كانت الأهالي قد نشرت الجزء السابق من رسالة المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه في عدد الثامن من ديسمبر، وهو الجزء الذي أنهاه المفكر مناشدا الجميع فلسطينيين وإسرائيليين قائلا إنه من الضروري أن نتمكن من وضع أنفسنا محل الآخر والتفكير كما يفكر، ونستشعر ما يشعر به والعديد من الإسرائيليين خطوا تلك الخطوة، ومنهم علي سبيل المثال جمعيات رجال الفيزياء من أجل حقوق الإنسان»، «وأعضاء بيت السلام والتعايش» وصحفيون مثل «جيدون ليفي» «أميرة هاس»، بل نجم الدولة آلان بورج رئيس الكنيست سابقا، وابنه دايان، وثلاثة وعشرون طيارا فقدوا وظيفتهم لرفضهم المشاركة في عمليات عسكرية في الأراضي الفلسطينية اعتبروها غير أخلاقية.. ويستكمل دوبريه فكرته في الجزء الذي ننشره هنا. في هذا القسم من الرسالة"يشكك "دوبريه" في الأفكار المتفائلة التي يطرحها "إيلي بارنافي" في كتبه ويري فيها أن الولاياتالمتحدة هي من يملك الحل لقضية الشرق الأوسط. فيقول: "إن ما يدعو للخوف علي إسرائيل لا يتسبب فيه مسألة النووي الإيراني ولا قرار المقاطعة من جامعة الدول العربية أو حركة عدم الانحياز فكل ذلك لم يكن له تأثير علي إسرائيل مثل 250 قرارا أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة التي لم تعتد بها. فالخوف هو حدوث تحول من قبل الولاياتالمتحدة عن المساندة المطلقة والدائمة لإسرائيل بناء علي اعتباراتها ومصالحها الاقتصادية. إذ نادرا ما كانت سياستها الخارجية منفصلة عن مصالحها الداخلية. وأن هذه المخاوف قد يكون لها مبررها مع تزايد الهجرة الآسيوية ومن أمريكا اللاتينية للولايات المتحدة. ويتطرق لانتخاب "اوباما" الذي يعتبره "بارنافي"، في كتاباته، الأمل في التوصل لسلام أمريكي. يقول "دوبريه": "في قلب الجاليات اليهودية في العالم، بما في ذلك فرنسا، يخيم الشك في باراك حسين اوباما الخائن بالقوة (الاحتمالية)". وأنت، "إيلي" تقول: "إسرائيل لا يمكن أن تنقذ نفسها بنفسها. فالصهيونية كانت حل قومي للمسألة اليهودية إلا أن هذا الحل خلق مشكلة عالمية تفوق طاقتكم وقدراتكم. فالمعضلة تستدعي تدخل وسيط يطيعه كل من الطرفين (العربي والإسرائيلي) ولو لزم أن يقوم هذا الوسيط بلي ذراع الطرفين. وأن الوحيد الذي بإمكانه القيام بهذا الدور هو الولاياتالمتحدة. أي أن يتوصل إلي أن يعيد طرف الأراضي المحتلة وأن يقبل الآخر حق الوجود الإسرائيلي كأمر واقع لكي ينعم كل من الطرفين بالبقاء. غير أن إحساسي متزايد بشأن فكرة"الدولة المنقذ". فالرجل "اوباما" لديه نوايا طيبة وانفتاح وإحساس بالآخر وقدرة علي الإنصات.. نعم. أما قدرة علي الفعل.. لا. ولا يرجع ذلك لاحتياجه للكونجرس لكي يمرر الإصلاحات الداخلية وأن تهمة معادة السامية تحوم حوله وإنما لأن يديه مقيدتان بما وضعه من أسس الآباء المؤسسين للولايات المتحدة." ويوافق" دوبريه" مبدئيا علي ما يقول به "ايلي بارنافي"، في كتاباته، من أن من مصلحة الولاياتالمتحدة الحفاظ علي صداقتها بالعالم الإسلامي "من أجل بتروله وممراته المائية ورؤوس أمواله". إلا انه يشكك في كفاية المصالح المادية كعامل حاسم في العلاقات الدولية. ففي تصوره أن الأساسي هو حدوث تغير في الحالة العقلية أو الذهنية إذ أن التصورات التي تتشكل لدينا هي التي تحدد طبيعة سلوكنا. أوروبا تمتنع وينتقد كل من أوربا والولاياتالمتحدة حيال سياسة الشرق الأوسط وعدم العمل للتوصل لحل فيقول: "فأوروبا، غير المؤمنة، تمتلك موضوعيا الوسائل العسكرية والمالية والقانونية وبيدها الحل إلا أنها لا تتخذ الخطوة للتنفيذ بسبب "وعيها التاريخي التعس" حيال اليهود خاصة أثناء الحرب العالمية الثانية. أما الولاياتالمتحدة، المؤمنة، فهي لا يمكنها حتي مجرد مشيئة فرض حل نتيجة "اللاوعي أو اللاشعور التاريخي" الذي يخصها ويحمل أسمه متجسدا في "العهد القديم". فالخلاصة أنه من سوء الحظ أن الأكثر تأهيلا للتدخل غير متاحين." ويحلل "دوبريه" بشجاعة تأثير اللوبي اليهودي الأمريكي في سياسة الولاياتالمتحدة الخارجية فيقول: "فلا يجب التغاضي عن العلاقة ذات الخصوصية التي تربط بين إسرائيل والولاياتالمتحدة والتي لا تحتاج لعقد اتفاقيات خاصة. إذ ان "ايباك"، (لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية) أو اللوبي اليهودي، يتمكن من جمع نصف أعضاء الكونجرس (البالغ عدد أعضائه 300 عضو) سنويا ليستمعوا إلي كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي التي تبث مباشرة. "فالايباك" هو الذي يحدد لأعضاء الكونجرس سياستهم ويكتب نصوص القوانين ويقدم لهم الشيكات. فالسيطرة علي الكونجرس ليس بالأمر الذي يمكن إهمال أهميته." ويرجع "دوبريه" العلاقة الحميمة بين مسيحيي الولاياتالمتحدة واليهود إلي فترات نزوح المسيحيين من بريطانيا لاستعمار "العالم الجديد" فيقول: "تحالفكم لا انفصال فيه ويعود للقرن السابع عشر مع هجرة من انفصلوا عن الكنيسة الانجليزية." ولكن النتيجة الراهنة هي أنه "من ناحية تبعدكم ذاكرتكم للمحرقة عن العالم القديم وعلي النقيض لا مشاكل بينكم وبين العالم الجديد" ويضيف ساخرا: "فمن الأفضل الاعتماد علي الرب من الاستعانة بالقديسين." ثم يدلل علي ما قدمه بقوله: "فمدينة نيويورك هي أول مدينة يهودية في العالم وهي مدينتكم. ولقد كتب "جون مارشايمر" و"ستيفان فالت" كتابا موثقا يظهران فيه عبثية سياسة الولاياتالمتحدة الخارجية التي تضحي بمليار مسلم من أجل 14 مليون يهودي في العالم." (صدر كتاب "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة في 2007). ويقيم "دوبريه" مقارنة بين هجرة مسيحيي أوربا ويهود العالم وكأنهما يحققان ذات الحلم ويصل لاستنتاج سوف يثير غضب اليهود عليه إذ يقول: "آلاف الانجليز المتطهرين عبروا المحيط، مثلما عبرتم انتم البحر الأحمر، لبناء "أورشليم الجديدة" وألف مدينة أمريكية علي الأقل تحمل اسما توراتيا. فأنتم الأصل وهم الصورة. وربما تصبحون في يوم قريب "محمية" سياسية عسكرية ولكن بيدهم القوة وبيدكم السلطة." و"فأمريكا هي إسرائيل الكبري التي نجحت وإسرائيل هي أمريكا الصغيرة التي تمر بمرحلة معاناة صعبة للنجاح. ولكن المشترك بينكما هو عدم الالتزام بتقديم كشف حساب لأحد إلا للرب في الأعالي." ويقارن بين ما يطمح فيه كثير من اليهود المتشددين وبين ما حدث في القارة الجديدة فيقول:"لقد تم ترحيل آلاف الهنود في 1830 بقرار من الكونجرس ولم ترمش عين علي تلك المأساة. أما بالنسبة لكم فالأمر صعب "فهنودكم" كثيرو العدد والكاميرات في كل مكان." لقد أجهضت عملية السلام بعد اتفاق "أوسلو" برغم ان الفلسطينيين لكي يكون لهم دولة وافقوا علي تنازلات متعارضة مع مبادئ الأممالمتحدة التي تنص علي حقهم في استعادة الأراضي التي تم احتلالها بالقوة. بل من حينها توسع احتلالكم أكثر وزاد عدد الحواجز والمستوطنات والمساجين. وسبب هذا الفشل راجع لعدم وجود آليات للإشراف وتنفيذ للاتفاق ومعاقبة المخالفات فور وقوعها." حل عرفات التاريخي ونضيف إلي ما يقوله "دوبريه" أن "شيمعون بيريز" اعترف بحجم التضحية التي قدمها الشعب الفلسطيني غداة وفاة ياسر عرفات في مقال نشر في صحيفة "لوموند"، في 12 نوفمبر 2004 ، حيث كتب: "منذ أصبح عرفات قائدا، فتح الباب لحل تاريخي مع إسرائيل، أي تقسيم الأرض لدولة إسرائيلية ودولة فلسطينية. فبرهن علي شجاعته بالتخلي عن الماضي. لقد وافق علي تنازلات مؤلمة مع إسرائيل بالموافقة علي أن تكون الحدود هي حدود 1967 وتخلي عن خريطة تقسيم 1947 للأمم المتحدة بناء علي القرار 181 الذي رفضه الفلسطينيون حينها.. قبل عرفات التغيير الذي حدث علي أرض الواقع. ولكنه لم يقبل أن يذهب أبعد من ذلك. فعندما كان عليه أن يختار بين حب شعبه وبين أن يعيش هذا الشعب في ظروف أفضل اختار للأسف حب الشعب. فلم يكن مستعدا لقبول قرارات لا يمكنه الدفاع عنها أمام شعبه لأنها من وجهة نظره قابلة للنقاش".. ويقول "دوبريه": "إن أمريكا تنظر للعالم بعيونكم فهناك مغالاة في القرب بينكما ولذلك فإن الغرب لا يخدمكم لأنه يشعر ويفكر مثلكم أيا كان الخطاب الذي يقوله للاستهلاك أمام الرأي العام." ويستنتج: "فحين يصبح هذا العالم عالما خارجيا بالفعل ويكف عن "التآمر" معكم سيصبح مفيدا لكم ويمكنه أن يقدم لكم خدمة حقيقة. فالولاياتالمتحدة يمكنها للضغط تجميد التأمينات المصرفية الإسرائيلية ففي هذا ما هو كاف للتوصل لنتيجة." ويحلم "دوبريه" ويدرك أنه يتوهم إذ يضيف: "وإذا ذهبنا ابعد فبإمكان الولاياتالمتحدة تشكيل قوة عسكرية دولية علي حدودكم قيادتها في مكتب الرئيس الأمريكي مباشرة وأن تكون لتلك القوة العسكرية الصلاحية لفتح النيران علي الجنود الإسرائيليين في حال المخالفة. فهل يمكن تصور ذلك دون ان يتصبب العرق علي الجباة ؟ فهو ليس بقتل الأخ وإنما قتل للأب !" ويستشهد ساخرا مما يحدث في لبنان: "لقد ظلت قوات حفظ السلام في لبنان في حالة شلل لمدة أسبوع عندما عبرت "بقرة" إسرائيلية الحدود ولا يجرأون إطلاق النار عليها ؟ ودور هذه القوة مراقبة ومنع اختراق الأجواء الجوية ولكنها تسلك بنفس الطريقة. فلو تجرأ جنرال فرنسي من قادتها وأعطي الأمر بالتصدي لقاذفة إسرائيلية أو عربة مصفحة سوف يقال، في ذات اللحظة، من منصبه."