د. رفعت السعيد مناضلون يساريون: د. عبد الكريم السكري إن سياسة الحكومة هي قصر التعليم علي أبناء السادة حتي لا يجلس معهم أو يتعلم مثلهم أبناء عبيدهم من العمال والفلاحين د. عبد الكريم السكري وابتداء يتعين أن أتقدم باعتذار إلي هذا المناضل د. عبد الكريم السكري الذي نسيه الجميع وربما أنكره الجميع. فلسبب أو لآخر تتساقط من ذاكرة اليسار أسماء مناضلين حقيقيين لكنهم كانوا يعملون في صمت ولا يجيدون فن إظهار أنفسهم . وعلي أية حال لسبب ما اختفي اسم عبد الكريم السكري من ذاكرة اليسار المصري. اعتذار آخر أتقدم به لزميل الدراسة في كلية الحقوق الأستاذ/ مجدي السكري الذي لم أقابله ولم أسمع عنه منذ أكثر من خمسة وخمسين عاما وأتمني له كل خير. أعتذر له لأنني صدمته صدمة كانت قاسية بالنسبة له. ففي ساحة حقوق عين شمس كنت أقف إلي جوار مجلة حائط كتبتها من أولها لأخرها وكان اسمها «صوت الشعب» ويدرك الطلاب أنها مجلة يسارية فاقترب شاب في مثل سني أو أصغر قليلاً وقال بكبرياء «أنا مجدي السكري قريب الدكتور عبد الكريم السكري» وبطريقة لم أغفرها ولن أغفرها قلت «مين عبد الكريم السكري» فابتعد الفتي ولم يحدثني مرة ثانية حتي تفرقت السبل . وظللت ألوم نفسي ثم تراكم اللوم عندما عثرت علي أعداد من «مجلة الضمير» فعرفت الرجل ودهشت لأننا تذكرنا جميع من اسهموا في مجلة «الضمير» وأنكرناه. وبدأت رحلة البحث : أصدر عبد الكريم السكري مجلة الضمير عام 1938، وكانت مجلة إقليمية تصدر في بلدته بني سويف. وأشرك السكري معه عدداً من طلاب الجامعة التقدميين. وكانوا يطبعونها في المكتب الدولي للطبع والنشر في الجيزة. وفي 1945 نجح محمود العسكري في إقناع عبد الكريم السكري في إصدارها باسم «لجنة العمال للتحرير القومي» ولم يكن توافق السكري مع هذه اللجنة التي تقول عن نفسها إنها «الهيئة السياسية للطبقة العاملة» مجرد مصادفة. فقبل هذه العلاقة كان السكري قد أصدر من مجلته 272 عددا كمجلة ليبرالية وتقدمية ويمكن القول أيضاً إنها كانت يسارية لكنها كانت محلية محصورة في بني سويف فلم يسمع عنها الكثيرون. المهم يكتب طه سعد عثمان في مذكراته «في الساعة الخامسة من مساء الخميس أكتوبر 1945 خرج محمود العسكري من المطبعة حاملا معه أعداد أول عدد من الضمير أصدرته لجنة العمال للتحرير القومي ويواصل السكري مساهمته في تحرير الضمير ونقرأ له في مقال بعنوان «العمال للإنتاج القومي كالعمود الفقري للجسم الإنساني» «قوام الإنتاج في محيط حلبة الأعمال المختلفة وكل ما يحتاج إليه العالم الإنساني من مطالب الحياة .. هو العامل ومن هنا كان من حقه أن يفخر بحق حين يري نفسه الوسيلة الوحيدة للإنتاج القومي» ثم يقول «وأظن أن الزمن الآن يدفع الطبقة العاملة إلي أن تسعي وراء حقها المهضوم ومطالبها العادلة في أن يكون لها نصيب من هذه الحياة الرغدة يتناسب مع جهدها وتضحياتها ، ولا تستطيع هيئة منصفة أن تقف أمام جهاد العمال في سبيل حقوقهم المشروعة العادلة» (الضمير ( 7 - 11 - 1945). ويكتب السكري علي صفحات الضمير سلسلة من المقالات بعنوان «أيها العامل .. دعني أحدثك» قال في واحدة منها لا أنت عامل ومعني ذلك أنك مواطن منتج ، وعلي هذا الأساس الصحيح أرجو أن تحيي في نفسك شعور الثقة بالنفس والاعتزاز بالكرامة .. أنت مجتهد في عملك فكن مجاهداً في الدفاع عن حقك وما ضاع حق وراءه مطالب» (24-6-1946). ويقبض البوليس علي الثالوث «المدرك - العسكري - طه سعد عثمان» ، لكن السكري لا يفزع ولا يتوقف فيستمر هو في إصدار« الضمير» فيقبض عليه ليبقي يومين كإنذار وتفرج عنه النيابة بالضمان الشخصي. ويخرج السكري ليواصل التحدي فيكتب في الضمير «أيها العامل دعني أحدثك عن ليلتين علي الأسفلت» ويحكي للعمال في هذا المقال قصة استغلال الإنسان لأخيه الإنسان منذ ألفي عام بما دفع «الفلاسفة الأقدمون أمثال سقراط وأفلاطون إلي الدفاع عن العدل». وفيما كان زملاؤه في السجن هرب السكري بمجلته إلي بلدته بني سويف طوال الفترة من يناير حتي مايو 1946، هرب بها لكنه لم يهرب منها ولا من مبدئه فقد ظلت طوال هذه الفترة تؤكد أنها «لسان حال لجنة العمال للتحرير القومي». ويفرج عن المعتقلين وتعود «الضمير» إلي القاهرة لكن السكري يعود بها وهو أكثر شجاعة وأكثر تمسكا بالمبدأ فيكتب افتتاحية لأول عدد بعد العودة للقاهرة يقول فيها «عدنا إلي ميدان النضال الحر الشريف لنناهض الاستعمار أيا كان نوعه وفي أي بقعه من بقاع العالم. عدنا لنحقق آمال الوطن ولتحيا الإنسانية في أمن وسلام وسعادة. واليوم تعود الضمير إلي ميدان النضال حاملة مشعل النور إلي الطبقة العاملة والشعب المصري رافعة علم الجهاد المشروع ضد الاستعمار والاستغلال حتي تتحرر الإنسانية من الظلم والاستعباد ومن الجوع والحرمان». .. ثم ينقطع خيط الاتصال مع الدكتور عبد الكريم السكري. ويكفيني أنني استعيد الآن ذكراه ونضاله وإصراره.. لكنني ومهما كتبت سأظل مدينا له بالاعتذار هو وللزميل القديم مجدي السكري . وليته يكون حاضرا ويقرأ هذا الاعتذار.