلالها تمرير مشروع قانون تحويل التأمين الصحي الاجتماعي إلي تأمين تجاري علي حساب مصالح المواطنين وفشلت نتيجة المقاومة المستميتة لمختلف القوي الشعبية، يأتي أول مسودة لمشروع القانون الجديد بعد الثورة مخيبا للآمال بصيغ مراوغة أحيانا وصمت عن الموضوعات الحرجة أحيانا أخري وبصيغ رجعية بالكامل أيضا لكي
يستعيد منطق الإصلاح الصحي الاستعماري الذي وضعه البنك الدولي وهيئات التمويل الدولية ويدور في فلك الخصخصة. كما تأتي السرية التي أحيطت بها عملية صياغة القانون واستبعاد قوي المجتمع المدني من المشاركة فيه في مقابل التسرع الشديد في محاولة تمريره بمجرد إصداره عن طريق مرسوم رئاسي بدلا من انتظار انعقاد مجلس الشعب خلال شهرين ونصف الشهر لتؤكد أن غياب الشفافية والديمقراطية في طريقة الصياغة والإصدار تتفق مع محتوي القانون الذي لا يراعي مصالح المنتفعين.
المفترض أن أي قانون هو علاقة بين طرفين يحدد حقوق وواجبات كل منهما، وبالتالي فجوهر قانون التأمين الصحي هو تحديد حقوق المواطن المنتفع بالتأمين أو الخدمات التشخيصية والعلاجية التي يتمتع بها في ظل هذا القانون، وواجبات المواطن أي ما يتحمله من اشتراكات هو ورب العمل، وكذلك ما تتحمله الدولة من إسهام. أيضا يجب علي قانون التأمين الصحي أن يحدد نوعية الجهات القائمة علي تطبيق المشروع وتقديم الخدمة بالذات من ناحية كونها جهات خدمية تقدم الخدمة بتكلفتها أم جهات ربحية تسعي إلي الربح، من زاوية أثر طبيعة جهاز تقديم الخدمة (ربحية أو غير ربحية) في تحديد تكلفة ونوعية الخدمة المقدمة.
وانطلاقا من تلك الأسس ننظر إلي مشروع القانون الجديد فنجد ما يلي:
انتقاص حزمة الخدمات
1- بالنسبة لحزمة الخدمات التي يقدمها التأمين الصحي للمنتفع ينص القانون القائم حاليا ومنذ 47 عاما علي تقديم حزمة خدمات متكاملة تشمل جميع الخدمات التشخيصية والعلاجية والتأهيلية، بينما حاولت مشروعات الخصخصة انتقاص حزمة الخدمات باستبعاد الخدمات المكلفة المهارية (الثالثية أو الكارثية) مثل الأورام والجراحات الدقيقة من الخدمات التأمينية للمؤمن عليهم حاليا، واقتصرت علي خدمات قليلة جدا وبالغة المحدودية (رعاية صحية أولية أساسا) للقادمين الجدد الذين ستتوسع مظلة التأمين الصحي لتشملهم. فماذا يقول القانون الجديد؟ تأتي المادة الثالثة من القانون لكي لا تقول شيئا، فهي لا تحتوي علي نص بتقديم حزمة الخدمات المتكاملة أو التي يقدمها التأمين الصحي الحالي، كما لا تقول صراحة بانتقاص الأمراض الكارثية منها، ولكن آخر سطر في المادة (للهيئة إضافة خدمات أخري....بمراعاة الحفاظ علي التوازن المالي) تعني بوضوح أن الخدمات المقدمة منتقصة ولا تحتوي علي جميع الخدمات، بل إن التوسع في الخدمات يتحدد أولا بالتوازن المالي مثل أي تأمين صحي تجاري ولا يتعهد بإعطاء المنتفع حقه كاملا في العلاج باعتباره تأمينا صحيا اجتماعيا يمثل مظلة أمان اجتماعي. كما لا تتعهد الدولة بالطبع بسداد أي عجز قد ينشأ نتيجة نشاط التأمين الصحي باعتباره حقا للأفراد، فالأولوية للتوازن المالي علي حزمة الخدمات المقدمة مثل أي نشاط تجاري وليس اجتماعيا. ورغم أن المادة 3 تنص "علي ألا تقل هذه الخدمات عن الخدمات المقدمة حاليا لمنتفعي التأمين الصحي" فإنها تستدرك فورا "وذلك كله في طبقا للشروط والإجراءات الواردة في اللائحة التنفيذية التي يصدر بها قرار من الوزير المختص بالصحة". ولنا بالطبع خبرة عملية بتلك الصيغ المراوغة في مشروع قانون الجبلي حيث كان المشروع يحتوي علي نفس النص "علي ألا تقل هذه الخدمات عن الخدمات المقدمة حاليا..." ولم يمنع هذا وزير الصحة من التصريح بأن التأمين الصحي لن يعالج الأورام والجراحات الدقيقة! والصيغ القانونية بالطبع يجب أن تكون ناصعة الوضوح فيما يتعلق بالالتزامات الأساسية علي أطراف التعاقد وعلي رأسها بالطبع حزمة الخدمات التأمينية المقدمة. وكل تاريخ إغراق الصيغ في الغموض كما في الصياغات الحالية كان يهدف كما حدث مسبقا إلي التغطية علي انسحاب التأمين من تحمل مسئولية الخدمات المكلفة رغم أن تلك الأمراض تحديدا هي ما يتركز عليه اهتمام المنتفع بالتأمين الصحي حيث يعجز بالطبع عن تحمل أعبائها.
هيكلة دون مبادئ
2- تتحدث المادة الخامسة عن إعادة هيكلة هيئة التأمين الصحي الاجتماعي حاليا كهيئة مقدمة للخدمة، ولا تحدد مبادئ إعادة الهيكلة وتترك ذلك للائحة التنفيذية. ومن المعروف أن ذلك الموضوع كان مجالا للصدام الضخم مع الحكومة السابقة لأن جهاز تقديم الخدمات الصحية في الهيئة الحالية جهاز خدمي يقدم الخدمة بالتكلفة وتتحدد مهامه وأساس محاسبته علي تلك الخدمة المقدمة، بينما جاء قرار رئيس الوزراء رقم 637 لسنة 2007 الخاص بإنشاء الشركة المصرية القابضة للرعاية الصحية لكي يحول الهيئة الخدمية إلي شركة هدفها الرئيسي هو الربح، وهو ما كان محل صدام شديد مع قوي المجتمع المدني المعارضة ونجحت تلك القوي في الحصول علي حكم بوقف تنفيذ ذلك القرار. وما دامت المادة الخامسة من القانون الجديد لم تنص صراحة علي أن إعادة هيكلة الهيئة تتم في إطار الحفاظ علي طابعها الخدمي غير الربحي فإن ذلك يفتح المجال واسعا لكي تتحول الهيئة إلي هيئة اقتصادية ربحية، حيث لا نظن أن إهمال تلك النقطة الحاسمة في المشروع تأتي مصادفة!
أطراف التمويل
3- نأتي لنقطة حاسمة في المشروع الجديد وهي موقفه من تمويل الخدمات العلاجية في التأمين الصحي. وللتمويل ثلاثة أطراف هي المنتفع بالتأمين الصحي، وصاحب العمل (ومساهمته في التمويل بنسبة من المرتب من خلال التأمينات الاجتماعية وتعد جزءا من المرتب) والحكومة أو الخزانة العامة للدولة. وقبل أن نتناول الجديد الذي يأتي به مشروع القانون هذا يهمنا أن نتساءل عن الهدف الحاكم من التغيرات: هل هو زيادة التمويل المتاح لتطوير مستوي الخدمة أم أن قضية التمويل ليس بها أي مشكلة؟ وبالطبع فإن كل الدعاية الحكومية والأهلية، رغم اختلافاتهما، في الفترة الماضية كانت تتحدث عن مشاكل التمويل وسوء الخدمة الناتجة عن نقص التمويل وأهمية زيادة مصادر التمويل المتاحة من أجل تحسين وتطوير الخدمات الطبية المقدمة وكذلك تطوير هياكل مرتبات العاملين مما يساهم في تحسين مستوي الخدمة الطبية. فهل تؤدي التغيرات التي جاء بها القانون إلي زيادة التمويل أم إلي نقصه، وما هي الأطراف التي زادت أعباؤها المادية وما هي الأطراف التي قلت أعباؤها؟
a. بالنسبة لحصة المؤمن عليهم والمعالين: استمرت نسبة 1% من المرتب التي يدفعونها كما هي بدون تغيير رغم أن اتحاد العمال سابقا، وكذلك لجنة الدفاع عن الحق في الصحة لم يمانعوا في زيادة نسبة الاشتراك في إطار منظومة لتحسين الخدمة. ولكن زادت نسبة المساهمة بالنسبة لأصحاب المعاشات من 1% إلي 1.5% واستمرت 2% كما هي بالنسبة لمعاشات الأرامل. أما بالنسبة للتأمين الصحي علي الطلاب فقد تغير جذريا، فقد كان النظام الحالي يفرض علي كل ولي أمر لطالب المساهمة بأربعة جنيهات سنويا بينما تقدم الخزانة العامة للدولة 12 جنيها سنويا لكل طالب. ولكن القانون الجديد قام بإلغاء مساهمة الخزانة العامة وفرض علي ولي الأمر المساهمة بنصف في المائة من مرتبه كبديل لمساهمته القديمة المحددة (4 جنيهات تدفع ضمن المصاريف المدرسية) ومساهمة الدولة معا. وأقرت نفس نسبة نصف في المائة من المرتب لكل طفل ما دون سن الدراسة أيضا، وكانت موارد تلك الفئة في السابق تقتصر علي خمسة جنيهات سنويا يدفعها ولي الأمر وكانت مختلف الأصوات تطالب الدولة بالمساهمة في رعايتهم كما في حالة الطلاب فقامت الحكومة بالتخلص من الطلاب وأطفال ما قبل سن الدراسة معا وتركت عبئهم علي أولياء أمورهم فقط! كما زادت مساهمات المنتفعين بإجبارهم في القانون الجديد علي دفع 30% من ثمن الأدوية في العيادة الخارجية. وهذا البند موجود حاليا بالنسبة للتأمين علي طلبة المدارس فقط وليس علي العاملين ولا علي أصحاب المعاشات مثل القانون الراهن. كما أنه حاليا يعفي طلاب المدارس من تلك النسبة في حالة أدوية الأمراض المزمنة مثل الربو مثلا. أما في مشروع القانون الجديد فجميع المنتفعين مجبرون علي دفع 30% من ثمن الأدوية في العيادة الخارجية حتي في الأمراض المزمنة بدون حد أقصي. حتي أصحاب المعاشات الذين عادة ما يقومون شهريا بصرف عدة روشتات لأمراض مزمنة مثل الضغط والقلب والسكر وأحيانا الرمد أو الجراحة ....إلخ فسوف يدفعون عن كل روشتة 20% من سعر الدواء بدون حد أقصي واقتصر عليهم وحدهم إعفاء أدوية الأمراض المزمنة من دفع تلك النسبة. وكما صرح بعض المنتفعين بالمعاشات بأن الأدوية التي يصرفونها شهريا تتجاوز قيمة معاشهم أحيانا بأكثر من الضعف (وزير المالية الأسبق صرح بأن 68% من أصحاب المعاشات تقل معاشاتهم عن 300 جنيه شهريا!) فإن تلك النسبة تمثل قسما مهما من معاشهم الشهري. والطريف أن مشاركات المواطنين تزيد بنسبة التضخم بينما لا تزيد مرتباتهم بنفس النسبة! فالحكومة تتذكر التضخم حين تحصل النقود وتتناساه حين تحدد المرتبات!!
بالنسبة لحصة أصحاب الأعمال حدث تخفيض ضخم في قيمة إسهاماتهم في التأمين الصحي، فقد كان أصحاب الأعمال في القطاع الخاص يدفعون 3% من راتب العامل كإسهام في التأمين الصحي و3% أخري كتأمين لإصابات العمل، فتحولت النسبة إلي 3% فقط للاثنين بتخفيض قدره 50%! أما بالنسبة لقطاع الأعمال العام الذي كان يدفع 2% تأمينا لإصابات العمل فقد انخفض إجمالي ما يدفعه من 5% (3% تأمين + 2% إصابات عمل) إلي 3% للاثنين. أما القطاع الحكومي الذي كانت الحكومة تدفع فيه 1.5% تأمينا صحيا غير 1% تأمين إصابات العمل فقد أصبحت تدفع مثل القطاعين العام والخاص 3% للاثنين بزيادة بسيطة عما تدفعه حاليا (من 2,5% إلي 3% شاملا الاثنين). ومن المعروف أن التأمين علي إصابات العمل كان دائما به فائض يمثل عنصرا مهما في موازنة عجز ميزانية التأمين الصحي ككل.
أما بالنسبة لحصة الخزانة العامة، أي الحكومة: فقد رأينا كيف تخلصت من عبء المساهمة في التأمين علي الطلاب وألقته علي كتف عائل الأسرة، وكيف زادت من اشتراكها في التأمين علي موظفيها -باعتبارها رب العمل الخاص بهم- من 2.5% إلي 3% شاملا تأمين إصابات العمل (وكانت المطالبات للحكومة بزيادة إسهاماتها لتتساوي مع القطاع الخاص، أي 6%). كما تكفلت الحكومة بسداد كامل قيمة التأمين علي العامل وأسرته من الفئات الفقيرة ومساهماتهم في ثمن الدواء. وتلك هي الفئات من العمالة غير المنتظمة التي سوف يتم توسيع مظلة التأمين الصحي لتشملها. ونلاحظ هنا إن القانون لم يحدد الخدمات التي ستقدم لتلك الفئات وما إذا كانت ستقتصر علي الرعاية الصحية الأولية كما في مشروع القانون السابق أم أن هناك تغييرا لم تحدد ملامحه. كما يقر مشروع القانون الحالي مبدأ التدرج في التوسع في تطبيق القانون علي المنتفعين الجدد مثل المشروع السابق، وإن كان المشروع السابق قد تحدث تفصيلا عن التدرج بمتوسط محافظتين كل عام حتي عام 2030، ولا يظهر أن المشروع الجديد قد أتي بجديد في هذا المجال.
مصادر مستحدثة
مصادر دخل مستحدثة من خلال ضرائب مخصصة للصحة استحدث المشروع ضرائب جديدة تخصص للإنفاق الصحي مثل 5% من قيمة كل طن أسمنت أو حديد يباع في السوق المحلي، و20% من قيمة الرسوم المحصلة عن مرور المركبات علي الطرق السريعة، و90% من الغرامات في الجرائم المتعلقة بالصحة. كما زاد المشروع من قيمة الرسوم المفروضة علي السجائر إلي 15% من قيمة السجائر ومنتجات التبغ وجعلها مخصصة للتأمين الصحي عموما وليس للتأمين الصحي علي الطلاب. وتلك كلها اتجاهات جيدة سبق المطالبة بها
4- تنص المادة السادسة علي التعاقد مع جميع أنواع مقدمي الخدمة والمساواة بينهم جميعا وفق شرط وحيد هو الجودة. وليس في هذا تفضيل للكيانات غير الربحية (مثل هيئة التأمين الصحي الحالية والهيئات الأخري غير الربحية المقدمة للخدمة حاليا مثل هيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية والمستشفيات الجامعية وغيرها) علي الكيانات الربحية عند تساوي الإمكانيات توفيرا للتكلفة علي المؤمن عليهم. وهذا ما يفتح الباب أمام تنفيذ ما يدعو إليه البنك الدولي من المساواة في شروط المنافسة بين جميع مقدمي الخدمة، ويعني البنك بذلك غياب العدالة في المساواة بين جهات ربحية وجهات غير ربحية تقدم الخدمات الصحية حيث إن التكلفة في الأخيرة لابد أن تكون أقل من التكلفة المحملة بالربح في الأولي! والحل الذي يطرحة البنك بالطبع هو تحويل الهيئات الحكومية غير الربحية إلي هيئات اقتصادية أي شركات ربحية لتحقيق المنافسة العادلة مع مقدمي الخدمة الساعين للربح! وبالطبع لا يهتم البنك الدولي بأثر ذلك علي زيادة تكلفة الخدمة علي المنتفعين فعقيدة البنك الدولي هي فتح جميع المجالات أمام الاستثمار الخاص باعتبار ذلك هو مدخل التنمية، ولا يفرق في ذلك بين الخدمات الأساسية مثل الخدمات الصحية وبين الإنتاج الصناعي وغيره. ومن المعروف بالطبع أن مشروع الإصلاح الصحي الذي وقعت عليه مصر مع رئيس البنك الدولي كممثل للجهات المانحة (البنك وصندوق النقد الدوليين والاتحاد الأوروبي) ينص علي تحويل هيئات تقديم الخدمة بوزارة الصحة إلي هيئات اقتصادية، وهو ما تأتي مشروعات قانون التأمين الصحي الماضية كلها في إطاره. وصياغة المادة بهذا الشكل بالطبع تفتح الباب لتمرير توصيات البنك التي مازالت مصر ملتزمة بها مالم تعلن عكس ذلك. وهكذا نعود للمربع صفر في حملة مقاومة خصخصة الصحة التي بدأت منذ ست سنوات!!
تطوير الخدمات
5- تأتي المادة 7 بما يسمي حق المنتفع في الاختيار بين الجهات المتعاقدة لتقديم الخدمة كما تفعل بعض النظم التأمينية بديلا عن النظام الحالي الذي يربط كل مريض علي عيادة ومستشفي معينين مسبقا. ويتسق مبدأ الاختيار مع ما يقولونه حول أن الهدف هو رضاء المنتفع الذي تحول إلي الزبون أو العميل، رغم أنه من المشكوك فيه أن يؤدي هذا المبدأ إلي تطوير الخدمات الصحية باعتبار أن الطابع الفني للخدمة الصحية لا يجعل المواطن خبيرا يفرق بين الخدمة الجيدة وغير الجيدة إلا علي أساس حسن المعاملة ومستوي الفندقة، وهما، رغم أهميتهما بالطبع، لا يتطابقان مع مستوي الخدمة الطبية. ويستند التطوير العلمي لمستوي الخدمة الطبية في المحل الأول إلي مقومات أخري تخص مستوي التعليم الطبي (سواء قبل التخرج أو في الدراسات العليا أو من خلال التعليم الطبي المستمر مع تجديد ترخيص مزاولة المهنة كل فترة زمنية معينة) كما تخص قواعد الممارسة الطبية والاستناد إلي الخطوط المرشدة في الفحوص والعلاج، والإشراف الفني علي أسس الممارسة، والشفافية في نشر الإحصائيات الطبية بما فيها نسب الوفاة والمضاعفات لكل مركز طبي. ويتطلب كل هذا تضافر الجهود المجتمعية المؤسسية (للمؤسسات التعليمية الطبية ووزارة الصحة وغيرها) والجهود الأهلية بالرقابة الجماعية علي المؤسسات الطبية والتي تتخذ في الدول المتقدمة أشكالا منظمة مثل مجالس أمناء المستشفيات والجامعات وغيرها. ورغم تواضع كل هذا في مجتمعنا إلا أنه لا يوضع موضع الهدف الذي يجب أن تتضافر الجهود لتحقيقه، ويستبدل بما يسمي "حق اختيار مقدم الخدمة بين مقدمين متعددين" لكي يكون مسوغا لإدخال مقدمي خدمة تابعين للقطاع الخاص، بل تحويل مقدمي الخدمة غير الربحيين حاليا إلي جهات ربحية كما سبق توضيحه.
تجريم الرقابة
6- تأتي المادة 26 بنص معاد للشفافية وللديمقراطية تماما: فبدلا من النص علي الرقابة الشعبية علي الخدمة في التأمين الصحي الجديد تجرم المادة وتعاقب بالحبس أوالغرامة "كل من أفشي من موظفي الهيئة أو مقدمي الخدمة سرا من أسرار المهنة أو العمل أو غير ذلك من أساليب ومعلومات العمل التي يكون قد اطلع عليها بحكم عمله...". وبدلا من الشفافية وإتاحة المعلومات لتمكين المواطنين من الرقابة يأتي تحويل بيانات الهيئة إلي أسرار عسكرية يستلزم إفشاؤها العقوبات المغلظة.
7- وبنفس القدر من انعدام الشفافية والسلوك المعادي للديمقراطية يأتي أسلوب إصدار وإقرار القانون الجديد، فقد جرت مشاورات ودراسات اللجنة المكلفة بإصداره في سرية كاملة علي أصحاب الشأن من منتفعين ومعارضة وخبراء صحة، حتي تم الإفراج المحدود عن بعض النسخ من مسودة القانون بعد اعتماد وزير الصحة وقبيل موافقة مجلس الوزراء عليها. وتنص الديباجة علي إصدار القانون بمرسوم رئاسي قبل انتخابات مجلس الشعب، وبالتالي انعدام الفرصة أمام المجتمع المدني والشعب صاحب المصلحة في النقاش والاعتراض علي قانون خصخصة الصحة الجديد.
وهكذا يتسق محتوي القانون المخصخص للخدمات الصحية والمحول للتأمين الصحي الاجتماعي إلي تأمين صحي تجاري مع الأسلوب الاستبدادي لإصداره وكأن الثورة لم تقم وكأن حاتم الجبلي مازال في الوزارة! فالقانون يزيد الأعباء علي المواطنين المنتفعين بالتأمين الصحي بينما يخففها علي رجال الأعمال، ويفتح الباب لخصخصة هيكل تقديم الخدمة وتحويله إلي هيئة اقتصادية ربحية، كل هذا في صيغ مراوغة أحيانا وصريحة أحيانا أخري. والمذهل في الموضوع أن الجميع قد توقع أن نجاح ثورة الشعب المصري في الإطاحة بالحكام الطغاة وتعديل ميزان القوي لصالح الشعب المضطهد والمظلوم سوف ينعكس في قوانين تعمل لصالح الشعب، فيفاجأ بمراسيم تصدر في غيبة الشعب بنفس الأساليب الديكتاتورية السابقة وبنفس محتوي الخصخصة وتحويل هيئة تقديم الخدمة إلي هيئة اقتصادية ربحية وتحويل التأمين الصحي الاجتماعي إلي تأمين تجاري يقدم خدمات منتقصة ويزيد العبء علي المواطنين ويخففه عن رجال الأعمال.
ولكن الشعب الذي نجح قبل الثورة بنضاله السياسي والجماهيري والقانوني في وقف إصدار قانون تحويل التأمين الصحي الاجتماعي إلي تأمين تجاري وفي وقف قرار الشركة القابضة بحكم المحكمة لن يتراجع بعد الثورة عن التصدي لكل تلك المشاريع الرديئة، وسوف يدافع عن حقه في الصحة ويسقط تلك المخططات الهدامة ويقر قانونا جديدا لقانون تأمين صحي اجتماعي شامل حقا، شامل لكل الخدمات التشخيصية والعلاجية ويشمل جميع أفراد الشعب المصري رغم أنف ترزية القوانين والبيروقراطيةالقديمة وإملاءات البنك الدولي وأعوانه دعاة الخصخصة التي تعلي من اعتبارات تربح المستثمرين المصريين والعرب والأجانب من المتاجرة في صحة المصريين علي حق المواطنين في الصحة وتحول الخدمات الصحية من خدمة إلي سلعة تباع وتشتري ويجوز حرمان من لا يملك ثمنها من الحصول عليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.