لا شك أن الشقيقة قطر قد حصدت في الآونة الأخيرة مكاسب معنوية هائلة، ونالت تقديرا وإعزازا فائقا ومحبة كبيرة في قلب كل عربي؛ بسبب مواقفها المشرفة من ثورات الشعوب العربية، وقد ارتفع رصيدها الإنساني في قلوبنا جميعا بشكل لم يسبق له مثيل بعد موقفها النبيل والمشرف من مسألة اختيار أمين عام جديد للجامعة العربية، فبسحبها لمرشحها وإفساحها المجال أمام المرشح المصري للمنصب ضربت أروع الأمثلة في الوفاء والبر بالأشقاء وتقديم الدعم والعون لهم حتى على المستوى المعنوي، فمصر الثورة كانت بحاجة إلى مثل هذا الدعم المعنوي المهم بنيلها رئاسة منظمة إقليمية مهمة كالجامعة العربية؛ وذلك حتى لا يزعم فلول النظام البائد ودهاقنة السياسة وكهنة الإعلام أن مصر بعد الثورة بدأت تفقد مكانتها الإقليمية!! ولن ينسى المصريون موقف قناة الجزيرة القطرية البطولي أثناء الثورة المصرية المباركة، كما لن ينسوا أن قطر هي صاحبة أول بيان رسمي لتأييد الثورة المصرية ومؤازرة الشعب المصري ودعم إرادته الحرة والترحيب بنجاح ثورته والاعتراف بها رسميا منذ أعلن اللواء عمر سليمان تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن السلطة. ولن ينسى المصريون أن سمو أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني كان أول زعيم دولة عربية يزور القاهرة بعد ثورتنا المظفرة، وشعب مصر العريق شعب أصيل ولا يمكن أن ينسى أبدا اليد التي تمتد له بالخير، وطبيعي جدا أن نرى هذا الشعب الوفي يعبر لقطر أميرا وحكومة وشعبا عن أسمى مشاعر الامتنان والشكر الجزيل والعرفان بالجميل، وإن كان ليس ثمة جميل بين الأشقاء. وفي الحقيقة تستحق قطر كل هذا التكريم وأكثر، ولن تنسى الذاكرة العربية موقف قطر من أهلنا في غزة وفي فلسطين كلها، وموقفهم الداعم بقوة للشعب الليبي والشعب اليمني، ونتطلع ألا يقل عن ذلك دورهم المنتظر لدعم الأشقاء في سوريا، فقد أثبتت قطر أن مواقفها المختلفة تنطلق من مبادئ راسخة تعلو على فكرة التحالفات والتجاذبات السياسية، فقطر تنظر أول ما تنظر لدعم أشقائها من أبناء الدول العربية فهم الأصل بالنسبة لقطر، والمصالح السياسية البرجماتية تأتي لاحقا، وقد لا تأتي!! لكن المهم لقطر هو أن تدعم إخوانها من سائر الشعوب العربية وتقف بجانبهم لاسيما وقت الحاجة. وليس سرا أن نقول إن بعض وربما أكثرية العرب كانوا يظنون أن قطر هذه الدولة الصغيرة تميل إلى تصنع لنفسها بروباجندا صاخبة، وأن تصرفاتها المختلفة تأتي من قبيل حب الظهور والرغبة في إثبات الذات، والتأكيد على المكانة، وكأنها تريد أن تقول للعرب والعالم: نحن هنا، وربما تعاملت بعض الأنظمة كنظام مبارك البائد مع قطر بهذا المنطق فشغبوا ضدها، وشوشروا عليها وزايدوا على ما حققته من إنجازات دبلوماسية واضحة وبارزة في العقد الأخير على الأقل، لكن أثبت القطريون بعد فوزهم المستحق بتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022م إن شاء الله وتفوقهم في ذلك على الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها أثبتوا أنهم دولة حديثة فعلا، وشعب ذكي عرف كيف يحفر لنفسه مكانة مرموقة في التاريخ المعاصر، وأكدت نجاحاتهم المتلاحقة أنهم يسيرون وفق خطط علمية مدروسة ولا يتحركون في شكل عشوائي، أو من منطلق دعائي كما روج الحاقدون. نعم قد أثبتت قطر فعلا لا قولا ولا دعاية وهمية أنها دولة عصرية حديثة تهتم بالتخطيط والبحث العلمي، وتنشئ نهضتها ومشاريعها الحديثة على أسس علمية راسخة، وأثبت سمو أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عمليا أنه رجل الوفاء، وجميع المصريين يتذكرون أنه وهو الأمير وزعيم الدولة قد قام بزيارة غير رسمية وعاجلة لمصر قبل عدة أشهر لتقديم واجب العزاء في وفاة معلمه المصري الذي كان يدرس له في المرحلة الابتدائية!! فرجل بهذا الوفاء والنبل وهذه الأخلاق الإسلامية العربية الراقية ليس بمستغرب منه أن يقف بكل جرأة وشجاعة وتجرد لمساندة كافة الشعوب العربية وكأنه الأب الروحي لها، وقد أثلج صدورنا جميعا ما سمعناه من وزير المالية المصري الدكتور سمير رضوان بأن قطر ستستثمر في مصر وديعة مالية بقيمة عشرة مليارات دولار، وأنها ستقوم باستثمارات عملاقة على أرض مصر، وستستوعب نحو ربع مليون مصري للعمل لديها في تشييد النهضة العمرانية الهائلة التي تشهدها قطر حاليا، والشعب المصري العريق المعروف بوفائه الشديد وعدم نكرانه للجميل إذ يشكر لهذا الرجل النبيل صنيعه يتمنى لشعب قطر الشقيق دوام التفوق والتقدم والازدهار، ويتطلع إلى إقامة شراكة إستراتيجية على أعلى المستويات بين مصر وبين قطر العزيزة، وبينهما وبين كافة الدول العربية الشقيقة. * كاتب إسلامي مصري.