لم يهطل المطر كعادته علي معظم المناطق السورية حتي مطلع الشهر الحالي، وكان بادياً أن هذا العام سيكون شديد الجفاف، وستكون نتائجه صعبة جداً علي الشعب السوري والحكومة السورية، ذلك لأن نصف الشعب السوري يعيش في الأرياف ويعتمد في عيشه علي الزراعة وتربية الحيوان وتوابع هذين المصدرين، وأن ثمانين بالمائة من الزراعة السورية تعتمد علي الأمطار، إذ لم تعد الأنهار (نهر الفرات، نهر العاصي، نهر بردي.. وغيرها) ذات فعالية أو جدوي في ري المزروعات مثلما كانت من قبل، كما جف قسم كبير من الآبار الارتوازية بسبب شح المياه الجوفية، وفي الخلاصة كان واضحاً أن انقطاع الأمطار سيزيد الحال سوءاً ويؤدي إلي نتائج ربما تكون كارثية. وقد دعا الرئيس بشار الأسد الشعب السوري لإقامة صلاة استسقاء يوم الجمعة الأول من شهر كانون الأول/ ديسمبر الحالي، يطلبون فيها الغيث والمطر، وهذا تقليد معمول به في بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية. ألقي الشيخ محمد سعيد البوطي وهو أهم رجال الدين السوريين (شهرة وشعبية واحتراماً من المؤمنين) كلمة قال فيها إن الله لن يرسل المطر، وسيزداد الجفاف جفافاً، وعلي الناس ألا ينتظروا الغيث، ذلك لأن الله سيعاقبهم علي سلوكهم المخالف للشريعة وبعدهم عن الدين، ولن يرحمهم بالمطر فهم من القانتين، ونظراً لإيمان المؤمنين بصدق رؤيا الشيخ البوطي، وصدق تحليله وتأويله، فقد غمرهم التشاؤم ما أن سمعوا خطبة الشيخ، وهيأوا أنفسهم لاستقبال عام جاف لا زرع ولا ضرع فيه، وأكدوا بأحاديثهم بعد الخطبة ما قاله الشيخ من أن الناس ابتعدوا عن الشريعة، وأن الهرطقة والزندقة عمت واتسعت، وبعد الناس عن الدين ظاهر للعيان، وبالتالي تقبلوا ما قاله الشيخ دون نقاش، ودون أن يشغّلوا عقولهم، أو يهتموا بمعرفة أسباب المطر وآلية هطوله، وبالقوانين التي تبخر الماء من البحر وتجمعه غيماً ثم تسقطه مطراً. لسوء حظ الشيخ وحظ من قال بقوله، بدأ هطول المطر في اليوم التالي مباشرة لخطبة الشيخ، وكان مطراً غزيراً ثم ثلوجاً، بحيث هطل في يومين من الأمطار بقدر نصف ما هطل في موسم الشتاء الماضي بكامله. ووقع الشيوخ الذين قالوا مثلما قال الشيخ البوطي وأتباعهم في حيص بيص، فكيف يبررون خطأ رؤيا الشيخ البوطي باليوم السابق التي أكدت أن الأمطار لن تهطل، وأن صلاة الاستسقاء لا فائدة منها، وأن الله لن يغيث الناس بسبب فسقهم وفسادهم وقلة إيمانهم. استغل بعض الإعلاميين السوريين الفرصة كي ينتقدوا مثل هذه الخطبة، ويفندوا ما جاء به الشيخ البوطي دون أن يسموه، وحاولوا أن يقنعوا المتلقين بأن لاعلاقة لهطول المطر بالإيمان، وإلا لماذا يسقط المطر علي البلدان الأوروبية الكافرة بكميات كبيرة، مع ان سكانها ليسوا مسلمين ولا مؤمنين بل ولا متدينين؟. وفي الواقع وجدها بعض الصحفيين السوريين فرصة لانتقاد الشيخ البوطي حيث ممنوع عليهم انتقاده في الأحوال العادية. واستغلها بعض المثقفين ليتحدثوا في أوساطهم عن قوانين تشكل المطر وسقوطه بمعزل عن الإيمان والكفر، ولينوهوا بأن رجل الدين هذا طالما ابتعد عن الحق وعن صحيح الدين، وساهم أحياناً في تزوير العقل ونشر الخرافة، ومع ذلك يفتح له التليفزيون السوري أبوابه لمدة ساعة أسبوعيا، بينما لا يسمح لأي مثقف متنور أن يقول شيئاً عن الحداثة والعلمانية وغيرهما بطريق قنواته، ثم جددوا استنكارهم لمهادنة الدولة لرجال الدين ولتقديم الامتيازات لهم في الوقت الذي يدعي النظام أنه نظام علماني. اما أنصار الشيخ، فقد أخذوا يؤكدون أن الله يرسل المطر إذا تاب الناس عن أخطائهم ، واقتربوا أكثر من الدين، ووظفوا ما يملكون من مواقع إلكترونية وبعض الإذاعات الخاصة، ليرووا عشرات القصص والأحاديث النبوية والأحداث التاريخية التي تؤكد ذلك، وبالتالي فقد رأوا أن الارتباط بين حسن الإيمان وهطول المطر صحيح من حيث المبدأ لكنهم اعترفوا بمغالاة الشيخ البوطي وفسروها بأنها (زلة لسان) بالغت في التحليل والتوقع.. النتيجة التي لا جدال فيها هي أن معظم الناس كونوا رأياً جديداً تجاه فعالية صلاة الاستسقاء واعتبروها مجرد دعاء إلي الله طلباً للرحمة.