"إلي صديق إسرائيلي "فتح الكاتب والفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبريه علي نفسه وابلا من الانتقادات بعد ان نشر كتابه الأخير بعنوان: الي صديقي الاسرائيلي. ينتقد فيه الدولة الاسرائيلية وسياساتها في الشرق الاوسط.. وهو الموضوع الشائك الذي يعتبر من المحرمات في فرنسا او في أي مكان آخر, حيث انتقاد دولة اسرائيل يعتبر في نظر اليهود تعبيرا عن معاداة السامية وهي جريمة يقع المتهم بها في فرنسا تحت طائلة القانون كما حدث مع الخبير السياسي باسكال بونيفاس مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بعد نشره قبل عدة سنوات كتاب' هل يحق لنا انتقاد اسرائيل'. لذلك عندما قرر الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبريه توجيه انتقاد الي الدولة الاسرائيلية وممارساتها ضد الشعب الفلسطيني وموقفها المتشدد الرافض من عملية السلام كان مدركا تماما النتائج التي ستترتب عليه ولذلك وضعه في إطار عتاب وليس انتقادا في كتاب جديد صدر قبل شهرين في فرنسا بعنوان' الي صديقي الإسرائيلي' وريجيس دوبريه استاذ فلسفة في جامعة مولان, وتولي رئاسة المعهد الاوروبي للعلوم والديانات حتي عام2004 وبعدها اصبح رئيسا شرفيا له. عاش دوبريه حياته يناضل من اجل الحق الانساني في كوبا وبوليفيا مع تشي جيفارا قبل عودته النهائية الي فرنسا في السبعينات, وفي التسعينات وبداية الالفية عمل مع الرئيس السابق جاك شيراك الذي اوفده الي الشرق الاوسط, لبحث امكانية فكرة التعايش الديني. ولان ريجيس دوبريه اختبر الواقع علي ارضه في الشرق الاوسط ولأنه يري ان انكار الواقع ونشر المغالطات جعل الغموض يكتنف الوضع الحالي الاسرائيلي في نظر الفرنسيين قرر الفيلسوف الفرنسي توجيه رسالة الي' صديقه الاسرائيلي' ايلي بارنافي السفير الاسرائيلي السابق في فرنسا من خلال كتاب يحذره فيه من ممارسات بلاده ضد الحق الفلسطيني وذلك من اجل:' ان اكون متسقا مع نفسي ومع ما رأيته هناك'. ومن خلال لغة فرنسية راقية وأسلوب عتابي رقيق كان رد دوبريه علي صديقه بارنافي الذي القي مسئولية الحل السلمي في الشرق الاوسط علي الولاياتالمتحدة اذ قال في كتاب له بعنوان' اليوم.. او لن يحدث ابدا' ان فقط' التدخل الامريكي ووساطة رئيسها باراك اوباما سوف يكون من شأنه فرض الحل الوسط علي مختلف الأطراف المتصارعة'. ولكن دوبريه اكد لصديقه ان اسرائيل هي التي تتحمل المسئولية الكاملة لتوقف عملية السلام وقال:' ان استمرار الوضع الحالي يعني أن اسرائيل هي التي ترغب في ذلك.' التوحد الاسرائيلي كما انتقد دوبريه السياسيين الاسرائيليين ووصفهم بأنهم' اصيبوا بالتوحد' لانهم لا يريدون ان يعرفوا ما يحدث خلف الجدار العازل الذي أقاموه بينهم وبين الفلسطينيين. هذا الجدار الذي وصفه دوبريه بانه بمثابة' العصابة التي تغطي العيون' لأنها تمنح الامن النفسي والجسدي. فيفصل الجدار المزارعين عن ارضهم والتلاميذ عن مدارسهم والمرضي عن المستشفيات والايتام عن الملاجئ المسيحية ولكن هذا الجدار يفصل ايضا' أنظاركم عن كل هذا'. وذلك يعطيكم الاحساس بالراحة. ويمضي دوبريه قائلا: ان' الدولة القلعة التي نشأت وتعيش تحت حماية الجيش تعني شيئا واحدا وهو انها ضعيفة... فرغم ان اسرائيل اصبحت' قوة الردع الاولي في المنطقة وساحة اختبار للتكنولوجيا المتقدمة للقوة المفرطة يدعمها ستار من الصواريخ المضادة للصواريخ علي أحدث طرز' الا انه يعكس احساسها بالضعف خاصة امام الهجمات الانتحارية.. وامام الصواريخ التي مازالت في طور البدائية. هذا التفاوت الكبير يدفع دوبريه لأن يقول:' يصاب المرء بالانفصام عندما يمر بشرق بيروت ليري ما تبقي من مخيمي صبرا وشاتيلا او بجنوب لبنان حيث يري العشرات من الاطفال التي بترت اطرافهم بسبب القنابل العنقودية التي مازالت مدفونة في الارض او بحجرات التعذيب في خيام حيث كان يعمل أتباعكم او بقنيطرة عند سفح الجولان بعد ان دمرت, او المخيمات الاردنية وعندما نصل الي تل ابيب نشعر وكأننا اصبنا بانفصام ففي تل ابيب يعيش المواطنون في أمان يتناقشون في المقاهي العديدة كيفية انقاذ طفل الجيتو في وارسو ببولندا' االطفل اليهودي الذي عاش في بولندا تحت الاحتلال النازي قبل اكثرمن ستين عاما. ويذكر دوبريه كيف انه في الوقت الذي كانت القوات الاسرائيلية تقصف غزة بأسلحتها البحرية والجوية والمدفعية وتحولها الي ساحة من الدمار, يطل السفير الاسرائيلي في فرنسا علي شاشات التليفزيون لينعي حجم الخسارة التي تتكبدها اسرائيل من قصف صواريخ قسام والرعب الذي اصاب اطفال اسرائيل وهم يهرعون الي المخابئ ولكن الاحصائيات تؤكد انه خلال عشر سنوات وبالتحديد منذ عام2000 قتلت صواريخ قسام13 شخصا في اسرائيل منهم أثنان عرب وواحد من تايلاند. بينما قتلت الطائرات الاسرائيلية خلال فترة الهدنة عام2008 من يونية وحتي ديسمبر وخلال غارتين استمرت كل منهما ثلاث دقائق فقط16 مواطنا من غزة ومع اندلاع الحرب ضد غزة في2009 وفي مواجهة بين الجيش النظامي والقوات غير النظامية قتل1450 فلسطينيا منهم410 طفلا و104 إمرأة مقابل مقتل13 اسرائيليا! المنطقة المحرمة ثم غامر دوبريه فدخل المنطقة المحرمة وهي ذكري' المحرقة' فقال:' ان المأساة في الشرق الاوسط تكمن في ان الشارع العربي لا يري رغبة اليهود في عودتهم الي اسرائيل بينما الشارع اليهودي وشارع فرنسا ايضا لا يري الا الرغبة في العودة'.. وأكد مرة اخري قائلا:' ان اساءة استخدام الذكري لن يسمح بالتعرف علي التاريخ الحقيقي وبمواجهته لان الاحساس بانهم ضحايا يغطي علي الاحساس بالمسئولية'.. وعن المجتمع الاوروبي يقول دوبريه:' بالنسبة لنا نحن الاوروبيين فان الخطر يكمن في شعورنا بالندم اكثر من التجاهل'..' لم يعد من الممكن اقامة تحليل نقدي او تحقيق دقيق.' وينصح دوبريه اصدقاءه اليهود فيقول:' من غير الممكن اختزال التاريخ الطويل والثري لليهود في عملية القتل الجماعي الذي ارتكبته النازية.' ويوجه دوبريه نظر صديقه الاسرائيلي الي الخطر الحالي الذي يواجه مجتمعا منقسما الي قسمين: مجتمع أممي, ومجتمع آخر عالمي وتقدمي. وقال دوبريه ان البلاد مهددة بان تصبح دولة استعمارية فهي تستغل واجب الذكري الذي يسمح لها بارتكاب اليوم اعمال خطيرة دون ان ينالها العقاب. وبسبب محاولة ريجيس دوبريه ان يقوم بتحليل موضوعي وتحقيق دقيق فتح علي نفسه أبواب جهنم, ووابلا من الانتقادات من فرنسا.