أمل خليفةتمر المجتمعات العربية حاليا بلحظات فارقة في تاريخها السياسي والاجتماعي سوف ترسم مستقبل المنطقة العربية التي تتفتح فيها زهور ربيع الثورة العربية.. مما يدعو إلي التساؤل حول تحديات هذه المرحلة، وكيف يمكن التعامل معها لتقليل المخاطر والآلام حتي نجتاز مخاض هذه المرحلة بسلام ونستطيع بناء دولة الحرية والعدالة والديمقراطية. هذه التساؤلات وغيرها كانت محل بحث مؤتمر «الربيع العربي ومستقبل التحولات الراهنة» الذي نظمه البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان الأسبوع الماضي بمشاركة أكثر من 160 من السياسيين والنشطاء والحقوقيين والإعلاميين من مصر ودول عربية أخري. أكد المشاركون أن أهم التحديات التي تواجه الثورات العربية الإخفاق التاريخي لمشروع تأسيس الدولة الحديثة نتيجة سيادة نهج التسلطية في علاقة الدولة بالمجتمع تاريخيا وإجهاض الحركات الاجتماعية القادرة علي مواجهة هيمنة الدولة وسيطرتها علي المجال العام، وهو ما أشاع ثقافة سياسية سائدة تقوم علي العلاقات الأبوية ذات الطابع التسلطي. وانتقدت د. أوجاريت يونان - رئيس جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان - بعض ممارسات العنف التي تدمر فعليا أي إمكانية حقيقية لقيام نظم حكم ديمقراطية فرغم سلمية الثورات العربية لكن بعض الأنظمة الاستبدادية كما في حالة ليبيا أو اليمن وسوريا نجحت في توريط قوي الثورة في اللجوء إلي العنف دفاعا عن النفس فضلا عن دعوات الثأر والمحاسبة والانتقام من المسئولين عن الأنظمة السابقة دون وضع الآليات القانونية التي تسمح فقط بمحاسبة من تورط في قضايا الفساد السياسي والمالي. ضعف المجتمع وأوضح «د. نبيل عبدالفتاح» - مدير مركز الدراسات التاريخية والاجتماعية بالأهرام - أنه رغم نجاح الثورات في مصر وتونس في إزالة رأس النظام لكن هذا لا يعني نجاحها في بناء المجتمع الديمقراطي. وانتقد عبدالفتاح غياب التوافق بين القوي السياسية المشاركة في الثورة علي هوية الدولة فضلا عن وجود قوي وتيارات الإسلام السياسي التي مازال موقفها من قضية الديمقراطية ومدنية الدولة موقفا غامضا بالإضافة إلي التقسيمات المذهبية والطائفية التي تعوق مسار تقدم الثورة. وأضاف «نبيل عبدالفتاح» أن تراجع حقوق المرأة والطفل تحت دعاوي الحفاظ علي الهوية من أهم التحديات أمام الثورات العربية فضلا عن حالة الضعف التي يعاني منها المجتمع المدني نتيجة تعرضه لسياسات التهميش والإقصاء لسنين طويلة. وأشار د. مصطفي كامل السيد - أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إلي تحدي الجغرافيا السياسية وما يفرضه من تأثير للقوي الإقليمية والدولية موضحا أن الكثير من القوي الإقليمية والدولية الفاعلة لا تتعاطف كثيرا مع قضية إقامة مجتمعات عربية ديمقراطية بما قد يتعارض مع مصالحها أو بنيتها السياسية التي تخشي من انتقال رياح الثورة ولذلك نسعي لإجهاض ما تحقق من نجاحات أولية للثورات العربية. وناقشت جلسات المؤتمر أيضا مستقبل الثورات العربية من حيث طبيعة الدولة هل هي مدنية أم دينية أم عسكرية؟ أكد د. أحمد كمال أبوالمجد المفكر الإسلامي أننا أمة في فتنة وليست أزمة مشيرا إلي أننا نخشي من تحول الربيع العربي إلي خريف فإذا لم نسارع بالعمل والاتقان من أجل بناء دولة حديثة ونحتفظ بالأمل والصبر حتي تظهر نتائج التحول الديمقراطي سيتحول الربيع إلي خريف. وتحدث «د. عصام العريان» - نائب رئيس حزب الحرية والعدالة - عن مواصفات الدولة الحديثة مشيرا إلي أن الخلاف حول مسمي الدولة هل هي مدنية أم دينية ليس له جدوي خاصة أن الإسلام لا يحمل مسمي الدولة الدينية، والإخوان المسلمون يريدون دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية تقوم علي استقلال القانون والحرية والعدالة. اللاعنف والتغيير كما ربط أستاذ فادي أبي علام "رئيس حركة السلام الدائم في لبنان في حديثه عن مستقبل الدولة في ظل الحراك الأقليمي والدولي . بين خيار اللاعنف والقدرة علي التغيير دون مساعدة خارجية ، مؤكدا أن الصمت أحيانا من جانب بعض الدول المجاورة الأقليمية هو تدخل عنيف فدور كل من إيران و تركيا و إسرائيل أو الدول الأوروبية كذلك دور المنظمات الأقليمية و جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة .هذه الأدوار قد تساعد أو قد تعرقل وقد تتعارض في مكان ما وقد تتكامل في مكان آخر.. فلكل ثورة محيط تتأثر به والتدخل أمر واقع. وفي السياق نفسه تحدث دكتور عماد جاد نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عن تأثير التطورات الجانبية بنسب متفاوتة في المرحلة الانتقالية والتحولات في الدول العربية فمثلا المكون الداخلي لما حدث في تونس ومصر كان مرتفعا جدا عن المكون الداخلي في ليبيا الذي كان دوره أقل من الدور الخارجي سواء من الجامعة العربية أو مجلس الأمن أومن النيتو "حلف شمال الأطلنطي "لأن في تونس ومصر تمكنت القوي التي قامت بالثورة من إسقاط الحجر الأول من النظام في ليبيا لا يمكن حدوث هذا إلا في إطار أقليمي مساعد كطلب الجامعة العربية من مجلس الأمن أن يتخذ من الإجراءات ما يوفر الحماية للشعب الليبي . فلم يكن هناك دور أقليمي أو دولي في تونس . بسبب سرعة الأحداث ولكن في مصر ظهرت أهمية الدورين الأقليمي والدولي لبعض الدول مثل السعودية والخليج العربي وإسرائيل وإيران أثناء وبعد رحيل مبارك، وحدوث توافق ما إسرائيلي عربي" السعودية وعدد من دول الخليج " بتبني إتجاه عدائي للثورة المصرية وخلع مبارك رغم اختلاف أسباب العداء للثورة». مقايضات سرية ولفهم موقف إسرائيل من الثورة المصرية لابد من العودة لعام 2004 بداية مشروع التوريث الذي يتطلب تحقيقه الحصول علي موافقة إمريكا وإسرائيل و المقايضة بدور مصر الإقليمي وتحقيق كل مطالبهم في المنطقة مقابل تمرير مشروع التوريث، وبالتالي كل القضايا الإقليمية منذ 2004 حتي سقوط رئيس النظام في 12 فبراير 2011 تفسر من خلال هذه المقايضة مثل الموقف المصري من العدوان الإسرائيلي علي لبنان أو علي غزة وتصدير الغاز ..الخ .ومن هنا نلاحظ الفرق في العلاقة المصرية الإسرائيلية منذ 79 إلي 2004 كانت توصف بالسلام البارد، ولكن فيما بعد 2004 توصف بالسلام الساخن نتيجة صفقة بيع دور مصر الإقليمي. أما دول الخليج العربي "العائلات الحاكمة لم تتمتع بالعربدة في مصر مثلما تمتعت بها في فترة مبارك اصبح لهم سطوة كبيرة يشترون مايريدون وصفقات فساد ضخمة وبالتالي كان هناك موقف سعودي خليجي عنيف ضد الثورة وضغوط أقليمية ودولية لحشد وتأييد لمنع الولاياتالمتحدة الإمريكية من التخلي عن مبارك، وكانت إسرائيل أكثر الدول نشاطا في هذه المسألة. أما إيران فتسببت في أزمة للمكونات الداخلية والخارجية للثورة بسبب تصريحاتها بإن الثورة إسلامية فمن الذي يريد أن يدعم ثورة علي الطراز الإيراني ؟! أما تركيا فلم يكن لها دور في الثورة المصرية عكس موقفها في ليبيا وسوريا، لذلك أستثني إيران وتركيا من القوي المؤثرة في مصير الثورة المصرية . كما ندد المناضل السوري هيثم المالح المحامي من دبي عبر السكايب بالجرائم والانتهاكات والعنف والمذابح اليومية الذي عاني منها الشعب السوري و التي ارتكبها النظام السوري علي مدار أربعين عاما.. منذ رئاسة حافظ الأسد حتي الحين . إضافة إلي استيلاء الأسرة الحاكمة علي 85% من الدخل القومي، كما طالب الدول العربية بطرد السفراء السوريين من بلادهم وسحب السفراء العرب من دمشق. واستبعد اللواء طلعت مسلم - الخبير الاستراتيجي - فكرة بناء دولة عسكرية مؤكدا أن العسكريين أول من يرفض الدولة العسكرية. وأكد أن الربيع العربي يتطلب تحقيق بعض المطالب حتي يظل ربيعا ففي الحالة المصرية، علينا أولا إلغاء حالة الطوارئ وإنشاء أحزاب جادة قادرة علي الالتحام بالمواطنين ونشر مفاهيم حقوق الإنسان والديمقراطية نبني ما يسمي بالدولة المدنية القائمة علي العدل والمساواة والمواطنة واحترام القانون. تحقيق المواطنة وفي ختام المؤتمر اتفق المشاركون علي ضرورة إدارة حوار مجتمعي حقيقي للاتفاق حول خصائص دولة المستقبل التي خرجت شعوب بلادنا مطالبة بها رافعة شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وضرورة تجاوز حالة الاختلاف حول المسميات خاصة في حالة السيولة والخلط بين المسميات، وأن يتم تحديد الموقف من المرأة وغير المسلمين والعدالة الاجتماعية والمواطنة وغيرها من القضايا التي تحتاج إلي تأجيل واجتهاد فكري خاصة في مجتمعات تسودها الثقافة الإسلامية. وأوصي المؤتمر بضرورة التقدم علي طريق بناء المصالحة والسلم الداخلي علي قاعدة المكاشفة والاعتذار والمحاسبة والاستفادة من تجارب الشعوب السابقة في مجال العدالة الانتقالية، خاصة تجارب جنوب أفريقيا والمغرب، ودعوة كل التيارات السياسية للاحتكام لنتائج انتخابات حرة نزيهة تسمح بمشاركة كل القوي والتيارات كطريق لبناء دولة مدنية يحدد ملامحها دستور يقوم علي قاعدة المواطنة وسيادة القانون، والاعتراف بكل التكوينات السياسية والمذهبية والطائفية علي قاعدة المواطنة والمساواة الكاملة في حقها في التعبير وضرورة تجاوز الجامعة العربية لدورها الحالي ومساندة البلدان العربية في عملية التحول الديمقراطي والتضامن مع شعبنا في سوريا واليمن والبحرين. ودعا المشاركون في المؤتمر إلي تأسيس منبر للحوار العربي - العربي حول قضايا الثورة وتحدياتها ومناقشة التحديات السياسية والدستورية وعلاقة الدين بالدولة ونقل خبرات الثورات العربية.