عندما تنطق قناة الجزيرة بلسان المشروع الأمريكي الصهيوني.. فإنها لا تفعل ذلك دفاعا عن الإسلام.. وإنما هي تدافع عن النظام السياسي في قطر.. قبل أن يتحول إلي النظام الجمهوري! من الطبيعي أن ينجح الشعب المصري في القضاء علي الإرهاب.. وإعداد دستور جديد.. وبناء دولة عصرية تقوم علي تبادل السلطة.. وتحقيق نهضة حقيقية بأحدث وسائل العصر.. ومن الطبيعي أن ينتقل هذا النموذج العصري.. لدولة قطر الشقيقة. وثقتي في قيام هذا النموذج المواكب للزمن في مصر.. تعود لأسباب كثيرة.. أهمها أن جميع التجارب التي حاولت استثمار الإسلام في الوصول للسلطة.. قد فشلت ابتداء من الصومال مرورا بكل منطقة الساحل.. وحتي قطاع غزة. فهي قد فشلت في الجزائر سنة 1989.. بعد أن وقعت الصدامات الدموية بين الجماعات التي تستثمر الإسلام في السيطرة علي مفاصل الدولة.. وبين قوات الجيش الجزائري.. أدت لمصرع أكثر من 200 ألف جزائري. وتفاقمت المشاكل في الجزائر.. بعد أن مارست الجماعات التي تستثمر الإسلام.. السياسة التي كان قد أشار إليها جورج أرويل في قصته الشهيرة «مزرعة الحيوانات» والتي تقوم علي مبدأ.. «أن جميع الحيوانات متساوية.. ولكن بعض الحيوانات متساوية أكثر من غيرها»! وإذا ترجمنا كلمات أرويل.. بمنطق الجماعات التي تستثمر الإسلام لأغراض إجرامية.. فهي تقول إن جميع افراد الشعب يتمتعون بالمساواة.. ولكن فصائل الجماعات التي تستثمر الإسلام.. تتمتع ب «المساواة» أكثر من غيرها. ولا أود الاستطراد في تجارب الفشل التي لحقت بالمجتمعات التي سيطرت عليها عصابات استثمار الإسلام.. لأن ذلك ليس موضوعنا. موضوعنا هو التجربة المصرية.. وتأثير القضاء علي الإرهاب في بلدنا.. وإقامة دولة عصرية.. علي النظام القبلي القائم في الدوحة.. لسبب بسيط هو أن النظام السياسي في قطر.. هو أكثر النظم السياسية في عالمنا العربي هشاشة.. وهي دولة واهية أشبه.. بخيوط العنكبوت. وإنني لا أتحدث هنا عن البنية السكانية.. وعزلة الشعب عن اختيار حكامه.. ولا عن الفساد المروع بين أفراد العائلة الحاكمة.. إلخ.. إنني أتحدث عن الصراع الدائم والأساليب التي يستخدمها أفراد العائلة في الصراع علي السلطة. إن تاريخ دولة قطر الشقيقة مشحون بالمؤامرات وسفك الدماء والخيانة.. وعدم ائتمان الأب للأبناء والشقيق للشقيق.. فالكل يتوقع المكيدة من أقرب الناس إليه.. والحيطان مستورة بأنواع السلاح.. من خناجر وسيوف ورماح.. وفوقها أجهزة التصنت في كل حجرة وزاوية من زوايا السلطة. والقصة طويلة أتناولها باختصار شديد. في سنة 1972.. استولي الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني علي إمارة قطر.. بعد انقلاب أبيض ومؤامرة عائلية علي ابن عمه الشيخ أحمد بن علي آل ثاني.. وتسلم مقاليد السلطة بتأييد من الأسرة الحاكمة ومن الجيش القطري.. ومنذ هذه اللحظة بدأ الصراع حول منصب ولي العهد حيث كان أخوه الشيخ سحيم.. الشريك القوي في الانقلاب يتطلع لولاية العهد.. بل يعتبرها حقا ثابتا له.. وكان يعتقد أنه ليس هناك منافس له.. باعتباره شقيق الحاكم وشريكه في الانقلاب.. إلا أنه سرعان ما اكتشف نوايا الشيخ خليفة لاستبعاد شقيقه الذي كان قد عينه وزيرا للخارجية.. وميله نحو ابنه عبدالعزيز.. الذي كان قد عينه وزيرا للمالية! وبدأ الصراع يتحول من دائرة السر لدائرة العلن.. وجرت العديد من الوساطات العربية لتسوية هذه الأزمة وشهدت قصور قطر العديد من الوساطات لتسوية النزاع وإصدار قرار من الشيخ حمد بتعيين شقيقه الشيخ سحيم وليا للعهد في إمارة قطر التي لا تزيد مساحتها عن 12 ألف كيلو متر مربع! المهم.. أن الصراع بين الشيخ خليفة وشقيقه الشيخ سحيم استمر مدة خمس سنوات.. ظل خلالها منصب ولي العهد خاليا.. حيث كان الصراع يجري بين شد وجذب.. إلا أن ذلك لم يزعزع من تصميم الشيخ خليفة علي استبعاد شقيقه سحيم، من منصب ولي العهد الذي كان سحيم يتصور أنه الأولي به بعد اشتراكه مع شقيقه في الانقلاب الذي صعد بهما لسدة الحكم. وشاءت الأقدار أن يقع حادث أخلاقي للشيخ عبدالعزيز الابن الأكبر للشيخ خليفة.. وذاع الخبر في كل الأوساط.. وأدي ذلك لبقاء منصب ولي العهد لمدة خمس سنوات خاليا إلي أن أصدر الشيخ خليفة قراره بتعيين ابنه حمد بن خليفة آل ثاني وليا للعهد في 31 مايو 1977. والمثير في الموضوع أنه بعد سنوات قليلة من تولي الشيخ حمد منصب ولي العهد.. بدأ يتطلع للإطاحة بوالده إلي أن تحققت له هذه الرغبة سنة 1990 في الوقت الذي بلغت فيه جهود الوساطة التي كان يبذلها حسني مبارك ذروتها حتي اللقاء الغامض الذي جري بينهما في القاهرة في نهاية يناير 1990.. وانتهي بواقعة هي الأكثر غموضا حتي ساعة كتابة هذه السطور.. فبعد أن انتهت المحادثات بين حسني مبارك والشيخ خليفة في القاهرة.. استقل الشيخ خليفة طائرته متوجها إلي جنيف.. وبعد أقل من ساعة استقل حسني مبارك طائرة الرئاسة المصرية متوجها لجنيف.. في رحلة هي الأكثر غموضا.. ونشرت الصحف المصرية أن حسني مبارك طار إلي جنيف لاستئناف المحادثات مع الشيخ خليفة الذي كان قد أقصي عن منصبه بالفعل. ودارت الأيام.. وبدأت بوادر موجات الربيع العربي تهل علي المنطقة.. وبدأ الشيخ حمد بن خليفة يشعر أن النظام القطري هو الأكثر هشاشة والأكثر تعرضا للتآمر العائلي من جديد.. فأسرع بتعيين أكبر أبنائه أميرا للبلاد. وكان الهدف الأول من تنازل الشيخ حمد لابنه.. هو الظهور علي المسرح العربي بوجه جديد، شاب يعطي الانطباع بالتغيير ومواكبة الزمن. بيد أن تنازل الشيخ حمد بن خليفة لابنه عن العرش في حياته.. لم يغير من الواقع.. ولا حتي في العقدة النفسية التي تملكت الشيخ حمد وسيطرت علي تصرفاته منذ سنوات طويلة. كان الشيخ حمد يشعر دائما.. بأنه أمير.. لإمارة صغيرة.. هشة.. ولكيان أدهي من خيوط العنكبوت.. وأنه لن يستطيع تغيير هذا الواقع إلا في حالة واحدة.. وهي أن تلعب قطر دورا علي المسرح السياسي يفوق حجمها.. علي أساس أن الدول تقاس.. علي المستوي الدولي بالدور الذي تلعبه وليس بالحجم.. ولا بعدد السكان.. وبدأ الشيخ حمد يجري اتصالاته بالأجهزة المؤثرة في السياسة الدولية.. وفي مقدمتها المخابرات الأمريكية التي سهلت له القيام بعدة زيارات للمستوطنات الإسرائيلية.. علاوة علي الدور الذي لعبته قناة الجزيرة لتسويق السياسات الإسرائيلية في العالم العربي.. بالإضافة إلي تمويل أنشطة الاتحاد الدولي لعلماء المسلمين الذي يرأسه الشيخ جوزيف القرضاوي إلخ. وهكذا بدأ الشيخ حمد يشعر بأن لديه علاقات دولية تخفف لديه عقدة صغر حجم الإمارة التي يرأسها.. وبدأ يلعب أدوارا لا تتماشي مع كون إمارته إمارة عربية.. ولا كونها عضوا في جامعة الدول العربية.. ولا حتي اعتبار الشعب القطري هو جزء من حركة الشعوب العربية ككل. وهكذا بدأت قطر تنفصل تدريجيا عن أحلام الشعوب العربية المشروعة.. وتقف عن طريق قناة الجزيرة إلي جانب مصالح القوي التي تساند الشيخ حمد. واستمر الحال علي هذا المنوال.. لسنوات طويلة.. أثارت فيها البرامج التي تبثها قناة الجزيرة العديد من علامات الاستفهام.. والتعجب.. ووصل هذا الدور ذروته بوصول جماعة الإخوان الإرهابية لسدة الحكم في مصر.. الأمر الذي كان يعد انتصارا للمشروع الأمريكي الصهيوني. وقفت قناة الجزيرة تصفق وتهلل.. وهرولت فأجرت حوارا مع محمد مرسي.. واستمرت تقدم الحوارات مع قادة الجماعة الإرهابية.. من أجل النصب والاحتيال. كان نجاح جماعة الإخوان الإرهابية في الوصول للسلطة في مصر.. نجاحا للمشروع الأمريكي الصهيوني.. وبالتالي فوزا كبيرا.. لرهان الشيخ حمد.. في أن تصبح الدوحة.. هي عاصمة الأمة العربية. إلا أن هذه الأحلام لم تتحقق بعد اندلاع ثورة 30 يونيو 2013 ونزول أكثر من 30 مليون مصري إلي الشوارع والميادين يطالبون بالقبض علي رئيس الجمهورية محمد مرسي ومحاكمته بتهمة الخيانة العظمي.. والتخابر. وسقط نظام جماعة الإخوان الإرهابية في مصر وأعاد الجيش المصري الباسل.. للهوية المصرية هيبتها.. وسقطت في الوقت نفسه أحلام الشيخ حمد.. بأن يصبح زعيما للأمة العربية.. ومحركا لمقاديرها.. ومن بينها مقادير ومستقبل الشعب المصري.. ذاته! وهكذا فشل الرهان. وسقطت أحلام وأوهام الشيخ حمد. وانقلبت الآية.. بانتصار الشعب المصري.. وتحرير إرادته.. وأصبحت التوقعات كلها تدور حول مصير النظام الحاكم في قطر.. وهل يمكن أن تتحول إمارة قطر في ظل ترتيب الأوضاع الجديدة.. إلي النظام الجمهوري؟ سؤال.. يدخل الآن في الحسابات العربية وستجيب عنه السنوات القادمة. ولذلك فعندما تبث قناة الجزيرة تسجيلا صوتيا لعصام العريان من مخبئه.. يدعو لتحويل مصر لساحة اعتصام مفتوحة.. وعندما يناشد الشيخ جوزيف القرضاوي.. قوات الجيش المصري بعدم إطاعة أوامر القادة.. ويقول إن الشعب المصري لن يجد لقمة العيش.. لأن كيلو الطماطم بقي ب 8 جنيهات! فإنهما لا يفعلان ذلك للدفاع عن الإسلام ولا عن الشرعية.. وإنما يدافعان عن النظام السياسي في قطر.. قبل أن يتحول إلي النظام الجمهوري.. ويصبح الاسم الرسمي للدولة هو.. جمهورية قطر.. الشقيقة!