لا يولي مرتكبو الجرائم فى العادة، الاعتبار الواجب لأصحاب الضمائر الذين تقودهم ضمائرهم الحية لتسليط الضوء علي تلك الجرائم، وتوجيه اصبع الاتهام لمرتكبيها مهما علا شأنهم، وبصرف النظر عن حسابات المكسب والخسارة الشخصية طالما كان القصد نبيلا وهو الدفاع عن قدسية الحياة الإنسانية، وقول الحقيقة، أيا كانت مرارتها وقسوتها، ومهما بلغت النتائج التي تترتب عليها. وبعد ثماني سنوات من العمل فى مواقع مختلفة من هيئة الأممالمتحدة، وثمانية أشهر من العمل كمتحدثة باسم بعثة قوات حفظ السلام فى دارفور المكونة من هيئة الأممالمتحدة وقوات من الاتحاد الافريقي والمعروفة باسم «يوناميد» قررت الدكتورة «عائشة البصري» المغربية التي تحمل الجنسية الأمريكية، أن تستقيل من موقعها الوظيفي، الذي يعد واحدا من أرقي الوظائف الدولية، من حيث الرواتب والنفوذ والمكانة التي يحصل عليها العاملون بها، وفي حوار لها مع صحيفة الشرق الأوسط قالت الدكتورة عائشة «قرار استقالتي كان صعبا، ليس للتخلي عن عمل مهم وراتب لم أكن أحلم به، وامتيازات دبلوماسية وحياة مرفهة، بل التخلي عن الأممالمتحدة التي خذلتني وخذلت أهالي دارفور، فكان من الواجب أن اخذلها، حين قررت فتح ملفاتها للغرباء». وكانت «عائشة البصري» قد أمدت مجلة «فورن بولس» الأمريكية منذ استقالتها فى ابريل من العام الماضي بعدد من الوثائق السرية التي تفضح صمت بعثة «يوناميد» الدولية وتواطؤها مع الحكومة السودانية والحركات المسلحة ضد المدنيين فى اقليم دارفور الذي تدخل فيه الحرب الأهلية عامها الحادي عشر. وفي التاسع من ابريل الحالي نشرت عائشة البصري مقالا فى نفس المجلة قالت فيه «باعتباري عربية افريقية مسلمة، أرفض أن أظل صامتة، فى الوقت الذي يقتل فيه باسمي مدنيون أبرياء، ولقد اخترت أن أنهي مسيرتي المهنية فى الأممالمتحدة لأجل استعادة حريتي فى التحدث». تحدثت «عائشة البصري»: ففضحت الدور الذي تلعبه هيئة الأممالمتحدة وأمينها العام بأن كي مون فى اخفاء الحرب البشعة ضد المدنيين فى دارفور عن انظار العالم، والتستر علي جرائم الحكومة السودانية التي يرتكب جنودها جرائم اغتصاب للنساء واعتداء علي الاطفال والرجال ونهب الممتلكات وتدمير المزارع لمجرد الاشتباه فى تأييدهم للقوي المسلحة، واختفاء مصطلح ميليشيات الجنجويد السيئة السمعة من تقارير بعثة حفظ السلام، واعتراف رئيسها بأنهم لا يستطيعون قول كل ما يرونه فى دارفور ضمن التقارير، واختطاف عمل البعثة من قبل اشخاص قلائل لديهم أجندات لا تتفق مع عملها ولا مع مصالح أهالي دارفور، وتزييف الحقائق عبر شبكة من الأكاذيب التي تنسجها المؤسسات التابعة للأمم المتحدة فى دارفور بما يضلل الحقائق ويشكل انتهاكا للسياسة الإعلامية للهيئة الدولية، فيجري الحديث عن ضربات جوية، بدلا من القصف العشوائي للمدنيين، والحديث عن العنف القائم علي نوع الجنس بدلا من الاغتصاب الممنهج للنساء. هكذا تتستر هيئة الأممالمتحدة والمجتمع الدولي علي الجرائم البشعة التي لاتزال ترتكب ضد المدنيين فى دارفور مكافأة للحكومة السودانية على تسهيلها انفصال الجنوب، وتيسيرا لتدفق مليارات الدولارات علي قوات حفظ السلام فى دارفور، التي لم يعد من مصلحتها وقف الحرب الأهلية فى الاقليم. تصف عائشة البصري عملها الجسور الذى يوجه اتهاما صريحا للهيئة الدولية بارتكاب جرائم عمدية قائلة : لقد فقدت وظيفة فحسب، لكن عددا لا يحصي من أهالي دافور لايزالون يفقدون حياتهم، وهي تدعو المجتمع الدولي للتدخل لمساءلة الجناة وبسط السلام فى ربوع الاقليم فهل من مجيب؟!