أثبتنا في المقال السابق أن دعوة الإسلامويين للحوار كانت ومازالت «دعوة حق لتغطية الباطل» لا لشيء إلا لأن فكرهم النظري يصادر علي العقل ويعطله لصالح النقل، ويرفض الإبداع من أجل إعلاء الاتباع، هذا فضلا عن رفض الآخر بقضه وقضيضه، فما بالك بفكره؟ من هنا لم تسفر جلسات الحوار المزعوم إلا عن المزيد من التسلط والإقصاء، لقد كانت – باختصار – مصادرة علي المطلوب، والهروب «التكتيكي» إلي الأمام، بما يعني فرض «الأمر الواقع» باعتباره قدرا مقدورا، وطرح قضايا أخري هامشية كموضوع للحوار، شأنهم في ذلك شأن «الصديق الإسرائيلي» في مفاوضاته – التي لا تنتهي – مع الفلسطينيين!! أما عن مفارقة الدعوة إلي «نبذ العنف»، فهي لا تثير إلا الدهشة والضحك «الميلودرامي»، إذ كيف يمكن تصور الإرهابي سفاك الدماء داعية إلي السلام والوئام؟نحن في غني عن سرد تاريخ الإرهاب «الإخواني» منذ تأسيس الجماعة، ذلك الإرهاب الذي أكسبوه قداسة «الجهاد»، وهو ما ينطق به شعارهم المرسوم في صورة سيفين بينهما مصحف!! جهاد ضد من؟ يشهد التاريخ علي أنه ضد الوطنيين المصريين، وحسبنا موقفهم المخزي من نضال المصريين ضد الاحتلال البريطاني، وإذ شاركوا في حرب فلسطين سنة 1948، فكانوا أحد أسباب الهزيمة، بما لا يتسع المجال لعرضه، لقد تحولت الحركة – منذ تأسيسها عام 1928 – من الدعوة إلي السياسة التي أكسبوها طابعا سريا بتشكيل «الجهاز السري» الذي تحددت مهمة أعضائه في «الاغتيال السياسي». وحسبنا الإشارة إلي جرائم اغتيال حكمدار القاهرة سليم ز كي، وقيل الكثير بصدد مشاركتهم في اغتيال أحمد ماهر، ومن بعده النقراشي، ومحاولة اغتيال خلفه في زعامة الأحرار الدستوريين، ومصطفي النحاس، ولايزال حادث ما عرف باسم «السيارة» الجيب يلحق العار بلحاهم المهذبة. ناهيك عن محاولة اغتيال جمال عبدالناصر، مرة في حادث «المنشية» المعروف، وأخري علي يد القطبيين، الأمر الذي عرضهم للمحن والإحن وعذاب السجون «جزاء وفاقا»، وإذ توقف نشاط التنظيم السري – إلي حين – فكان لالتزامهم «التقية» ليس إلا، أما وقد أخرجهم «السادات» من غيابات السجون، فقد عاودوا الكرة مرة أخري إبان إمامتي مأمون الهضيبي ومصطفي مشهور، ومازال التنظيم السري يمارس نشاطه – بزعامة الشاطر – إعدادا لجولة أخري مع ثوار 25 يناير، ويعلم الخاص والعام حقائق ما جري من سفك دماء الثوار أمام قصر «الفرعون» علي يد أفراد الجهاز السري للجماعة، ولاتزال صور البطش والتنكيل الوحشي ببعض الثوار أمام القصر – برعاية ساكنه – تثير الاستياء والغضب الذي يؤجج مشاعر الثأر في نفوس الشعب المصري الثائر، ناهيك عما جري وحل بشعب «بورسعيد» و«السويس» من إزهاق أرواح عشرات الشهداء الذين قتلوا غيلة، وبوسائل مسفة يندي لها الجبين، هذا فضلا عن اختطاف مئات الثوار والتمثيل بهم سرا وعلانية. إطلاق القتلة الأنكي من ذلك، ما حدث في عهد «الفرعون» – الجديد والأخير – من إطلاق سراح القتلة والإرهابيين وسفاكي الدماء من جماعات الإسلام السياسي، فضلا عن السماح بعودة نظرائهم – المحكوم عليهم غيابيا بالإعدام والسجن المؤبد – من ينتمون إلي تنظيمات الجهاد والجماعة الدينية، وحتي تنظيم القاعدة، وتوطينهم في سيناء بقصد الاستعانة بهم كاحتياط استراتيجي لتأديب الشعب المصري في معركة «اليوم الموعود» القادمة من ناحية، وتأديب عرب سيناء المعارضين للمخطط الإخواني الأمريكي – الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية علي حساب التراب الوطني المصري، وقد باغتتنا الصحف المصرية – في أول مارس 2013 – بنبأ منح الجنسية المصرية لفلسطينيين من حماس – قيل نحو 12 ألف فلسطيني من أمهات مصريات – لتؤكد حقيقة ما ذهبنا إليه سلفا. لذلك – وغيره – شبه بعض الكتاب جماعة الإخوان المسلمين – وحلفاءهم من فصائل الإسلامويين – بالخوارج، كناية عن ميلهم القطري لسفك دماء المخالفين في المذهب. ونحن نشاحح في هذا التشبيه الذي يتجني علي هؤلاء الخوارج، إذ المعروف أن الأخيرين كانوا يقاتلون إما دفاعا عن النفس ضد نظم جائرة – أموية وعباسية – أو تحقيقا لمبادئ إسلامية سامية كالعدالة والشوري. وفيما جري بينهم وبين الخصوم من حروب، كان الخوارج يعلمونهم بالحرب قبل خوضها، فضلا عن عدم تتبع الهاربين، أو أسرهم، هذا بالإضافة إلي التعفف عن الغنائم، حيث درجوا علي سلب السلاح فقط، دون الأموال أو المتاع. الطعن في الظهر أما الإسلامويون المعاصرون، فتشهد مواقفهم إزاء الخصوم بتدبير المكائد، والطعن في الظهر غيلة، فلا يتورعون عن اتباع أكثر الوسائل خسة ونذالة، فهم «مكيافيليون» بالسليقة والدربة، تأسيسا علي قول «الإمام الشهيد» «الحرب خدعة»، وحكم المرحوم «سيد قطب» بأن المخالفين لمذهب الجماعة من المسلمين «كفرة» لا يستحقون الرحمة، بل يجب التعامل معهم ب «استعلاء»!! أما أتباع «الجماعة الدينية»، فيأخذون علي «الفرعون» سياسته المهادنة – من وجهة نظرهم – ويحرضونه علي التحلي بالشجاعة ورباطة الجأش لسفك دماء الثوار، ومن الغرابة بمكان أن يقود زعيمهم – الذي يدعي التوبة عن جرائمه – «مليونية» ترفع شعار «نبذ العنف» تحت رايات سوداء – لا أعلام مصر – دلالة علي الوعيد بالثبور وعظائم الأمور. ونحن في غني عن تنفيذ ادعائهم التوبة حسب مازعموا من «مراجعات» جعلهم يندمون علي ما اقترفوا من جرائم سفك دماء المسلمين، وحرق كنائس الأقباط، ونهب الأموال، وقتل السياح، واغتيال رفعت المحجوب – رئيس مجلس الشعب الأسبق – وغيره من المواطنين الأبرياء، وإذ نقر بتوبة البعض – مثل ناجح إبراهيم كمثال – فإن الأكثرية منهم ومن تنظيم «الجهاد» مازالوا علي «العهد» محافظين، ولم يتورع أحد قتلة «الرئيس السادات» أن يعلن في إحدي القنوات الفضائية عن ذلك بوقاحة فجة. أما الجماعات السلفية – وما أكثرها – فقد لفظت «الدعوة» إلي الاشتغال بالسياسة، لا لشيء إلا تنفيذا لمخطط وهابي لتركيع المصريين، خصوصا بعد نيل الحظوة والثروة من أموال البترو-دولار، ومعلوم أن نوال الثروة – حسب ابن خلدون – «يحفز إلي طلب الجاه»، لذلك آزروا جماعة الإخوان في الوصول إلي السلطة، طمعا في نصيب من الكعكة، وإذا لم يتحقق مطعمهم، فقد انصرفوا عن تأييدهم – ربما تنفيذا لتكتيك ما – أو لطمعهم في الاستئثار بالسلطة وحدهم، ولم لا؟ فهم أكثر عددا، وأقوي عصبية، ويحظون بتأييد «خادم الحرمين الشريفين». شقاق السلفيين مع ذلك، دب الشقاق بين السلفيين، فتحول الخلاف السياسي إلي اختلاف مذهبي أفضي إلي انقسام إلي شعبيته الأولي «إبيقورية» آثرت متع الحياة الدنيوية الحسية، خصوصا بالجنس!! أما الثانية، فمالت إلي التطرف والعنف، فيما عرف ب «السلفية الجهادية» التي تزمع تأسيس دولة مستقلة بسيناء!! يشي هذا العرض المقتضب بأن الداعين إلي نبذ العنف هم أولياء العنف ذاته، وفاقد الشيء لا يعطيه، خصوصا وأن هؤلاء الدعاة – علي تعدد وتنوع فصائلهم – «متأدلجين» «بدوجما» دينية أبعد ما تكون عن مبادئ الإسلام السمحة الذي أنزل «رحمة للعالمين»، وتحول علي أيديهم وبعقولهم الخاوية إلي «سوط عذاب» للمؤمنين الآمنين.