قرر (الكنيست مجلس النواب) الإسرائيلي في الأسبوع الماضي عدم الانسحاب من الأراضي السورية المحتلة ومن القدس، إلا بتحقيق أحد شرطين : أولهما تصديق 81 نائباً علي قرار الحكومة، أي ثلثي أعضاء مجلس النواب البالغ 120 نائباً زائد واحد، وثانيهما تصديق (61) نائباً مع إجراء استفتاء شعبي علي هذا الانسحاب والموافقة عليه. ويشير المطلعون علي السياسة الداخلية الإسرائيلية وتياراتها وأحزابها وشئونها ومصالح هذه التيارات والأحزاب ومصالح السياسيين ، إلي استحالة الحصول علي موافقة ثلثي مجلس النواب أو النجاح بأي استفتاء يحصل، بالنظر لتنامي موجة المد اليميني الإسرائيلي المتطرف في السنوات الأخيرة والأيديولوجيا المتعصبة وسيادة مناخ المزايدات في الداخل الإسرائيلي، وطغيان التصرفات اللامسئولة بين السياسيين، وإطباق العمي علي عيونهم وقصر نظرهم، وانشغال قادة إسرائيل بالتكتيك، والمباراة لكسب الشعبوية، والتفاخر بأعمال (البلطجة)، إضافة للمسألة القديمة الجديدة في الصراع العربي الإسرائيلي وهي اختلال ميزان القوي واعتقاد الإسرائيلي العادي أنه لن تقوم للعرب قائمة بعد الآن، وأن إسرائيل ستبقي مهيمنة علي المنطقة إلي أمد غير محدود . ولهذا كله، فإن الرأي العام الإسرائيلي سيرفض الانسحاب من الأراضي السورية المحتلةوالقدس إذا أجري الاستفتاء، وبالتالي فإن أي حديث عن إمكانية هذا الانسحاب هو حراثة في البحر، وقد أدرك جميع المراقبين والمحللين السياسيين والمطلعين علي الشأن الإسرائيلي الداخلي، أن قرار (الكنيست) هذا هو نهاية لأي أوهام كعقد تسوية سورية إسرائيلية، أو فلسطينية إسرائيلية في حال بقيت السلطة الفلسطينية متمسكة باستعادة القدسالشرقية. ثراء الجولان تبلغ مساحة الأراضي السورية المحتلة (الجولان) حوالي (1200كم2)، تضم (164) قرية و(146) مزرعة، هدمت إسرائيل منها بعد احتلالها (131) قرية و (112) مزرعة ومدينتين. والجولان منطقة مطيرة وغنية بالمياه (تمتلك 14% من المخزون المائي السوري بينما لاتتعدي مساحتها 0.65% من مساحة سورية وفيها 431 ألف دونم من الأراضي المشجرة بالأشجار المثمرة، ومساحات واسعة من السهول الخصبة ، وقد استغل الاحتلال الإسرائيلي معظم هذه الأراضي سواء للزراعة أو للصناعات الزراعية، وأقام بها (34) مستوطنة، يسكنها نظرياً (19000) مستوطن، إلا أن قسماً كبيراً منهم لايعيش في الجولان وسجل نفسه مستوطنا ًليتقاضي التعويض الذي تقدمه الحكومة الإسرائيلية للمستوطنين.ومقابل هذا العدد يقيم فيها (20) ألفاً من السكان السوريين الباقين في الجولان. في الشهر الأخير من عام 1981 قدمت حكومة مناحيم بيجن (للكنيست الإسرائيلي) مشروع قرار سمته (فرض القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية علي الجولان) أي ضم الأراضي السورية المحتلة لإسرائيل دون البوح بكلمة ضم، وقد رفض السكان السوريون الباقون في الجولان في أربع قري الهوية الإسرائيلية التي قدمت إليهم بعد هذا القرار وأصروا علي هويتهم السورية، ورغم العذابات التي أوقعها الجيش الإسرائيلي بهم كزيادة الضرائب والرسوم ومنعهم من زراعة أرضهم ومن السفر وملاحقتهم واعتقالهم (دخل السجون الإسرائيلية 4% من سكان الجولان)، وغير ذلك من مضايقات جيش الاحتلال ومعسكراته التي تتجاوز 60 معسكراً. لم يكن أحد من الإسرائيليين العاديين ولا السياسيين ولا أعضاء الحكومات المتتالية مقتنع بجدية هذا الضم، ولذلك عندما جرت مفاوضات سورية إسرائيلية في تسعينات القرن الماضي وافق إسحاق رابين بسهولة علي الانسحاب من الأراضي السورية المحتلة ولم يقف عند قرار الضم، وكان الخلاف مع الجانب السوري يتركز حول 44كم2 شرق بحيرة طبرية.والأمر نفسه تكرر أيام حكومة إيهود باراك عام 2000. المياه لا الأرض تزود الأراضي السورية المحتلة (الجولان) بحيرة طبرية بثلث مياهها، وتعتبر مياه الجولان بالنسبة لإسرائيل أغلي من أرضه، وقد وافقت سورية خلال المحادثات مع حكومة رابين وحكومة باراك علي عدم تحويل مياه الجولان ، وكانت الخلافات تتمحورحول مساحة المناطق المنزوعة السلاح والتطبيع والمدة التي ينبغي فيها تبادل التمثيل الدبلوماسي قبل إتمام الانسحاب أم بعده .... وفي الحالات كلها رفضت سورية بالمطلق عقد اتفاقية تسوية مشابهة لاتفاقيات كامب ديفيد أو وادي عربة، إضافة للخلافات الأخري علي حدود الانسحاب (تصر سورية علي الانسحاب حتي حدود 1923، بينما لم تقبل إسرائيل إلا بانسحاب لحدود الهدنة 1949) وغير ذلك. بديهي أن القرار الإسرائيلي بضم الجولان مخالفا للقانون الدولي وهذا ما قرره مجلس الأمن عام 1981، واستطراداً فإن قرار الاستفتاء مخالف كذلك، فضلاً عن استحالة قبول الحكومة السورية التخلي عن متر واحد من الجولان، فعلي ماذا يمكن أن تتم المفاوضات بعد الآن والحكومة الإسرائيلية التي ستفاوض ليس لها حق القرار؟. ولذلك يري المسئولون السوريون عبث أي مفاوضات بعد الآن لا بواسطة تركية ولا أمريكية ولا غيرها ، فقد سدت إسرائيل طريق التسوية . ويقتضي منطق الأمور البحث عن شروط جديدة تغير مسار الصراع السوري الإسرائيلي وتخلق توازناً جديداً قد يوصل إلي تسوية مقبولة.